القائمة الرئيسية

الصفحات

المارينز في هايتي.. الاستغلال الأمريكي للكوارث

 

تكثر مصائب الأمم ويتناساها العالم بمرور السنين، فمن يتذكر آلام غيره ؟
أصبحنا نتناسى آلامنا سواء كانت خاصة أو عامة، تقرير كتبته العام 2010 عن الاستغلال الأمريكي للكوارث، ووضعت زلزال هايتي نموذجًا، فإلى هناك

المارينز في هايتي.. الاستغلال الأمريكي للكوارث



يتراجع الأمل في العثور على ناجين بين أنقاض مدينة بورتو أوبرنس التي كانت قبل أيام عاصمة لدولة نظامية، وتحولت إلى مجرد أنقاض بفعل زلزالٍ مُدِّمر أودى بحياة مئات الآلاف، وأحدث أضرارًا بالغةً بجميع أجهزة السيادة في الدولة، وعلى رأسها القصر الرئاسي، ولا تزال المساعدات غير كافية لعشرات الآلاف من المشرَّدين والمصابين، وتغادر فرق الإنقاذ الدولية البلاد في نفس التوقيت الذي تُعلن فيه القوات الأمريكية إرسال 4000 جندي أمريكي إضافي إلى هايتي؛ ليصل التواجد العسكري الأمريكي في البلاد المنكوبة إلى حوالي 15 ألف جندي، وطبقًا لشبكة (سي إن إن) الأمريكية فإن الجيش الأمريكي أوضح أن الجنود الإضافيين إما بحَّارة أو من مشاة البحرية "المارينز".
ويتتابع تدفق الجنود الأمريكيين إلى أراضي ومياه هايتي وسط انتقادات حادَّة، خاصة من قبل الرئيس الفنزويلي الذي اتهم أمريكا بالاستيلاء على هايتي فوق جثث ودموع شعبها، وقال: "لقد بدءوا بالمطار.. إذا أردتم أن تدخلوا بين أنقاض القصر الرئاسي، فستجدون هناك مارينز الولايات المتحدة".
وتابع "إنهم يستولون على هايتي علنًا بدون استشارة الأمم المتحدة ولا منظمة الدول الأمريكية".
ورغم نفي الرئيس الهايتي لأي شبهة في عمل القوات الأمريكية في بلاده إلا أن ما تتعرض له عملية "الرد الموحد" الأمريكية- كما أطلقت عليها القيادة الجنوبية للجيش الأمريكي (ساوثكوم) من انتقادات لا تتوقف- يُثير الجدل؛ خاصة مع ما تسرَّب من معلومات تُشير إلى أن الزلزال الذي ضرب هايتي ليس مجرد ظاهرة طبيعية عادية، وإنما زلزال اصطناعي أحدثته تجارب ما يسمى بـ"السلاح الزلزالي" التي تقوم بها البحرية الأمريكية في إطار برامج خاصة بما يسميه البنتاجون بـ"حروب المستقبل".
وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما حدث ويحدث وراء زلزال الكاريبي.. يمكننا الإجابة عليها من خلال معرفة المزيد حول الكارثة، وأهمية هايتي الإستراتيجيَّة بالنسبة لواشنطن، ومدى صحة وجود شبهة عمل إجرامي خلف كواليس مسرح إدارة عمليات المساعدات "الإنسانية" لسكان هايتي من مطار بورتو أوبرنس.

الكارثة

فوجئ سكان هايتي والتي تمثِّل الشطر الغربي من جزيرة هيسبانيولا، والتي تقع في نصفها الشرقي دولة الدومينيكان في البحر الكاريبي في الثاني عشر من يناير؛ بهزة أرضية وصلت أكثر من 7 درجات على مقياس ريختر، أسقطت الملايين بين قتلى وجرحى ومشردين؛ لتتحول الدولة الصغيرة إلى خراب، وتتحول العاصمة إلى كومة من الأنقاض والجثث بما في ذلك جميع المؤسسات الحكومية والقصر الرئاسي، بينما يحاول السكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه والنجاة بأنفسهم من الموت جوعًا وعطشًا، وتجمع حول العاصمة حوالي 400 ألف من السكان في أكثر من 300 مخيم عشوائي طبقًا للأمم المتحدة، فيما تحدَّثت المنظمة الدولية للهجرة عن 500 ألف مشرد على الأقل يقطنون في 447 مخيمًا في ظروف معيشية صعبة، وأشارت إلى أن هذه الأعداد مرشحة للارتفاع.
ويلاحظ أن الزلزال ضرب العاصمة وترتب على ذلك سقوط كلِّ رموز الدولة والسيادة الوطنية، كما أن دولة الدومينيكان التي تتقاسم مع هايتي نفس الجزيرة الصغيرة لم تتأثر بشيء.
تدفقت المساعدات من كافة بقاع الأرض على هايتي، وتنوعت بين مساعدات طبِّية وغذائية وأمنية، وجاءت من فرنسا وروسيا وقطر وتركيا والأمم المتحدة.. لكن المساعدات التي جاءت من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني كان لها شكل مختلف.

التحرك الأمريكي

جاء التحرك الأمريكي مبكرًا للغاية، وكأن القوات الأمريكية كانت مستعدة للتحرك، فمنذ اللحظات الأولى للكارثة انطلقت الطائرات الأمريكية محملة بآلاف الجنود، يحملون المساعدات الطبية والغذائية إلى شعب هايتي المنكوب، ويحملون كذلك أسلحتهم الثقيلة، وخلال ساعات حاصرت قطع تابعة للجيش الأمريكي سواحل هايتي، وتحول مطار العاصمة بورتو أوبرنس إلى قاعدة عسكرية أمريكية؛ وبينما يعاني الآلاف من سكان المدينة من ندرة الماء والغذاء والدواء تراكمت الإمدادات الإغاثية الهائلة في المطار بشكل فوضوي تحت أعين الرقابة الأمريكية، وتسلمت القوات الأمريكية إدارة المطار من حكومة هايتي بعد أن تمركزت به، وتصرفت وكأن المطار أمريكي على أرض أمريكية؛ حيث باتت هي من يعطي تأشيرات دخول البلاد؛ فتوافق أو ترفض هبوط طائرات المساعدات؛ حيث أعاقت سلطات المراقبة الجوية الأمريكية مهمة الطائرة التابعة لوزارة الطوارئ الروسية في نقل الإمدادات الإنسانية من فنزويلا؛ وأشارت صحيفة (التليجراف) البريطانية إلى أن العسكريين الأمريكيين المسيطرين على المطار يعيقون وصول طائرات الدول الراغبة في المساعدة، وأعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية أن الجنود الأمريكيين رفضوا منح الترخيص بالهبوط لطائرة تحمل مستشفى متنقلاً، الأمر الذي اضطر الطيارين إلى تغيير المسار والهبوط في جمهورية الدومينيكان المجاورة.
وانتقد وزير الدولة الفرنسي لشئون التعاون واشنطن واتهمها بأنها تتصرف وكأنها لا تزال تحتل الجزيرة قائلاً: "المهم الآن مساعدة هايتي وليس احتلالها"، لكن عادت الخارجية الفرنسية ونفت أي اعتراض منها على الدور الأمريكي في هايتي.
لكن الانتقادات كانت صاخبة في أمريكا اللاتينية الثائرة؛ حيث اتهم رئيس نيكاراجوا دانيال أورتيجا واشنطن باستغلال الفوضى السائدة في هايتي نتيجة الزلزال؛ لتثبيت قواتها في الجزيرة الكاريبية، وأكَّد عدم منطقية انزال القوات الأمريكية في هايتي التي تحتاج إلى المساعدة الإنسانية وليس إلى القوات المسلحة.
وطالب الرئيس البوليفي بانسحاب القوات الأمريكية وعبَّر عن قلقه من التدخل العسكري الأمريكي، وأكد وجود قوات عسكرية لا تشارك في المساعدة ولا تنقذ أرواحًا ولا تفتش في الأنقاض، ولا تنقل جثثًا، ويبدو أن هذه القوات جاءت لتبقى لا لتساعد أحدًا.
كما انتقدت طهران هذا التواجد العسكري الأمريكي في البلد المنكوب، معتبرةً أنه يضرُّ بالنواحي الإنسانية، وأنه عمل مشين.

زلزال اصطناعي

لكن الانتقاد الأشد خطورة جاء على لسان الرئيس الفنزويلي الذي كشف عن وجود تقرير سري للأسطول الشمالي الروسي يؤكد أن تجارب "السلاح الزلزالي" التي أجرتها مؤخرًا القوات البحرية الأمريكية هي التي تسببت في وقوع كارثة هايتي.
وقد نقلت صحيفة (جازيتا) الروسية عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية قوله: إن زلزال هايتي قد يكون نتج عن تجريب سلاح زلزالي أمريكي، ونسبت الصحيفة الروسية للمصدر قوله: إن الولايات المتحدة تتحقق من فاعلية تقنية محددة تستطيع نظريًّا التأثير في اهتزاز قشرة الأرض، وذلك للعام الثالث على التوالي منذ العام 2006م.
وأضافت الصحيفة "أن المجتمع الدولي قرر تحريم التجارب النووية في باطن الأرض بعد أن وجد العلماء أن انفجارًا قويًّا تحت سطح الأرض يمكن أن يتسبب في وقوع زلزال، إلا أن الولايات المتحدة استمرت في تجريب تقنيات غير نووية من هذا النوع".
وقال تشافيز: إن التقرير السرِّي يشير إلى أن الأسطول البحري الشمالي الروسي يُراقب تحركات ونشاط القوات الأمريكية في البحر الكاريبي منذ 2008م؛ حيث أعلن الأمريكيون نيَّتهم في استئناف عمل الأسطول البحري الرابع الذي تم حله عام 1950م، وهو الأمر الذي دفع روسيا للقيام بمناورة حربية في تلك المنطقة عام 2009م بمشاركة الطراد الذري الروسي "بطرس الأكبر" وذلك لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة.
ويربط التقرير الروسي بين تجارب السلاح الزلزالي التي أجرتها البحرية الأمريكية مرتين منذ بداية العام الجديد، والتي أثارت أولاً هزَّة قوتها 6.5 درجة في مدينة أوريكا في ولاية كاليفورنيا لم تُسفر عن أية ضحايا، وثانيًا الهزَّة في هايتي التي قضت على حياة دولة بأكملها.
وذكر التقرير أن واشنطن ربما توفرت لديها المعلومات التامة عن الأضرار الفادحة التي قد تتسبب بها تجاربها على السلاح الزلزالي، ولذا أوفدت إلى هايتي قبل وقوع الكارثة الجنرال كين قائد القيادة العسكرية الجنوبية للجيش الأمريكي (ساوث كوم) ليراقب عملية تقديم المساعدة إذا اقتضى الأمر.
وتشير تقارير صحفية إلى أن الرئيسين الأمريكيين السابقين بيل كلينتون وبوش الابن قاما بتمويل تجارب ميدانية ضمن مشروع الـ"كيمتريل" الذي يسعى للتدخل في هندسة الأرض والسيطرة على التفاعلات الكونية الرئيسة.
وتثار تساؤلات عديدة حول ما يسمى بمشروع الـ"كيمتريل" الذي تبنَّته واشنطن لمواجهة التغير المناخي تحت مظلة الأمم المتحدة، فيما كشف أحد علمائها والذي يعمل في المشروع عن وجود وثائق سرية تتحدث عن استخدام هذه التقنية التي يمكن أن تستخدم كسلاح دمار شامل، كما يمكن استخدامها لخدمة البشرية في سماء كوريا الشمالية؛ لمنع الأمطار عنها، وفي أفغانستان في تورا بورا؛ لتجفيف منابع المياه هناك، وفي العراق قبيل البدء في عملية الغزو، وكان ذلك في العام 2003م، وفي العام 2006م، وُجد العالم الأمريكي "شيلد" مقتولاً في سيارته، وأعلنت وسائل الإعلام في حينها أنه مات منتحرًا، وكان "شيلد" قد أعلن أن واشنطن خطَّطت لإقناع الأمم المتحدة بتنفيذ المشروع لحماية الأرض؛ لكي تتحرر من أي قيود أو انتقادات بهذا الشأن، وتنفذ تجاربها السرية بهدوء تام، والتي تهدف إلى التحكم في هندسة المناخ والأرض باختلاق ظواهر طبيعية مدمرة في بعض البلاد، تغنيها عن شنِّ حروب تقليدية مكلفة، كما تغنيها عن استخدام الأسلحة النووية وغيرها، وهو المخطط الذي يهدف إلى ضرب بعض الأنظمة التي يهدف كلٌّ من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة إلى تدميرها؛ حيث إنها تشكل خطرًا أو قلقًا وعلى رأسها النظام الإسلامي الإيراني.

هايتي في الخريطة العسكرية الأمريكية

تشغل هايتي الثلث الغربي من جزيرة هيسبانيولا التي تحتل دولة الدومينيكان شرقها وتقع الدولة المنكوبة إلى الجنوب الشرقي من كوبا كاسترو وإلى الشمال الغربية من فنزويلا تشافيز، وهو ما يجعلها موقعًا إستراتيجيًّا بالنسبة للقوات الأمريكية، وبوجودها في الكاريبي تكون قريبة كذلك من قناة بنما الملاحية الإستراتيجية التي ظلَّت تحت حمايتها لفترة طويلة، وخرجت منها 1999م طبقًا لاتفاق توريخوس- كارتر لعام 1977م.
ويبدو أن واشنطن تواجه العديد من المشكلات في حديقتها الخلفية اللاتينية؛ حيث نقلت قواتها من قاعدة "هوارد" الجوية في بنما إلى قاعدة "روزفيلت" البحرية في بورتوريكو لكن البنتاجون اضطر لإغلاق هذه القاعدة بعد سلسلة من الاحتجاجات الضخمة، وبالتالي تراجعت القوات إلى تكساس وفلوريدا، وكبديل عن القواعد المغلقة قرر البنتاجون الاعتماد على أربع قواعد عسكرية أخرى لمراقبة المنطقة، وهي مانتاغب الإكوادور، وكومالابا في السلفادور، وجزيرتي أوروبا وكوراكاو اللتين تتبعان هولندا.
وبعد عملية لإعادة الانتشار عبر العالم تطبيقًا لإستراتيجية دونالد رامسفيلد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م تمكنت قاعدة مانتا في الإكوادور من التعاون في الانقلاب الفاشل ضد هوجو تشافيز في 11 أبريل 2002م.
وجدد البنتاجون عقوده مع هولندا؛ لتعزيز استخدام القواعد العسكرية الأمريكية في جزيرتي أوروبا وكوراكاو بالقرب من السواحل الفنزويلية، ورفعت الأساطيل العسكرية الأمريكية معدل زياراتها لها بحجة مراقبة ما تدعي أنها منظمات إرهابية تنشط في فنزويلا، وكرد فعل لقرار فنزويلا بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في أراضيها، مايو 2004م.
وفي مارس 2008م، وبمساعدة قاعدة مانتا الأمريكية في الإكوادور هاجمت القوات الكولومبية معسكرًا للقوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك" في أراضي الإكوادور التي قابلت اقتحام أراضيها برفض تجديد اتفاقية قاعدة مانتا؛ مما افقد واشنطن هذه القاعدة الإستراتيجية.
ويبدو أن واشنطن تسعى لضمان تواجدها في حديقتها الخلفية اللاتينية الثائرة باستمرار والمتقلبة أيضًا، ولا تعتبر واشنطن موافقة كولومبيا على نقل قاعدة مانتا في الإكوادور إلى بالنكيرو في أراضيها وفتح سبع قواعد عسكرية بها أو موافقة بنما على استخدامها لأربع قواعد عسكرية جديدة على أراضيها ضمانة حقيقية؛ خاصة مع تصاعد اللهجة الثورية في فنزويلا وبوليفيا، ويبدو أن زلزال هايتي أعطاها ضمانة أكبر، بالإضافة إلى ما أتاحه لها من تجريب سلاح جديد ومدى فعاليته، بالإضافة إلى أن النظام الفنزويلي قد تحصَّن بعدد من التحالفات الخارجية خاصة مع روسيا، والتي شاركت مع كاراكاس في مناورات عسكرية في مياه البحر الكاريبي 2008م في تحدٍ واضح للنفوذ الأمريكي.
من جهة أخرى فإن واشنطن بتواجدها في هايتي تكون قد أحكمت حصارًا عسكريًّا آخر على كوبا من جنوبها الشرقي والتي لم تنس لها أبدًا معركة "خليج الخنازير" التي مثَّلت هزيمةً عسكريةً واستخباراتيةً أمريكيةً ثقيلةً.
وهكذا أضحت هايتي وشعبها كغيرها من الدول الضعيفة حول العالم أرضًا لتجارب الأسلحة الأمريكية الفتاكة الجديدة، ودماء الشعوب لا تروي عطش روما الجديدة، التي لن ترتض إلا بخضوع الكون لها بكل سكانه وكياناته وشعوبه دون أدنى تمرد أو معارضة.. إنها الديمقراطية الأمريكية.





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات