القائمة الرئيسية

الصفحات

 

عبدالعظيم الأنصاري

2015

صخب ضوضاء صراخ نحيب بكاء حريق غريق سقيع ودخان يخنق كل نسيم تنشره الريح في كل مكان، الكل يهرول والكل يسير عكس الكل فلا توجد إشارات للمرور، وإن وجدت فلا ملتزم بها، وإن وجد فلا يظهر بين المهرولين في كل اتجاه، يبدو مجرد واحد من هؤلاء لا يُحدث فرقاً أو خرقاً في قوانينهم غير القانونية أو قيمهم غير القيمية.
بين ملايين الأرجل التي تركله والأيدي التي تضربه والأعين التي تتهمه وتحتقره وتتكبر عليه وتتعامى عنه، يشعر وكأنه غير موجود يسعى منذ سنين فقط لإثبات وجوده أمام ذرات الغبار البشرية اللامتناهية العدد والمعنى ولا مجيب.
انشغل عقله وقلبه بإصلاح ما حوله من فساد وإفساد، في البداية هداه عقله لقلة خبرته إلى أن المسألة قد تكون صعبة إلا أنها معادلة بسيطة فمجرد أن تجتهد في مجال بعينه وتضع هدفاً أمام عينيك وتثابر وتصبر لن تحتاج إلى أكثر من وقت مضاف إليه جهد وثقة وثبات حتى يتحقق لك مرادك، ولتأثره بنهايات قصص الأطفال وأفلام الرسوم المتحركة التي كان ينتصر فيها الخير دائمًا على الشر اعتقد أن النصر بلا شك حليفًا له حتى قبل أن يستعد للمعركة.
بالفعل لم يدّخر جهدًا أو وقتًا وبعد مرور سنوات لم يسأل نفسه عن جدوى ما يفعل دون نتيجة لكنه كان يقنع نفسه بأن الوقت لم يحن وأن النصر ما هو إلا صبر ساعة، كان طوال تلك السنوات يسعى لتحقيق ما كان يؤمن أنها أركان السعادة التي ذكرها له رجل كطيف ظهر له ذات مرة في مسجد ثم لم يره بعدها، وكان يحدثه عن أعمدة خمسة للسعادة يجب على الإنسان إقامتها ليكون صالحًا أن يكون محاربًا سويًا في صف الحق في معركته ضد الباطل.
وهي من وجهة نظره تكمن أولاً في الذكاء الحاد المصحوب بالفراسة ولا مانع من بعض الدهاء والكياسة والفطنة في فن التعامل مع المجتمع الذي كان يجد صعوبة شديدة في التعامل معه، ثانياً امتلاك المعرفة أو قدر كبير منها فلا مانع من معرفة شيء عن كل شيء ليُثقف نفسه كرمح محارب عربي قديم وهب نفسه لخدمة البشرية ولا مانع من معرفة لغة أو أكثر فمن عرف لغة قوم أمِن مكرهم، ثالثاً القوة المادية بشقيها المال والصحة فبعد أن اكتسب ذكاء فذّا وقدرات خاصة في التعامل مع المجتمع وبعد أن ألمّ بالمعرفة لم يبق أمامه إلا امتلاك ثروة طائلة من الأموال يستطيع بها قفز الحواجز التي ربما لا ينجح الذكاء أو المعرفة وحدهما في اجتيازها، ذلك إلى جانب امتلاكه القوة البدنية التي ربما تفيده في وقت الشدة، رابعاً أن يرتبط بإنسانة تشاركه أحلامه في بناء نفسه وأسرته ومجتمعه ثم دولته التي ستقوم بالتأكيد على أنقاض دولة الظلم التي ينكوي بنارها، خامسًا الإيمان الثابت بالله وأن شيئاً لن يضره أو ينفعه إلا بإذنه فيهزم كل خوف قد يتسرب إلى قلبه أثناء المعركة.
بعد سنوات وسنوات ظلت فيها رصاصات الجهل والفقر والمرض تنسف براءة الأطفال وأحلام الشباب وكرامة الكهول.. كان خلالها يظن أنه يسير بخطوات حثيثة نحو بناء أركان السعادة الخمس، وجد نفسه في ميدان المعركة مع آلاف مثله حلموا مثله بالتخلص من دولة الظلم وقيام دولة العدل والحق والحرية، في قلب المعركة وأثناء هجوم جنود دولة الظلم على الميدان بجيادهم وجِمالهم وأسلحتهم في لحظة يأس ولحظة مواجهة مع النفس وجد الزمن قد تجاوزه بأحلامه جملة واحدة مرت به لحظة كحقبة زمنية غير قابلة للقياس أدرك فيها أنه لم ينجح في بناء ركن واحد من أركان السعادة التي كان يحلم بها لنفسه ليتسلّح بها في معركته ضد دولة الظلم وليجد نفسه في قلب المعركة التي ربما لم يكن يصدق في يوم من الأيام أن يومها سيأتي كبقية الأيام، وأصبح لزامًا عليه أن يواجه جنود دولة الظلم الآن وليس بعد الآن بدون أسلحة تذكر اللهم إلا سيخ من الحديد المسلح وبعض أحجار من رصيف الميدان وهتاف حماسي وقلب مرتعد مرتجف متشجع متخوف صادق فرح مضطرب.. ورغم صموده وإصراره على الانتصار إلا أنه لم ينتصر.

author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات