لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.
بدأت القصة العام 1903 عندما اخترع الأخوان رايت أول طائرة ناجحة، وبحلول العام 1914، استُخدمت الطائرات في القتال لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، وأصبحت تُجري عمليات الاستطلاع والقصف والقتال الجوي، حينها كان الأمر بمثابة ثورة حقيقية في الواقع العسكري، قلب موازين القوى دائمًا لصالح سلاح الجو، ووسّع ساحات المعارك لتشمل الأرض والبحر والسماء، فتغير وجه الصراعات العسكرية إلى الأبد.
حدث شيء آخر قبل نحو 20 عامًا من الآن، تحوّل الآن إلى ثورة أخرى في عالم الاستراتيجيات العسكرية، إذ بدأت واشنطن في ذلك الوقت استخدام أنظمة الطائرات بدون طيار على نطاق محدود، وبمرور السنين أصبحت الطائرات بدون طيّار رخيصة التكلفة، وذات سرعة أكبر في المناورة، ودقة أكبر في ضرب الأهداف.
نجحت القوات الأمريكية في استخدام أنظمة الطائرات بدون طيّار، خاصة مع تفوق MQ-9 Reaper و MQ-1 Predator في العمليات القتالية، ومع إدخال المزيد من التطوير عليها تحولت إلى أداة أكثر فتكًا وتدميرًا.
يشرح لنا الطفرة التي حققتها الطائرات بدون طيّار في ساحات المعارك كلٌ من اللواء شون جيني،
مدير المكتب المشترك لأنظمة الطائرات بدون طيار الصغيرة في الجيش الأمريكي،
والنقيب كريس بيتفيلد مسؤول العمليات الاستراتيجية في المكتب نفسه، في مقال لهما في مجلة
"رابطة جيش الولايات المتحدة"
"Association of the United States Army"
الصادرة في فيرجينيا، واللذان يؤكدان أن سلاح السماء الجديد أثار ذعرًا حقيقيًا خاصة بعد
وصوله إلى جهات فاعلة غير حكومية مثل الحوثيين في اليمن وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"،
لكن الخطورة تفاقمت بعد أن تحوّل السلاح الجديد إلى سلاح حاسم في عدد من الصراعات النديّة.
الطائرات بدون طيّار في ساحات المعارك
استعانت أذربيجان في حربها ضد أرمينيا في إقليم ناغورنو كاراباخ بالطائرات بدون طيار
الإسرائيلية "هاروب" والتركية "بيرقدار تي بي2" العام 2020، وأدت إلى انتصار أذربيجان
انتصارًا عسكريًا حاسمًا، ما دفع العديد من الدول إلى التعاون مع كلٍ إسرائيل وتركيا لاكتساب
هذه القدرات لتغيير قواعد اللعبة.
أما في أوكرانيا فقد أظهرت طائرة بيرقدار التركية، قدرات خاصة، ألحقت أضرارًا مدمرة
ضد القوات الروسية المتوغلة داخل الأراضي الأوكرانية.
قواعد جديدة للاشتباك
نظرًا لقدراتها منقطعة النظير، وحسمها السريع للمعارك، باتت الحاجة ملحّة إلى أنظمة خاصة
مضادة للطائرات بدون طيار.
في الوقت الذي فشل فيه نظام "بانتسير" المضاد للطائرات - فخر الصناعة الروسية - في التعامل
مع الطائرات بدون طيار التركية، أوضح "جيني" و"بيتفيلد" أن البنتاغون يسعى حثيثًا لمجابهة
هذه الطائرات، - فلا يجوز أن يوجد سلاح ليس لدى الأمريكيين مضاد له - ولهذا السبب أنشأت
وزارة الدفاع الأمريكية نظام استراتيجي لمواجهة الطائرات بدون طيار من 5 مستويات، كل مستوى
يتعلق بزيادة الحجم والسرعة والارتفاع الأقصى، إضافة إلى عدد الطائرات، باستخدام نظام UAS
المضاد باستراتيجيات مناسبة لكل مستوى.
أقر القائدين العسكريَين الأمريكيين بأن المسألة تطلّبت زيادة كبيرة في تكاليف التطوير والتدريب
والتوظيف مع فعالية وكفاءة أقل في دعم عمليات القوات المشتركة، مشيرين إلى تعيين وكيل تنفيذي
خاص لوزارة الدفاع للطائرات بدون طيار صغيرة الحجم، في نوفمبر 2019، إضافة إلى إنشاء سكرتير
الجيش المكتب المشترك لأنظمة الطائرات بدون طيار الصغيرة، المكتب الذي يقود عملية تطوير قدرات
أنظمة الطائرات بدون طيار الصغيرة والمرنة.
الحل الأمريكي الناجع
تمخض عمل المكتب الأمريكي عن استراتيجية تتضمن ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في تعزيز
القوة المشتركة عبر الابتكار والتعاون لحماية أفراد الوزارة والأصول والمرافق داخل أمريكا وخارجها،
وتطوير الحلول المادية وغير المادية التي تُسهّل التنفيذ الآمن لمهام وزارة الدفاع، وحرمان الخصوم من
القدرة على إعاقة أهداف القوة المشتركة، إضافة إلى بناء وتوسيع علاقات البنتاغون مع الحلفاء والشركاء
لحماية المصالح الأمريكية في الداخل والخارج.
تتحقق أهداف الاستراتيجية عبر محاور رئيسة تتمثل في تجهيز القوة، والدفاع عن القوة، وبناء الفريق،
وصِيغت الاستراتيجية بشكل أكثر عمقًا في وثيقة خاصة أصدرها البنتاغون.
كما يُجري المكتب المشترك لأنظمة الطائرات بدون طيار الصغيرة عرضًا تقنيًا مرتين في السنة،
لضمان استمرار التقدم في تطوير القدرات الدفاعية، وركز العرض الأخير أبريل الماضي، على
أنظمة الميكروويف الأرضية عالية الطاقة، التي تُنتج موجات كهرومغناطيسية من موقع أرضي
ثابت مع طاقة كافية لتدمير أو هزيمة تهديدات الطائرات الصغيرة بدون طيار المحمولة جوًا.
لم تنته الرحلة الأمريكية في البحث عن مضاد ناجع للطائرات الصغيرة بدون طيّار، كما يؤكد
القائدين الأمريكيين، إذ أكدا أنه رغم إحراز البنتاغون تقدمًا في إنشاء قوة مدربة ومجهزة لمواجهة
التهديد الذي لا يُمكن إنكاره الذي تمثله هذه الطائرات، فإن هذا التهديد يتقدم بسرعة وباستمرار،
وسيتطلب نهجًا ديناميكيًا يستمر في تعزيز الجهود بين البنتاغون والحلفاء والشركاء والصناعة
والأوساط الأكاديمية.
_____________________
نُشر في صحيفة الكرامة الأحد 04 سبتمبر 2022
تعليقات
إرسال تعليق