القائمة الرئيسية

الصفحات

سيناريوهات الحرب القادمة في الشرق الأوسط

 


عبدالعظيم الأنصاري

بعد عقد ونيف يبدو قطاع غزة ثابت وحيد على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، سقطت أنظمة واهتزت عروش، ومازلنا نقف عند نفس النقطة في قطاع غزة أمام سيناريوهات لحرب قادمة تليها حروب... فهل يتبدّل المشهد هناك قريبًا ؟
سيناريوهات الحرب القادمة في الشرق الأوسط
أغسطس 2010
إذا كان ثمة اتفاق في الوسط السياسي على نشوب حرب بالشرق الأوسط، وأن الكيان الصهيوني هو أحد أطرافها، إلا أن الاختلاف ما زال قائماً حول توقيت هذه الحرب ورقعتها الجغرافية.
فبعد الخسائر الفادحة التي نالها الكيان في معركتي 2006م و2009م، ثمة أصوات داخل الكيان تنادي باستبعاد الحرب العسكرية خلال الفترات القادمة، وأخرى تدعو لحرب تُعيد كرامة الجيش الصهيوني المهدورة في الجنوب اللبناني وقطاع غزة، وتوجيه ضربة سريعة لسوريا أو إيران, لوقف الإمدادات عن المقاومة، وتعطيل مشروع طهران النووي.
وقد تلاحقت الأحداث خلال الأسبوعين الماضَيين, حيث أتمت الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني اتفاقية تطوير منظومة صواريخ «أرو» الدفاعية، وواجه حزب الله نتيجة تحقيق اللجنة الدولية الخاصة باغتيال لحريري الظنية بمهاجمة المحكمة، ووصفها بأنها مشروع صهيوني. فيما تحاول الرياض ودمشق تحاشي تصعيد الموقف في لبنان، بزيارة كلٍّ من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد لبيروت، التي ثمَّنتها باريس رغم أنها قلَّلت من فاعليتها، وكأنها تصفها بالمُسَكِّن الضعيف وليس العلاج. مروراً بالهجمات الصاروخية على مدينتي العقبة وإيلات (أم الرشراش المصرية) التي يحتلها الكيان الصهيوني التي أثارت لغطاً بين الأنظمة الحليفة في عمان وتل أبيب والقاهرة عن من يقف وراءها.
واتهم الكيان الصهيوني مصر بالتقصير الأمني وربما بالتواطؤ, حيث زعم أن الصواريخ انطلقت من سيناء، وتبعتها في اليوم التالي مباشرة اشتباكات حدودية بين الجيش الصهيوني والجيش اللبناني، أدت الى مقتل وإصابة لبنانيين ومقتل ضابط من جيش الاحتلال، وتقدَّم على أثرها الكيان الصهيوني بشكوى ضد لبنان في الأمم المتحدة، وهو ما ضَرَب به المثل السيد حسن نصر الله في خطابه بعد الاشتباكات «ضربني وبكى، سبقني واشتكى».
كلُّ هذه المؤشرات، بالإضافة إلى غارات متقطعة يشنُّها الجيش الصهيوني من حين لآخر على قطاع غزة، وتكريس مسلسل التهويد بالقدس المحتلة، في ظلِّ إجراء مفاوضات مباشرة بين الكيان والسلطة الفلسطينية في رام الله.

حرب بعد حرب

بدأت مقدمات الحرب القادمة من نهايات الحربين السابقتين في غزة ولبنان, حيث لم تحققا أي تقدم يُذكر للكيان الصهيوني، وبالتالي كان من الضروري شنُّ حرب أخرى لتحقيق ما لم يتحقق، ومن أجل شنِّ حرب جديدة كان لا بد من اجتياز بعض العقبات التي حالت دون الانتصار في الحربين السابقتين.
وأولى هذه العقبات كانت صواريخ المقاومة التي نجحت في ضرب عمق أراضي 1948م وبحساب المسافات التي تجاوزتها الصواريخ التي أطلقت من الجنوب اللبناني أو من قطاع غزة نجد أن معظم أراضي الكيان الصهيوني تصل إليها صواريخ المقاومة، دون أن نحسب ما لم يتم إطلاقه في حرب 2006م، وما استقدمته حركة حماس بعد الحرب من صواريخ وأسلحة وتجهيزات جديدة.
لذا قام الكيان بتطوير منظومة دفاع صاروخية قادرة على صدِّ جميع الصواريخ الموجهة للكيان الصهيوني، ووقَّع الكيان مع الولايات المتحدة في 26 من الشهر الماضي اتفاقية لتطوير نظام صواريخ «أرو2» الاعتراضية القادرة على ارتفاعات عالية ودمجها في منظومات الكيان المضادة للصواريخ.
وتتكون منظومة الدفاعات الجوية الصهيونية من ثلاثة أنظمة مضادة للصواريخ هي: «القبة الحديدية» لاعتراض صواريخ قصيرة المدى حتى 60 كيلو متراً، و«مقلاع داود» الذي يصل مداه إلى عدة مئات من الكيلو مترات، بالإضافة إلى نظام «أرو 3» لإسقاط الصواريخ خارج الغلاف الجوي.
وجاء الاتفاق العسكري الجديد بعد أسبوع من إعلان الكيان الصهيوني اكتمال التجارب الأخيرة على منظومة «القبة الحديدية»، وهي المنظومة التي يراهن جيش الاحتلال عليها لصد صواريخ المقاومة.
كما بدأ جيش الاحتلال الصهيوني بالتعاون مع الجيش الأمريكي بأكبر وأضخم مناورة عسكرية للدفاع الجوي تجري داخل الكيان الصهيوني منذ بدء التعاون الاستراتيجي بين الجيشين.
واستعاضت القوات الجوية الصهيونية بسماء رومانيا عن سماء الأناضول، بعد توتر العلاقات التركية الصهيونية إثر الاعتداء على أسطول الحرية، وإلغاء تركيا لِمَا تم توقيعه مع الكيان الصهيوني من اتفاقيات عسكرية تمنح طائرات العدو حقَّ التحليق في سماء الأناضول الواسعة للتدريب، ويقول مُحَلِّلون عسكريون إن الجبال في رومانيا التي يجري تدريب القوات الصهيونية على القتال فيها تشبه إلى حدٍّ كبير الجبال اللبنانية.

هواجس صهيونية

يعيش الكيان الصهيوني هواجس خانقة تدفعه إلى اتخاذ خطوات ربما غير محسوبة, حيث تتغير من حوله الخريطة الاستراتيجية والعسكرية، فتظهر قوى جديدة تخصم من قوته وفي حال عدم خوض الحرب ستزداد هذه القوى.
فحركة حماس في قطاع غزة نجحت في تدويل قضية الحصار بمساعدة تركيا وموقفها القَوِيِّ تجاه مسألة الحصار خاصة بعد جريمة أسطول الحرية، وتبعاً لتصريحات السيد حسن نصر الله، فإن حزب الله يبدو أقوى مما كان عليه قبل الحرب، وتزداد قوته باستمرار.
كما أن ما تمتلكه سوريا من صواريخ باليستية يمكن أن يدمر الكثير داخل الكيان الصهيوني، وما كان يظنُّه الكيان ميزة استراتيجية باحتلال هضبة الجولان لم يعد كذلك تماماً بعد انتشار الصواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى إيران التي تستمر في برنامجها النووي رغم العقوبات الاقتصادية المتزايدة, حيث يخشى الكيان من صواريخ شهاب 3 وإصداراته المطورة، التي تصل إلى عاصمة الكيان الصهيوني.
وهنا يبدو الكيان الصهيوني أمام خيارين أحلاهما مُرٌّ، والحرب شريك في الخيارين المتمثلين في تأجيل الحرب أو تعجيلها، ويرى الكثيرون أن التعجيل أمرٌ ضروري قبل أن تستفحل هذه القوى بشكل لا يمكن كبحه، ولولا ضعف الموقف الصهيوني عسكريّاً لبدأت الحرب أمس قبل اليوم، لكن يبدو أن هناك ترتيبات يقوم بها الكيان الصهيوني لضمان أكبر قدر من النجاح وأقل قدر من الخسارة التي ستكون أكيدة.

سيناريوهات الحرب المتوقعة

أولاً: استمرار الاحتكاكات والضربات المتباعدة حتى بدء فترة الجهوزية الكاملة، سواء على الجبهة الشمالية جنوب لبنان أو الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، ومن التوقع أن تشهد غزة رمضان دامياً هذا العام، وذلك قُبَيْل الحرب التي قد تكون خلال الأشهر القليلة القادمة، وربما كانت أقرب من ذلك، وأن تأخذ الحرب مساراً على جبهة واحدة، إما الشمالية أو الجنوبية، وذلك لتقليل الأضرار والخسائر، وتكثيف الجهد على جبهة واحدة, لتحقيق أكبر قدر من التقدم فيها.
ويُعَدُّ ذلك أسلوباً مختلفاً عن الأسلوب المعتاد للجيش الصهيوني (الذي لا يقهر)، حيث اعتاد جيش الاحتلال أن يشنَّ هجومه على جميع الجبهات المستهدفة مرَّة واحدة, لإحداث الشلل وإرباك الخصوم مثلما حدث عام 1967م، لكن في المقابل فإنه لا يشنُّ حرباً إلا إذا كان متأكداً من النصر، وهذا ما جعل حربي 2006م و2009م صدمات للجيش الصهيوني لم يعتد عليها.
وإذا كان احتمال الخسارة قائماً والخسارة هنا هي عدم تحقيق الأهداف المرجوة من شنِّ الهجوم على جبهة واحدة، إذاً فجبهة واحدة تكفي، وهذا تحديداً ما فعله الكيان عندما شنَّ هجومه على قطاع غزة، فقد توقع العديد من المحللين توجيه ضربة عسكرية أخرى لحزب الله بعد هزيمة 2006م، والحقيقة هي أن الكيان نجح في تجنب الصدام مع حزب الله في الشمال أثناء قتال حماس في الجنوب.

ثانياً: توجيه الضربة إلى الجبهتين الشمالية والجنوبية في توقيت متقارب، وستستخدم القوات الجوية أساساً، ويُتَوقع فشل أي زحف بري للجيش الصهيوني كما حدث في السابق، لكن يُعْتَقد أن تكون الضربات الجوية الصهيونية أكثر تركيزاً على الأهداف العسكرية، وأسلحة المقاومة، والجيش اللبناني، بالإضافة إلى ضرب المدنيين المعتاد الذي يستخدمه جيش الاحتلال في تحطيم الجبهة الداخلية للمقاومة.

ثالثاً: أن تكون الحرب شاملة موسعة قد تمتد الى سوريا أو تصل إلى إيران، والاعتماد الرئيسي سيكون على سلاح الجو, حيث يتم دكُّ المواقع المشتبه بها وغير المشتبه بها في لبنان وقطاع غزة.
والأرجح أن سوريا لن تتدخل بشكل مباشر إلا في حالة الاعتداء المباشر عليها، وهو ما لا يحتاجه الكيان الصهيوني بقدر حاجته إلى توجيه ضربة جوية للبرنامج النووي الإيراني، بالتنسيق مع واشنطن وحاملاتها وقواعدها المنتشرة في المياه العربية الإقليمية والدولية.
وفي حال تطبيق السيناريو الثالث فمن المحتمل أن يكون كارثيّاً بالنسبة الى الكيان الصهيوني، ولن تحسم النتيجة بسهولة, حيث ستتدخل واشنطن بثقلها في هذه الحرب لمصلحة الكيان الصهيوني.

المعضلة الرئيسية

لا يمكن حسم الصراع في هذه الحرب القادمة, حيث إن الكيان الصهيوني غير قادر على الانتصار بشكل حاسم على قوى المقاومة، كذلك فإنّ قوى المقاومة لن تستطيع القضاء على جيش الاحتلال.
حتى في حالة مشاركة سوريا في القتال, حيث إن القيادة السورية نفسها تعاني من مشكلة اهتزاز، ولا تنظر إلى أبعد من تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، بينما يفصل إيران عن الكيان الصهيوني آلاف الكيلو مترات التي تمنع الدعم البري.



author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات