القائمة الرئيسية

الصفحات

 

عبدالعظيم الأنصاري

"الملك يملك ولا يحكم"، القاعدة التي جرى الترويج لها طيلة قرون على أنها الأساس الذي يحكم التاج الإنجليزي العريق، منذ إصدار الميثاق الأعظم أو الماجنا كارتا، لأول مرة العام 1215، والذي صدر مرة أخرى العام 1216، بنسخة ذات أحكام أقل، إذ ألغيت بعض الأحكام المؤقتة في النسخة الأولى، خصوصًا تلك الأحكام التي توجه تهديدات صريحة إلى سلطة الحاكم وقد اعتُمِدَت الوثيقة كَقَانون العام 1225، ومازالت النسخة التي صدرت العام 1297 ضمن كتب لوائح الأنظمة الداخلية لإنجلترا وويلز حتى الآن.


تُعد الماجنا كارتا أول وثيقة تُفرض على ملك إنجليزي من مجموعة من رعاياه وهم "البارونات" في محاولة للحد من نفوذه وحماية امتيازاتهم قانونيًا، ولم تكن أول ميثاق للحد من سلطة الملك فقد سبقها ميثاق آخر للحريات العام 1100، وتأثر به بشكل مباشر، وكان ذلك في عهد الملك هنري الأول، وبالرغم من أن للميثاق أهمية كبيرة فإنه بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر ألغيت معظم البنود التي كانت في قالبها الأصلي وبقيت ثلاثة بنود كجزء من قانون إنجلترا وويلز وتعتبر عادة كجزء من الدستور الإنجليزي غير المدوّن.


مبدأ الماجنا كارتا اعتُبِرَ مبدأ أساسيًا ليس فقط للديمقراطية البريطانية، وإنما للديمقراطية

في مفهومها العام، وخاصة فيما يتعلق بالملكيات الدستورية، حيث يملك الملك ولا يحكم،

وفق ما هو متعارف عليه.


لكن الحقيقة تختلف نوعًا ما عن تصورات الشعوب عن نفسها، أو الصورة الذهنية التي

يُصدّرونها عن أنفسهم للعالم إذ يتصور الكثيرون حول العالم أن منصب الملك أو الملكة

في بريطانيا، منصبًا شرفيًا إلى درجة كبيرة، وأنه يملك ولا يحكم، فهل حقًا ليس من حق

الملك التدخل في تنصيب حكومة وإقالة أخرى، وليس من حقه التدخل في أمور التشريع والتنفيذ،

داخليًا وخارجيًا، وليس من حقه التحكم في الجيش، وهل عندما تحركت القوات البريطانية لغزو

كل من أفغانستان والعراق دعمًا لواشنطن، لم تكن الملكة إليزابث الثانية "الراحلة" تعلم شيئًا

عن ذلك وكان قرارًا خاصًا لحكومة رئيس الوزراء حين إذ توني بلير ؟


من واقع الدليل الحكومي البريطاني للقوانين والاتفاقيات، نرصد لكم بعضًا من صلاحيات

الملك الإنجليزي، فهو وفقًا للدليل الرسمي البريطاني قائد القوات المسلحة، وكل المجندين

يُقسمون له بالولاء، وهو الذي يمنحهم الأنواط والأوسمة.

يحق للملك تقديم النصائح والإرشادات إلى الوزراء، وتشجيعهم وتحذيرهم، وعند تعيين

رئيس وزراء جديد يجب عليه أن ينحني أمام الملك ويُقبّل يده، فيما يُعرف بتقليد تقبيل الأيادي،

وهو جزء من البروتوكول المعلن الذي لا يستطيع أحدهم رفضه وإلا رفض المنصب نفسه

وهذا هو الشق غير المعلن، ما حدث بالفعل مع رئيس حزب العمال الأسبق جيرمي كوربن،

الذي كانت له مواقف مناهضة للنظام الملكي، ولإسرائيل، والذي تعرّض للإخفاء إعلاميًا فيما يبدو.

البرلمان البريطاني في الواقع لا يتألف من مجلسي العموم واللوردات فقط، وإنما يُعد الملك ضلعًا

أساسيًا وجزءًا لا يتجزأ من البرلمان.


جميع الوزراء والنواب والمجندين في بريطانيا يُقسمون على الولاء للملك، بينما لا يلتزم الملك بأي قسم تجاه الشعب البريطاني، ما يُمكننا ملاحظته بسهولة عند مراجعة مراسم تنصيب الملك تشارلز الثالث، الذي تمثل قسمه في الحفاظ على الكنيسة ورعايتها.


الملك في بريطانيا، يجمع بين السلطتين الدينية والمدنية أيضًا، فهو الحاكم الأعلى لكنيسة انجلترا،

والرئيس الفخري للكنيسة، ورغم ما يُقال عن السلطة الرمزية سواء على الكنسية أو على المملكة

ككل، فإن الملك من حقه تعيين أعضاء رفيعي المستوى في الكنيسة.



الملك - بحسب الدليل الحكومي - يستضيف عددًا من زيارات الدولة بصفته رئيسًا لها،

الملك لا يتدخل في الكثير من الأمور التفصيلية في إدارة البلاد، لكنه يرأس القوات المسلحة

التي تُسمى بالقوات الملكية، ويُعلن الحرب، ويُصدر مراسم تعيين الوزراء، ليس في المملكة المتحدة

فحسب، وإنما في 14 دولة أخرى، هي كل من أستراليا، كندا، نيوزيلندا، أنتيغوا وبربودا، الباهاما،

بيليز، غرينادا، جامايكا، بابوا غينيا الجديدة، سانت لوسيا، جزر سليمان، سانت كيتس ونيفيس،

سانت فنسنت وجزر غرينادين، وهي الدول المتبقية تحت التاج البريطاني منذ

الحقبة الاستعمارية، وحتى الآن.


في العقود الأخيرة أطاحت العديد من الدول بالتاج البريطاني من رأس هرم السلطة لديها، بينها غيانا،

وترينيداد وتوباجو، والدومينيكان.


في حين تزداد وتيرة النقاشات داخل عدد من الدول الأخرى للإطاحة بالتاج البريطاني، أبرزها بيليز،

وجامايكا، وأستراليا.


أغسطس الماضي، وصفت ليديا ثورب، نائبة أسترالية من السكان الأصليين، الملكة بأنها ملكة

استعمارية أثناء أداء القسم في البرلمان الأسترالي، لتُوَاجَه بهجوم شديد، وتُضطر لإعادة القسم

وفقًا للنص الرسمي، لكنها بعد أن أدت القسم كما طُلب منها، غردت على تويتر بأنها لن تتنازل

عن سيادة أستراليا أبدًا.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نُشر في صحيفة الكرامة المصرية بتاريخ الخميس 02 فبراير 2023







author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات