القائمة الرئيسية

الصفحات

الاستراتيجية الأوبامية في أفغانستان.. خيار الفشل

 

أثبتت الأيام صدق ما كتبته منذ 13 عامًا عن خيارات الفشل الأمريكية في أفغانستان

الإستراتيجية الأوبامية في أفغانستان.. خيار الفشل



بعد مضي ثماني سنوات على شن الحرب الأمريكية الأطلنطية على أفغانستان لم تتحقق أيٌّ من أهدافها المعلنة، فلم يتم القبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان، بل إن حكومة طالبان ما زالت كما هي بوزرائها، ولم يتحقق الأمن والاستقرار في البلاد، ولم يتم بناء جيش أفغاني يُعتمد عليه من قبل قوات الاحتلال في ضبط الأوضاع أو هزيمة طالبان أو القاعدة هزيمة نهائية.
وبالرغم مما قاله الأمريكيون في بداية الحرب من أن هذه الأهداف ستستغرق عامًا أو يزيد، فإن العام زاد إلى ثمانية ولم يُنجَز شيء على أرض الواقع.
ويبدو أن قوات أكبر حلف عسكري في التاريخ "حلف الناتو"- والذي تأسس للوقوف في وجه الإمبراطورية السوفيتية- عاجزة عن هزيمة حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان بعد ثماني سنوات من الحرب الضارية.
ومنذ توليه مقاليد الحكم في واشنطن رأى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الساحة الرئيسية للحرب ضد الإرهاب هي أفغانستان، فبعد أن استتبت الأوضاع نسبيًّا في العراق تقرر الانسحاب التدريجي وإلقاء الأعباء على قوات الشرطة والجيش العراقيين لم يعد سوى أفغانستان والتي يرى أوباما أن الحرب فيها لها مبررها الشرعي كرد على اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والتي دبرت هناك، بعكس العراق الذي لم يكن يرى مبررًا قويًّا لاحتلاله.

أوباما والاختيار الصعب




ظل الرئيس الديمقراطي الجديد متخبطًا إزاء الإستراتيجية المثلى للحرب في أفغانستان، خاصة مع تواصل الخسائر المادية والبشرية التي تتكبدها القوات المقاتلة سواء الأمريكية أو غير الأمريكية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى ضغوط الحلفاء والذين رأى عدد منهم أن الانسحاب الكامل هو الخيار المناسب مع عدم حدوث أي تقدم يذكر على ساحة المعركة.
فأصبح أوباما أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإما خيار الانسحاب للهروب من المستنقع الأفغاني بعد تراجع الثقة في إمكانية تحقيق الانتصار، وهو القرار الذي لا يمكن اتخاذه ليس فقط لأن الأهداف المعلنة من الحرب لم تتحقق ولكن لأن الواقع الإستراتيجي يؤكد هزيمة قوات الناتو أمام طالبان والقاعدة في حالة الانسحاب، ولن تمر هذه الهزيمة بسهولة على الغرب، فإن كانت هناك خلافات بين الحلفاء فيما يتعلق بالحرب على العراق فلا يوجد أي خلاف على الحرب في أفغانستان، بالإضافة إلى أن البعض يتحدث في دوائر غربية عن أن الهزيمة في أفغانستان تعني أن قرونًا من التفوق الغربي ذهبت هباءً.
أما الخيار الثاني، فهو ضخ المزيد من القوات العسكرية والميزانيات المالية بهدف كسب الحرب بتوجيه ضربات أعنف وأعنف ضد القاعدة وطالبان، ودق كافة الأبواب لتحقيق النصر حتى لو كانت أبواب الصين وروسيا وإيران، فيما يبدو مغامرة ومخاطرة غير محسوبة العواقب وغير مكترثة بتجارب التاريخ.

استراتيجية أوباما


أخيرًا أعلن باراك أوباما عن خياره بعد حيرة طويلة، حيث قرر دعم القوات الأجنبية في أفغانستان لتحقيق الانتصار، حيث أعلن الثلاثاء الماضي في خطاب ألقاه في "معهد وست بوينت العسكري" عن إرسال تعزيزات قوامها 30 ألف جندي إضافي ستبدأ الوصول إلى أفغانستان خلال أسبوعين أو ثلاثة على أن تعود بعد إنجاز مهامها خلال 18 شهرًا من الآن.
وبذلك تصل القوات الأمريكية في أفغانستان إلى ما يزيد على المائة ألف جندي، وبهذه الطريقة ستتورط القوات الأمريكية في أفغانستان بشكل يصعب معه في حال تعقد الأمور الانسحاب بسهولة، مما يزيد من تكلفة القتال، حيث وضع أوباما ميزانية مبدئية 30 مليار دولار، وهو عبء على الخزينة الأمريكية التي تعاني آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
أكد أوباما خلال خطابه أن أمن أمريكا والأمريكيين على المحك، لذلك تم اتخاذ القرار على هذا النحو، وهو ما يؤكد خطورة الموقف في أفغانستان.


احتواء استراتيجية أوباما على موعد لانسحاب القوات يبدأ من منتصف 2011 وحتى 2012 له مدلولاته السلبية كما قال السيناتور جون ماكين بالنسبة "للأصدقاء والأعداء" على حد سواء، حيث يعطي مدلولاً بأن واشنطن هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في قرارات الحرب والانسحاب دون مراجعة الحلفاء ،كما أنه يؤكد في الواقع الخوف الأمريكي من استمرار الحرب لفترة أطول قد لا تتحملها الدولة الأمريكية والحلفاء على حد سواء، وهو ما يفيد بوجود إحساس بعدم القدرة على تحقيق الانتصار في فترة زمنية وجيزة، أي شعور بفشل العملية قبل خوضها.
وقد كانت تأكيدات أوباما على خطورة "القاعدة" واحتمالية وجود هجمات داخل الأراضي الأمريكية، وحديثه عن مهمة أمريكا الأخلاقية في الدفاع عن الحرية جعلته يبدو كامتداد طبيعي لسلفه بوش الابن.

استراتيجية أوباما في ميزان الواقع الاستراتيجي


ولنبدأ من واشنطن حيث ووجهت استراتيجية أوباما بالهجوم من العديد من الديمقراطيين المناهضين للحرب بالإضافة إلى هجوم العديد من الجمهوريين عليها لاختلالها أساسًا بسبب تحديد موعد لانسحاب القوات مما يجعلها تحت ضغط إضافي حيث إن ساحة القتال تتسم بالتغير وبالتالي باستمرارية التخطيط الإستراتيجي الذي يجب أن يكون مصاحبًا للتغيرات التكتيكية على أرض المعركة.
بالإضافة إلى الخلافات بشأن الميزانية المخصصة للإستراتيجية الجديدة والمقدرة بـ30 مليار دولار حيث بات الكونجرس على بعد أيام من المصادقة على قانون الانفاق السنوي للبنتاجون الذي يشمل 130 مليار دولار لتمويل الحروب في العراق وأفغانستان، وما أن تتم المصادقة على مشروع القانون فستكون جملة ما أنفقه البنتاجون على الحربَيْن تقارب تريليون دولار منذ الغزو- وذلك بحسب لجنة الأبحاث التابعة للكونجرس- وقد ذهب ثلث هذه التحولات إلى الجبهة الأفغانية، لكن تلك المنطقة تحولت إلى ساحة حرب تتزايد تكلفتها يومًا بعد يوم، وإذا ما تم إقرار التمويلات الجديدة فإن التكلفة الإجمالية لعمليات العام المقبل ستصل إلى 100 مليار دولار، مرتفعة من 43 مليار دولار في ميزانية عام 2008م و55 مليون دولار في عام 2009م، وقد قال أوباما في كلمته: "لا يمكننا التخلي بسهولة عن تحمل تكلفة هذه الحروب". كما تعهد بالعمل مع الكونجرس في تدبير تكلفة إستراتيجيته، وفي الوقت الذي قام فيه الكونجرس بعقد نقاشات مطولة في السنوات السابقة حول تشريع التمويل الإضافي للحملات العسكرية في العراق وأفغانستان تم إدراج النفقات أخيرًا في طلبات ميزانية الدفاع السنوية، ولم يشمل طلب تمويل القوات الذي قدمه أوباما ضمن ميزانية البنتاجون، ومن ثَمَّ يُتَوَقَّع أن تبدأ جولة جديدة من النقاشات بشأن التمويل قريبًا.
ومع كل ما سبق فإن هناك العديد من الحقائق على أرض المعركة تقلل من قيمة التعزيزات العسكرية الأمريكية؛ حيث إن ساحة القتال في أفغانستان أثبتت أن القتال البري هو الحاسم في هذه الحرب، فعلى مَرِّ ثماني سنوات مضت من الحرب في البلاد الجبلية الوعرة تبادلت القوات الأجنبية مع حركة طالبان الحكم في العديد من مناطق أفغانستان بعيدًا عن العاصمة كابول، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية تبعًا لفصول السنة حيث تسيطر القوات الأجنبية على الأرض في فصل الصيف، بينما تسيطر طالبان على نفس الأرض في الشتاء بعد انسحاب القوات الأجنبية منها، والتي لا تتحمل ثلوج الجنرال شتاء؛ إضافة إلى أن إستراتيجية الحلفاء في القتال تقوم على إرهاب وترويع المدنيين من أجل الضغط على المقاومين للتسليم أو الانسحاب، وهي نفس الإستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة وباءت بالفشل، حيث استمرت حماس في مكانها، بل واكتسبت المزيد من القوة، ولا تؤدي هذه الإستراتيجية إلا إلى كراهية المدنيين للقوات الأجنبية، مما يعطي مساحة أكبر لطالبان لتتحرك وسط صفوف الجماهير.
وإذا فاقت قوات الحلفاء المائة ألف مقاتل فالحقيقة أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك إحصاء دقيقًا أو شبه دقيق لأعداد المقاتلين في صفوف طالبان والقاعدة، هذا بالإضافة إلى أن طالبان والقاعدة يعتمدان على احتياطي هائل من البشر المتطوعين، أو ممن لديهم الاستعداد في أي وقت للتطوع لقتال الصليبيين يقدر بنحو 202.154.000 هم عدد سكان أفغانستان وباكستان، معظمهم من الشباب الفقير المعدم المحبط المتدين والأمي أيضًا، بما يعني أن القوات الأمريكية تواجه عدة ملايين ممن لديهم الاستعداد للقتال، وإذا علمنا مدى موالاة قبائل البشتون المنتشرة بموازاة الحدود الأفغانية الباكستانية لطالبان، وأن تعداد هذه القبائل يقارب 40 مليون نسمة لن تزعزعهم القنابل النووية عن عصبيتهم القبلية أو تشددهم الديني، بل ولن تقوى على إبادتهم هذا في حال لو جن جنون واشنطن واستخدمت السلاح النووي؛ فإن إستراتيجية أوباما بهذا المعنى والقائمة على زيادة القوات 30 ألفًا من الجنود لا تمثل أي تغيير يذكر في حرب أفغانستان، بالإضافة إلى أن عدم الفصل بين ساحة القتال في أفغانستان وباكستان قد يدفع الأخيرة إلى تقديم مزيد من التنازلات لصالح قوات التحالف في الوقت الذي تعاني فيه من تمزق شديد، فالشارع الباكستاني في حالة غليان من تكرار الانتهاكات العسكرية الأمريكية الأطلنطية للسيادة الباكستانية وقصف المدنيين، كما أنه من ناحية أخرى فإن الجيش الباكستاني في حالة استنفار شديد بسبب ما آلت إليه أوضاع البلاد بين تصاعد قوة ونفوذ الهند من جانب، واتهامات كابول وواشنطن بالتقصير في مواجهة القاعدة وطالبان من جانب آخر.
ومهما كان استعداد باكستان لتلبية رغبات واشنطن وضرب حركة طالبان باكستان فإن الولايات المتحدة لن ترضى؛ حيث إن هناك دوائر أمريكية تؤكد أن المؤسسة العسكرية الباكستانية سواء الجيش أو جهاز المخابرات العسكرية الباكستاني "isi" مخترقة بالفعل من قبل عدد من الجماعات الإسلامية التي توصف بالمتشددة. كما أن محاولة أمريكا "أفغنة" الصراع لن تأتي بالنتيجة المرجوة، وقد أثبتت تجربة ثماني سنوات الفشل الأمريكي في تكوين جهاز أمني وقوات مسلحة أفغانية يمكن الاعتماد عليهما بدلاً من المواجهة المباشرة مع قوات طالبان والقاعدة.
الحقيقة أن واشنطن سقطت في نفس المستنقع الذي أسقطت فيه الاتحاد السوفيتي من قبل، ولم تستفد من تجربة الروس المريرة في أفغانستان، ومن قبلهم الإنجليز.


author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات