القائمة الرئيسية

الصفحات

الاعتذار الصهيوني لأنقرة.. خضوع الذئاب

 

يبدو أن الذئاب لا تخضع بهذه السهولة التي كتبت عنها العام 2010، إن أكثر الأعداء صلابة في مواجهتك هو أكثرهم دهاءً ومكرًا، الذي ما إن يُدرك أنك تمتلك قوة يُمكنها إخضاعه، حتى يبدو أمامك خاضعًا لتأمن جانبه، وفور ما تفعل يفتك بك تمامًا لكي يُنهي وجودك إن أمكن أو يحوّل قوتك إلى ضعف، وهذا ما فعله الذئاب 2010 ودائمًا ما يفعلون...

الاعتذار الصهيوني لأنقرة.. خضوع الذئاب


أنقذ اعتذار الكيان الصهيوني لتركيا العلاقات التركية- الصهيونية من أزمةٍ كادت تعصف بتاريخ العلاقات بين البلدين، والتي لا تلبث أن تهدأ حتى تتوتر؛ وذلك إثر قيام نائب وزير الخارجية الصهيوني داني أيالون باستدعاء السفير التركي أوغوز تشيكي كول ليبلغه باحتجاج الكيان الصهيوني على انتقادات حكومة بلاده له وبث المسلسل التركي "وادي الذئاب" والذي يتناول صراعًا بين المخابرات التركية والموساد ويظهر فيه أفراد الموساد على أنهم مجرمون يخطفون الأطفال ويطلقون الرصاص على كبار السن.

أساء داني أيالون إلى السفير التركي حيث تركه ينتظره في ممر في وزارة الخارجية وسط عدسات كاميرات وسائل الإعلام المختلفة ثم أجلسه على مقعد منخفض عن المقاعد التي يجلس عليها ورفاقه ولم يقدم له أي تحية كما أنه لم يضع العلم التركي بحسب البروتوكولات الدبلوماسية واكتفى بالعلم الصهيوني وعند طلب أحد المصورين الصحفيين التقاط صورة لأيالون وهو يصافح السفير رفض أيالون، بينما حاول السفير التركي التغاضي عن الموضوع حيث كان في موقف لا يحسد عليه.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان أن "نتنياهو ووزير الخارجية أفيجدور ليبرمان أعدا بالتنسيق رسالة الاعتذار التي أرسلها داني أيالون إلى السفير التركي آملين أن يضع ذلك حدًّا لهذه القضية".
وأضاف البيان أن رئيس الوزراء "أعرب مرة أخرى عن قلقه إزاء توتر العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا وأعطى توجيهات إلى المسئولين "لإيجاد وسائل تحول دون هذا الاتجاه".
وأعلنت أنقرة من جهتها قبول الاعتذار، وقال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بعد عودته من زيارة إلى روسيا "أبلغوني بأننا تلقينا الرد الذي كنا نريده والذي كنا ننتظره من الناحية الدبلوماسية وأن الرسالة الإسرائيلية تتضمن اعتذارًا صريحًا".
وذلك بعد أن دار جدل حول تصريحات أيالون عن الوقعة، وهل حملت اعتذارًا أم لا؛ حيث قال أيالون: "أصر على احتجاجي على الهجمات التي تستهدف "إسرائيل" في تركيا؛ غير أنه ليس من عادتي إهانة السفراء الأجانب وفي المستقبل سأوضح موقفي بطرق دبلوماسية مقبولة".
ورغم التصريحات اللاذعة من كلا الطرفين، والتي أنذرت بتفاقم الأزمة وتدحرجها ككرة الثلج.. رضخ الكيان الصهيوني، واعتذر بالشكل الذي أراده قادة تركيا التي هددت بسحب سفيرها في حالة عدم تقديم الاعتذار الملائم، لكن الكيان الصهيوني لم يقدم على الاعتذار إلا لأن الواقع يؤكد أنه بحاجة إلى تركيا الآن أكثر مما تحتاجه هي، وهذا ما أكده المحلل السياسي الإسرائيلي إيتان هابر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"؛ حيث قال إن "السفير التركي مثل أيالون يعرف ما يعرفه الجميع، وهو أن تركيا ليست بحاجة لـ"إسرائيل"، وإنما نحن الإسرائيليين كوننا دولة محاصرة بحاجةٍ إلى الأتراك.. وعلينا أن نشكرهم صباح مساء على مساعدتهم حتى عندما يهاجمنا رئيس حكومتهم"، وكتب ناصحًا أيالون "عندما تفتح فمك في المرة المقبلة انتبه وعليك أن تنظر إلى اليسار واليمين والخلف، وإذا رأيت كاميرات الصحفيين سد فمك".
وضمن الانتقادات الصحفية الصهيونية اللاذعة لسياسة الكيان الصهيوني ضد تركيا كتب سمدار بيري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" كذلك تحت عنوان "الخازوق التركي" أنه "لا يكفي الخازوق الذي أعددناه للسفير التركي.. الآن ينبغي استدعاء السفير الأردني وضربه على رأسه؛ يوجد ألف سبب لإجلاسه على أريكة منخفضة مثل التي جلس عليها السفير التركي فمنذ سنتين لم تزرنا هنا شخصية أردنية كبيرة وفي البتراء يرفعون أسعار الدخول للسياح الإسرائيليين وفي مظاهرات الشوارع في عمان يحرقون العلم الإسرائيلي، سفيرنا يتعرض للتهديد والاتحادات المهنية تقاطعه".
وأضاف "كما يمكن بسهولة إيجاد مائة سبب لأن ندعو ياسر رضا السفير المصري صحيح أن سلاح الهندسة المصري يحفر بنشاط أساسًا لجدار فولاذي يهدف إلى إغلاق أنفاق التهريب إلى غزة وهذا جيد لـ"إسرائيل" أيضًا ولكن ما قيمة الجدار الفولاذي هذا مقابل الكاريكاتيرات اللاذعة عن نتنياهو في صحف القاهرة؟ ولماذا توقفوا هناك عن التشهير بليبرمان؟ أيتساوى حالة الإهانة مع التجاهل المتعمد لوزير خارجيتنا؟".
والحقيقة أن السبب الرئيسي لإهانة الكيان الصهيوني للسفير التركي لم يكن مجرد بث مسلسل "وادي الذئاب" على شاشات التلفزة التركية وإنما هناك أسباب أخرى، فإلى جانب وقعة مؤتمر دافوس العام الماضي وموقف تركيا من الحرب والحصار على غزة، فإن دفاع أردوغان عن برنامج إيران النووي وتقاربه الشديد مع سوريا كانتا خطوتين مستفزتين للكيان الصهيوني، وقد عبرت عن ذلك تصريحات نتنياهو قبل وبعد وقعة إهانة السفير التركي؛ حيث حذَّر من تقارب تركيا مع إيران وسوريا، ووجَّه نداءً إلى واشنطن بوضع حد لما وصفه بإلقاء أنقرة بنفسها بين أحضان إيران وسوريا.
وكان أردوغان قد اتهم الكيان الصهيوني مجددًا بالاستخدام المفرط للقوة بحق الفلسطينيين بعد سقوط ثلاثة شهداء من حماس في غارة جوية لقوات الكيان، وأدان الخروقات المتكررة للمجال الجوي اللبناني أثناء مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني سعد الحريري في أنقرة، وقال إن بلاده لن تبقى صامتةً إزاء انتهاك "إسرائيل" للقرارات الدولية، وطالب بإصلاح الأمم المتحدة إن كانت قراراتها غير ملزمة؛ حيث قال: "إن القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة التي لم تطبقها "إسرائيل" تفوق المائة قرار، وهذا يتطلب بالتالي إصلاح الأمم المتحدة، وإذا كانت القرارات التي تصدر لا يمكن تطبيقها فإن هذه القرارات لا قيمةَ لها، وبالتالي هناك مشكلة حقيقية في هذا الخصوص".
ومع حث الكيان الصهيوني للقوى العظمى بتمرير توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية عبر أردوغان عن رفضه التام لهذه الخطوة، وقال: "إن تركيا ترفض تجربة عراق جديد في المنطقة، ما تتهم به إيران هو محاولتها امتلاك سلاح نووي وتركيا لا تؤيد امتلاك أي دولة للسلاح النووي، لكن في المقابل هناك سلاح نووي في "إسرائيل"، والذين ينتقدون إيران لمحاولة امتلاكها سلاحًا نوويًّا لا ينتقدون "إسرائيل" التي تمتلك بالفعل سلاحًا نوويًّا، وهذه مشكلة حقيقية".
وهو ما عجل بردة فعل صهيونية غير مدروسة تمثلت في إهانة السفير التركي وترتب عليها رضوخ الكيان الصهيوني أمام الباب العالي التركي والاعتذار عن هذه الفعلة المشينة التي أضيفت إلى قائمة الأفعال المشينة للكيان الصهيوني التي رافقته طوال ما يقرب من 62 سنة هي عمره.
وهو ما يعكس مدى صعود تركيا كقوة لها ثقلها في المنطقة وبغض النظر عما إذا كانت دوافع أنقرة في سياستها الخارجية ترجع إلى الجذور الإسلامية لحزب العدالة والتنمية أم لا، فإن المشهد التركي الحالي في المنطقة يختلف عنه قبل صعود العدالة والتنمية وأيًّا كانت دوافعه أيديولوجية أو براجماتية فإنه يعبر عن اتجاه تركي مستقل يهدف إلى تحويل تركيا مع نهاية العام الحالي إلى واحدة من بين أقوى عشر دول في العالم اقتصاديًّا وسياسيًّا وأن تكون تركيا مرجعًا أساسيًّا ليس فقط لحل قضايا الشرق الأوسط وإنما العالم بأكمله كما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وهو ما يتطلب حراكًا خارجيًّا مختلفًا على صعيد السياسات والتحالفات.
وإن لم تتدهور العلاقات التركية- الإسرائيلية في الفترة القادمة نظرًا لعمقها على كافة المستويات فإن ثمة شيئًا على الكيان الصهيوني استيعابه ألا وهو أنه إن كانت تركيا حليفًا فهي حليف مستقل له رؤيته المستقلة وكلمته المستقلة، والتي من السهل جدًّا أن تختلف أو تتعارض مع حلفائها.



author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات