القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

تتجدد وتخمد الاحتجاجات في إيران بين فترة وأخرى، لكن هل يسقط نظام الجمهورية الإيرانية ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين المصلحة العربية ؟
أخبار بركان إيران
منذ ما يزيد على الثلاثين عاما كتب هيكل عن ثورة إيران 1979 مقالا تحت عنوان ( إيران فوق بركان ) وبالفعل فإن المشهد الإيراني لم يكن أقل من هذا التعبير حشود غفيرة تهتف بسقوط الشاه الذي حكم البلاد بقبضة حديدية وترك الشعب يرزح تحت نير الآلة الرأسمالية بدون رحمة، وجد الشعب ضالته في زعيم ملهم ذو كاريزما خاصة ومحاط بهالة من القداسة الدينية إنه الخميني الذي قلب بركان ثورته البلاد رأسا على عقب حيث حدث كما يحدث عادة في الثورات حراك اجتماعي لطبقات دنيا إلى أعلى الهرم الاجتماعي ولطبقات عليا صارت على هامش النظام بعدما كانت هي النظام ... والآن وبعد مرور ثلاثة عقود يبدو من الوهلة الأولى أن المشهد كما هو بركان غضب في شوارع طهران هتافات بسقوط الرئيس أحمدي نجاد .. مطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية واتهامات بتزويرها لصالح نجاد وجماهير تهلل لمير حسين موسوي – ابن الثورة الإصلاحي النزعة – بأنه هو الأحق بكرسي الرئاسة .. اشتباكات بين جموع من الشعب وقوات الأمن جرحى وقتلى في شوارع العاصمة ... ترى ماذا يجري الان في إيران ؟ وما هي أخبار البركان ؟ وهل ما يحدث الآن هو بركان آخر يثور على البركان ؟ للإجابة على هذه الأسئلة يجب الأخذ في الاعتبار الأمور التالية :
أولا : طبيعة النظام السياسي الإيراني : وهي طبيعة خاصة فريدة من نوعها وتركيبتها فالنظام الإيراني نموذج للنظم السياسية لا يوجد في الشرق ولا في الغرب يستلهم الشكل المؤسسي للديمقراطية الغربية ويرتكز على الشريعة الإسلامية والمذهب الشيعي الاثنى عشري لينصهر ذلك المزيج مشكلا نظام ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية .. ومنصب الرئيس في هذا النظام ليس هو الفاعل الرئيس أو الوحيد في النظام كمفهومنا في البلاد العربية عن أن الرئيس بيده الأمر والنهي حيث أن النظام الإيراني نظام مؤسسات وليس مجرد أفراد تتدرج هذه المؤسسات في سلطاتها وصلاحياتها وهي أولا : مؤسسة الولي الفقيه أو مرشد الثورة ويعتبر هو القائد الأعلى للدولة وله صلاحيات موسعة نابعة من نظرية ولاية الفقيه حيث أنه ينوب عن المهدي المنتظر إلى أن يظهر ويقيم دولة الحق ويشترك المرشد في تشكيل كافة المؤسسات التي تنحدر من المؤسسات الرئيسية في الدولة ويتم اختياره من قبل مجلس الخبراء ولمدة غير محددة، وثانيا : السلطات الثلاثة وأولها السلطة التنفيذية ويمثلها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ويمثل الرئيس هنا الرجل الثاني في الدولة بعد المرشد وليس الأول وثانيها السلطة التشريعية والمتمثلة في مجلس الشورى وثالثها السلطة القضائية ويسيطر عليها رجال الدين وتتمتع بصلاحيات واسعة هذا بالإضافة إلى مجلس الخبراء الذي يضم 86 عضوا يتم انتخابهم عن طريق الشعب مباشرة ومدة العضوية فيه ثماني سنوات ومجلس صيانة الدستور ويتولى التدقيق في القوانين الصادرة عن مجلس الشورى ومدى ملاءمتها مع الدستور والشريعة الإسلامية ومجمع تشخيص مصلحة النظام ومهمته النظر في الخلافات التي تحدث بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور بالإضافة إلى مجلس إعادة النظر بالدستور ويختص في إعادة النظر في الدستور فقط عند طلب المرشد ومجلس الأمن الوطني الأعلى ويشكله رئيس الجمهورية .
ثانيا : المحتجون ؟ وينقسم من قاموا بالاحتجاج والطعن في تزوير الانتخابات الرئاسية إلى قسمين أولهما من النخبة الحاكمة ذاتها وأبناء الثورة من الجناح الإصلاحي تزعمهم مير حسين موسوي الذي ادعى فوزه في الانتخابات الرئاسية وهو على صلة قرابة بالمرشد علي خامنئي من ناحية الأب وأحد أبرز سياسيي الجناح الإصلاحي للنظام بالإضافة إلى مهدي كروبي ومحسن رضائي وكلاهما كانا مرشحين للرئاسة كذلك هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق الذي هزم في الانتخابات الرئاسية السابقة أمام نجاد وشعر مع آخرين ممن حملوا هم الثورة الإسلامية في بدايتها على عاتقهم بنوع من التهميش بعد صعود جيل جديد من الشباب – علما بأن 70% من الشعب الإيراني تحت سن الثلاثين – أما القسم الثاني فيتمثل في جموع الجماهير التي قامت بالتظاهرات الاحتجاجية وهذه الجموع لم تتعد بضع عشرات الالاف من سكان شمالي طهران حيث الأحياء الغنية والمدن الكبرى وهم ينقسمون بدورهم إلى عدة مجموعات مجموعة ضمت أولئك الذين صوتوا لموسوي واعتقدوا أن النتائج قد زيفت لصالح نجاد ومجموعة ضمت أبناء الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة التي عارضت الجمهورية الإسلامية من البداية ومجموعة ضمت عددًا من الجامعيين الشبان الذين تحركوا بدوافع التغيير السياسي والحريات بدون أن تكون لهم أجندة محددة ومجموعة رابعة ضمت نشطين من الإيرانيين السنة والعرب والذين وعدهم موسوي بسياسات أكثر عدالة تجاه الأقليات وانضمت مجموعة أخيرة من عناصر تحريضية ارتبطت بمخططات خارجية قررت الاستفادة من الأحداث الملتهبة .
ثالثا : التأثير : نستطيع من خلال ما سبق أن نؤكد أن النظام الإيراني لا يزال قويا كما كان حيث أن مؤسساته كما هي لم يصبها أذى حقيقي إلا أن ثمة تأثيرات سلبية مست صورة النظام الإيراني خاصة في الخارج حيث بدى نظاما وحشيا يواجه معارضيه بقوة السلاح وهي ضربة قوية لنظام يعتمد على آلة إعلامية لا بأس بها للترويج لنفسه في المنطقة لإيجاد حلفاء يستطيع التعاون معهم لتنفيذ مخططاته الإقليمية والدولية كذلك، وأكثر ما يلفت الانتباه هو أن المحتجين هذه المرة لم يكتفوا بالهتاف ضد الحكومة أو الرئيس بل رددوا هتافات ضد المرشد علي خامنئي وهو الرمز المحاط بهالة من القداسة الدينية والتي كانت تحميه من مجرد إبداء الاعتراض على آراءه وأوامره فهو الولي الفقيه .. لكن في النهاية ظلت كل الاحتجاجات من أجل تطويع النظام أو التغيير داخل النظام ومن خلاله وليس الثورة عليه كما صورت كثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية التابعة .. وهكذا يبدو أن بركان إيران 1979 لم تخمد نيرانه بعد ولم يقم بركان آخر في مواجهته وليس علينا في العالم العربي سوى النظر إلى مستقبل العلاقات مع الجار البركان الذي ستصيب حممه أي من أراضينا مع أي اهتزاز داخله .. مع ملاحظة أنه جار قديم راسخ في الجوار منذ آلاف السنين يشترك معنا في الكثير رغم الاختلافات والخلافات .. إيران يمكن لنا أن نجعلها صديقا محتملا وبأيدينا يمكن أن نحولها إلى عدو محتمل في كل الأحوال سواء اختلفنا أو اتفقنا مع التجربة الإيرانية فلا شك أنها تجربة مثيرة للإهتمام ويجب الاستفادة منها .

________________________

نُشر في مجلة حلم المطبوعة بطريقة برايل التابعة لمؤسسة مغربي الخيرية العام 2010


author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات