القائمة الرئيسية

الصفحات

 

عبدالعظيم الأنصاري



يروّج رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للهند باعتبارها أكبر وأقدم ديمقراطية في العالم، ففي قمة الديمقراطية مارس 2023، التي استضافتها وزارة الخارجية الأمريكية لمن رأت أنها الأنظمة الأكثر ديمقراطية في العالم بهدف مكافحة الاتجاهات الاستبدادية وحماية حقوق الإنسان، قال مودي "إن الهند هي أم الديمقراطية".

أوضح مودي في كلمته أن فكرة القادة المنتخبين كانت مُطبقة في الهند القديمة، قبل بقية العالم، قائلًا إن ملحمتنا القديمة ماهابهاراتا تؤكد أن الواجب الأول للمواطنين هو اختيار زعيمهم.

بالفعل سمحت الديمقراطية الهندية لشخص نشأ في أسرة فقيرة لأب يبيع شاي الكرك للمارة إلى رئيس للوزراء وزعيم للهند، يُحتفى به في العواصم الغربية، من واشنطن إلى لندن، وصولًا إلى تل أبيب، لدرجة تصويره في كثير من الأحيان على أنه رمز للتسامح وزعيم لأكبر ديمقراطية في العالم.

لكن ابتسامة مودي تُخفي وجهًا آخر للديمقراطية الهندية، تحدث عنه الكاتب ألبا شاه، في مقال له بمنصة ذي وول روس، الكندية، لقد كان نفس الرجل الذي استُقبل بحفاوة في لندن 2015، ممنوع من دخول بريطانيا حتى 2012، بسبب تورطه في مقتل أكثر من ألف هندي مسلم، في ولاية غوجارات 2002، عندما كان رئيسًا لوزراء الولاية، واتُهم بقيادة أعمال العنف، أو على الأقل السماح بها.

أغسطس 2019, بعد 9 أسابيع فقط من إعادة انتخابه رئيسًا للوزراء جرّد مودي ولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، من الحكم الذاتي الجزئي الذي كانت تتمتع به لأكثر من 7 عقود، فألغى دستور الولاية، وحولها إلى منطقتين اتحاديتين تُداران مركزيًا.

وقبل اتخاذ قراراته التي كان يعلم أنها ستُشعل غضب سكان الولاية، أرسل عشرات الآلاف من قوات الأمن إلى هناك، وقطع الاتصالات في أطول فترة إغلاق للإنترنت في أي "ديمقراطية"، إذ عطل خدمات الإنترنت لستة أشهر، حظر الإنترنت عبر الهاتف المحمول عالي السرعة لمدة عام ونصف، وأعلن حظر التجول داخل الولاية، واعتقل 4 آلاف مواطن، ووضع 200 من القادة السياسيين بما في ذلك 3 من رؤساء الوزراء السابقين تحت الإقامة الجبرية، كما أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين ما تسبب منذ 2016 في إصابة ألف و100 كشميري بالعمى كليًا أو جزئيًا.

وبموجب تعديلات قانون المواطنة ديسمبر 2019، وتحت ستار منح الجنسية للمقيمين غير المسجلين الذين فروا من الاضطهاد الديني، سيتم منح الملاذ للمهاجرين غير المسلمين من الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة مثل أفغانستان وبنجلاديش وباكستان، والذين ليس لديهم جوازات سفر سارية أو تصاريح للإقامة، والذين وصلوا إلى الهند قبل نهاية 2014، باستثناء المسلمين.

بالفعل فإن السلطات الهندية تُسجل كل شخص يقيم في البلاد بهدف فضل أولئك الذين تعتبرهم الدولة مواطنين عن أولئك الذين وصفهم وزير الداخلية الهندي بأنهم "دخلاء"، أو "نمل أبيض".

كما خططت لمراكز احتجاز شبيهة بالسجون للمطرودين، وفي ولاية آسام شمال شرقي الهند، بنت السلطات أكبر مركز احتجاز في الهند، والمعروف رسميًا باسم معسكر ماتيا المؤقت، بسعة 3 آلاف شخص، ومن المقرر إنشاء ما لا يقل عن 11 مركز احتجاز آخر، من البنجاب في الشمال إلى كارناتاكا في الجنوب، ومن المتوقع أن يتأثر مئات الآلاف من المسلمين الذين ولد الكثير منهم في البلاد وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، والذين نزح آباؤهم أو أجدادهم داخليًا، نتيجة الاضطهاد الديني، وقد عبّرت الكاتبة الشهيرة أرونداتي روي عن الأمر بذكاء قائلة "هذه ليست دولة تحاول إدارة مشكلة اللاجئين، هذه دولة تصنع اللاجئين من سكانها".

وهكذا فإن أكبر ديمقراطية في العالم، والتي تأسست برعاية غربية بريطانية، ونمت وتعززت تحت غطاء أمريكي، أسفرت أخيرًا عن وجهها الآخر المظلم.

_________________________

https://thewalrus.ca/the-two-faces-of-indian-democracy/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ 09 مايو 2024







author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات