القائمة الرئيسية

الصفحات

السابع من أكتوبر.. أولى خطوات النصر الكامل

 


عبدالعظيم الأنصاري

في معرض الحديث عن السؤال المستمر "من المنتصر في حرب غزة؟" يتحدث البعض عن انتصار إسرائيلي متحججين بأن أعداد الضحايا الفلسطينيين فاق الإسرائيليين بعشرات الآلاف، وأن حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة لا يُقارن بما وقع من أضرار على الجانب الإسرائيلي.

لكن هل يُحسب الانتصار في الحرب بأعداد القتلى أو بحجم الخسائر التي تكبدها أحد الجانبين؟ بالتأكيد لا؛ فإن الحرب تُحسم لصالح أحد الأطراف عندما يُحقق أهدافه من الحرب، ويُخضع له الطرف الآخر ما يدفع الأخير إلى الرضوخ والاستسلام.

يغيب عن هؤلاء غياب التكافؤ بين القوى المُتحاربة، فليس لدى الفلسطينيين طائرة مقاتلة واحدة أو دبابة واحدة، في المقابل لم يُحقق الكيان الصهيوني أي من أهدافه المعلنة من الحرب، ورغم الدعم الغربي العربي الكامل له عسكريًا واقتصاديًا ولوجستيًا، فلم يُحرر أسيرًا واحدًا من أسراه، ولم يأسر مقاتلًا فلسطينيًا واحدًا طوال هذه الشهور، ولم يُحقق أي سيطرة على الأرض فمازالت المعارك تدور رحاها في شمال غزة كما في جنوبها، ومازالت تقصف المقاومة مستوطنات غلاف غزة داخل الأراضي المحتلة، وفي الوقت الذي لازال فيه الفلسطينيون في قطاع غزة صامدين صابرين، نجحت المقاومة في تهجير عشرات الآلاف من مستوطني غلاف غزة وشمال الكيان عن منازلهم، حتى إشعار آخر، أغلب هؤلاء قال عبر استطلاعات للرأي أنه لن يعود مرة أخرى إلى هذه المنازل وعلى الحكومة تعويضه، ويبدو أنهم فضلوا حياة الفنادق المترفة في يافا وحيفا وتل أبيب على حياة المستوطنات المهددة باستمرار بالقصف والاجتياح.

لا يُعلن الكيان الصهيوني عن أعداد الجنود القتلى الحقيقية، ومع ذلك تصلنا أنباء متواترة من مصادر مختلفة أن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير مما يُعلن عنه رسميًا، وقد تحدثنا سابقًا عن وحدة "الجنود الوحيدون" و"المرتزقة" وغيرها من أشكال الجُبن الذي يُعاني منه الصهاينة.

فضلًا عن الخسائر الاقتصادية المليارية، ويكفي أن نعرف أن الدبابة الميركافا الواحدة تكلفتها تتجاوز الـ 6 ملايين دولار والتي يتم تفجيرها بمن فيها من جنود بقاذفة الياسين 105 بتكلفة نحو 500 دولار فقط، مع العلم بأن الجيش الإسرائيلي خسر أكثر من ثلث دباباته منذ بداية الحرب، فضلًا عن انهيار وتأثر قطاعات السياحة والزراعة والصناعة والعقارات نتيجة الحرب وضعف البنية السكانية إذ يُحارب المزارعون والعمال تاركين أشغالهم، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية والإسرائيلية نفسها، والهجرة العكسية وما لا تكفي كتب لاحتوائه.

وما يكفي هنا أن نؤكد أن الخسائر المادية والبشرية والإستراتيجية الإسرائيلية في حرب السابع من أكتوبر حتى الآن فاقت بكثير كل ما خسره الكيان في الحروب السابقة طوال تاريخ الصراع.

وأخيرًا انتفاضات الشعوب عربية وغربية، في وجه الحكومات الداعمة للكيان، وحجم الدعم الشعبي العالمي غير المسبوق للقضية الفلسطينية والوعي بها، والذي تكلل حتى الآن بانتفاضة طلاب الجامعات الغربية.

لكن الأهم من كل ما سبق، أن كل ما سبق مستمر، وأن الكثير منه اقتصاديًا واستراتيجيًا وفكريًا وإعلاميًا وسياسيًا سيستمر بعد وقف إطلاق النار - الذي سيحصل إن عاجلًا أم آجلًا - ولمدة تتجاوز عقودًا مقبلة وعلى نطاق فلسطيني وعربي وإسلامي وغربي وعالمي، ما سيؤثر بطبيعة الحال على استمرارية الكيان وسيُعيق بقاءه حيًا إلا بأجهزة التنفس الاصطناعي العربية الغربية.

إن حرب السابع من أكتوبر بكل ما حملت مع تضحيات وآلام وقبل أن تضع أوزارها، فإنها خطت أولى خطوات الشعب الفلسطيني نحو النصر الكامل، ولو بعد حين.

_______________________________

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 23 مايو 2024





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات