تحت شعار "لم الشمل" وبعد انقطاع 3 سنوات انطلقت في الجزائر القمة العربية الـ 31 مع استمرار الانقسامات حول عدد من الملفات الإقليمية علاوة على ملف التطبيع مع إسرائيل، فهل اختلفت الصورة عن سابق عهدها أم كان التكرار سيد الموقف.
وإذا كان هذا هو ملخص مشهد قمة الجزائر 2022، فكيف كان مشهد قمة سرت 2010 ؟
توابع قمة سرت .. وإمكانية إصلاح النظام العربي
كما هو متفق عليه في القمة العربية الأخيرة في سرت دعت الجماهيرية الليبية رئيس القمة العربية قادة الدول العربية الخمس الأعضاء في لجنة تطوير الجامعة إلى اجتماع يعقد في طرابلس الاثنين المقبل الموافق 28 يونيو 2010، لبحث الموضوع الذي سيعرض على القمة العربية الاستثنائية التي ستعقد في سرت أكتوبر المقبل، وتضم اللجنة الخماسية كلا من ليبيا ومصر وقطر واليمن والعراق ومن المقرر أن يسبق هذه القمة اجتماع لوزراء خارجية الدول الخمس ستبحث في إعادة هيكلة الجامعة العربية بما يعزز العمل العربي المشترك في ضوء المبادرة اليمنية والتي لاقت ترحيبا وتشجيعا من الرئيس الليبي معمر القذافي وتدعو المبادرة اليمنية إلى إقامة اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأفريقي وقد شكلت القمة اللجنة الخماسية سابقة الذكر لدراسة المقترحات المتعلقة بذلك وتقديم تقرير بها إلى القمة الاستثنائية وقد عقدت اللجنة منذ قمة سرت عدة اجتماعات على مستوى المندوبين الدائمين وكبار المسؤولين لبحث الموضوع.
وقد أجمع عدد من المحللين السياسيين على أن هذه المبادرة لا تمثل أي فعل عربي حقيقي ذو تأثير يذكر سواء على الصعيد البيني العربي أو على الصعيد الإقليمي كما أن هذه الخطوات تعد تجاهلاً لاقتراح الأمين العام لجامعة الدول العربية بإنشاء رابطة للجوار العربي تضم تركيا وتشاد الدولة العربية الكبيرة غير العضو في الجامعة، ثم دولاً أخرى كان يمكن لمثل هذه الرابطة تنسيق المواقف العربية والتركية خاصة تجاه القضية الفلسطينية لكن العرب لا يبدو أنهم راغبون في إحداث أي قلاقل مع الكيان الصهيوني حيث ظلوا مجمعين على تمسكهم بخيار السلام مهما يكن وتحت أي ظرف ومهما كانت الاعتداءات الصهيونية لكن فقط ولتكتمل المسرحية أمام الشعوب سميت القمة بقمة دعم صمود القدس وقرر القادة العظماء تخصيص مبلغ وقدره 500 مليون دولار لحماية مدينة القدس من التهويد والحقيقة أن هذا المبلغ لن يكرس بالكامل لتحقيق هذا الهدف كما أنه لا يقارن بما يصرفه الكيان الصهيوني على تهويد المدينة المقدسة حيث بلغ ما تم صرفه على بناء المستعمرات الصهيونية في القدس خلال البضع سنوات الماضية 17.5 بليون دولار يتصاغر أمامها المبلغ الضخم الذي خصصه أمراء البترول والقادة الحكماء للتصدي لعمليات التهويد التي لاتزال مستمرة حتى الآن.
ليس هذا فحسب بل ولتكتل مسرحية قمة سرت كان لابد لملك ملوك أفريقيا أن يضع بصمته فليس بهذه السهولة تمر القمة العربية المنعقدة في الجماهيرية الليبية العظمى وهذا أبرز الأسباب في المساعي الليبية الحثيثة لتطبيق بعض الاقتراحات الخاصة بتطوير جامعة الدول العربية وتشجيع مبادرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي أكد في كلمته حينها أن العرب يجب أن يقفوا أمام الصلف الصهيوني وأنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك إلا من خلال تكوين اتحاد الدول العربية بديلاً عن جامعة الدول العربية .. وهي نفس السذاجة التي جرت الأفارقة وراء اقتراح إنشاء الاتحاد الأفريقي بدلاً من منظمة الوحدة الإفريقية ولم يتغير شئ في إفريقيا بعد هذا الحدث الكبير الذي شاركت فيه كل الدول الأفريقية، فالسر وراء القوة والضعف في العلاقات الدولية ليس في مسميات المنظمات الإقليمية أو الدولية التي تجمع مجموعة من الدول ولم يكن أبداً السر في كون الاتحاد الأوروبي نموذج للمنظمات الإقليمية حول العالم أن اسمه الاتحاد الأوروبي وليس منظمة الوحدة الأوروبية مثلا.
والسر الحقيقي في معادلة القوة والضعف بين النظام العربي والاستعمار الغربي الصهيوني هو الأنظمة العربية نفسها والتي ستظل موجودة ممثلة لشعوبها المقهورة سواء في جامعة الدول العربية أو في اتحاد الدول العربية، وكما عرفها جان مورجانثو فالقوة في العلاقات الدولية هي علاقة نفسية بين الدول بغض النظر عن الإمكانات والموارد والمسميات فالفكرة الأساسية تكمن في إرادة النظم السياسية وواقع إرادة النظم السياسية العربية يمكن اختصاره في كلمتين " استمرار السلطة " هذا وهذا فقط هو كل ما يهدف إليه الحكام العرب وسواء كانت الدول العربية أعضاء في جامعة الدول أو في اتحاد الدول فسيظل الهدف واحد لا يتغير ولن يتغير الهدف إلا بتبديل هذه الأنظمة بأخرى تتطابق أهدافها مع مصالح شعوبها وهذا هو الحل الوحيد لنجاة هذه الأمة.
الواقع الآن وبعد عدة شهور على قمة سرت يؤكد أن كلمات الرئيس علي عبدالله صالح عن الوقوف أمام الصلف الصهيوني بتكوين اتحاد الدول العربية لم تولد إلا كلمات عربية جديدة ستخرج في اجتماع اللجنة الخماسية المرتقب الاثنين المقبل كما ستخرج في القمة الاستثنائية وما قاله الرئيس اليمني قاله غيره وما هي إلا كلمات واجتماعات أما ما بقي في أرض الواقع من قمة سرت العربية هو هذه الكلمات الأعجمية التي خرجت بلسان تركي فصيح هو لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف إعلان بنيامين نتنياهو بأن القدس عاصمة الكيان الصهيوني بالجنون وأكد أنه غير ملزم لتركيا وأنه سيدفع الكيان الصهيوني إلى العزلة أكثر وهذا ما حققه بالفعل اليوم حيث يتحدث المحللون السياسيون داخل الخط الأخضر عن عزلة كيانهم التي فرضها أردوغان بعد إطلاق قافلة الحرية وما قد يتعرض له الكيان فيما بعد من موجات متتابعة لفك الحصار عن قطاع غزة.
تعليقات
إرسال تعليق