تُعد نيجيريا أكبر دولة مسلمة في إفريقيا من حيث عدد السكّان، وهي من أغنى الدول بثروات النفط والغاز الطبيعي وغيرها من كنوز الأرض، لكنها وكبقية دول إفريقيا يُراد لها الموت جوعًا، بين حروب ونزاعات وصراعات وفقر ومجاعات ومذابح وانتهاكات، تغوص البلاد في دوامة لا نهاية لها، وبين جماعات تكفيرية متشددة، مدعومة من قوى غربية بهدف التدخل، وأخرى تأسست كرد فعل على ما يُمارس ضدها من إمبريالية غربية، تغرق الشعوب في دمائها، ويبقى أمراء الحرب وسادتهم على عروشهم الملطخة بالدماء.
لم يتغير الأمر كثيرًا الآن عن ذي قبل، عندما كتبت ذلك المقال العام 2010، عن أحداث نيجيريا الدامية آنذاك.
الغرب ومسلمو نيجيريا.. التخطيط المحكم
عبدالعظيم الأنصاري
[12/02/2010]
في ظل ما تشهده نيجيريا كبرى دول القارة الإفريقية من حيث تعداد السكان من مذابح منظمة ضد المسلمين الذين يشكِّل غالبية سكانها حوالي 60%، يتجاهل المجتمع الدولي الأحداث الدامية وكأنها تحدث في كوكب آخر، فالغرب الذي دائمًا ما يتشدَّق بشعارات حقوق الإنسان والمواطنة والحرية والعدالة صمت على مذابح المسلمين في نيجيريا.
الغرب الذي يتدخل في شئون البلاد العربية والإسلامية وغيرها بحجة حماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية- حيث يرى أن المسيحيين في البلاد الإسلامية لا يتمتعون بحقوقهم- تجاهل تمامًا ما يحدث من جرائم وانتهاكات ضد المسلمين في نيجيريا، كما تجاهل- ويتجاهل- الجرائم التي ارتُكبت في حق المسلمين في البوسنة والهرسك وفلسطين والشيشان وغيرها؛ ما يكشف زيف الشعارات التي يرفعها وباسمها تعلن الحروب ويتم غزو البلاد وقصف المدنيين وإشعال نيران الفتن الطائفية، فبفضل سياسات واشنطن تجاه العالم الإسلامي يرزح ملايين المسلمين في باكستان وأفغانستان تحت نير الحرب المستعرة هناك والقصف الأمريكي الغربي المتواصل للمدنيين العزل، ويكابد أطفال العراق عذاب الاحتلال والفتنة والخراب بعد سنوات الحصار الطويلة المريرة، في حين يعيش الشعب الصومالي في حالة حرب لا نهائية وتستيقظ الفتن والصراعات في دلتا نهر النيجر.
إن المذابح التي يتعرَّض لها المسلمون في نيجيريا تضع الغرب في مواجهة مع نفسه؛ حيث إنها تكشف التناقض الغربي بين ما يرفعه من شعارات وما يمارسه على أرض الواقع من تجاهل لهذه الشعارات، بل والقيام بأعمال منافية لها.
دماء المسلمين في نيجيريا
أينما حل الغرب حلت الدماء
وبالنظر إلى أن نيجيريا من أقوى حلفاء واشنطن في إفريقيا سارعت لتعقُّب من تصفهم بالمتشدِّدين بمباركة أمريكية، وهي فرصة تمنَّتها القوى المسيحية مرارًا لإطلاق يدها وسلاحها على المسلمين، وهكذا تسارعت وتيرة العنف والدماء في نيجيريا.
البترول ودماء مسلمي نيجيريا
وتستحوذ الشركات الأمريكية على أكثر من 7.4 مليارات دولار من الاستثمارات في القطاع النفطي في نيجيريا التي تنتج حوالي مليوني برميل يوميًّا، يتوجه نصفها إلى الولايات المتحدة، وبذلك تحتل نيجيريا المركز الخامس في قائمة الدول المصدرة لأمريكا، وتخطِّط واشنطن لرفع حصتها من البترول النيجيري إلى 1.4 مليون برميل يوميًّا، ولذا فإنها تضغط على الحكومة النيجيرية للانسحاب من عضوية منظمة الأوبك، والتي تخصِّص لنيجيريا حصة إنتاج تقدَّر بـ 1.7 مليون برميل يوميًّا، وهو ما يسبِّب خسائر مالية لشركات البترول تتجاوز المليار دولار سنويًّا.
وتلعب الشركات الأمريكية دورًا في الاضطرابات الطائفية التي تنشب بين الحين والآخر، وأشارت مجلة (تايم) الأمريكية في عدد سابق لها إلى أن نيجيريا التي صدرت ما قيمته 320 مليار دولار من البترول الخام العالي الجودة خلال الـ30 عامًا الماضية لم تفعل حكومتها شيئًا للشعب، باستثناء بعض الطرق وملاعب كرة القدم التي باتت باليةً.
الوجود العسكري الأمريكي في نيجيريا
وما يبدو من المشهد النيجيري على لوحة العالم حتى الآن لا يعكس تجاهلاً أمريكيًّا أو غربيًّا للمسألة بقدر ما يعكس تخطيطًا وتدبيرًا أمريكيًّا محكمًا، أما التجاهل فهو من نصيب المسلمين الذين يفضلون مواجهة أعدائهم فرادى.
والحقيقة وراء السياسة الأمريكية الغربية تجاه الأمة المسلمة ترجع إلى نظرتهم للمسلمين، كما أوضح المؤرخ الإسباني الكبير والمهتم بقضايا المسلمين بيدرو مارتينيز مونتابيز، والتي تتمثل في أن العالم الغربي متفوقٌ على الحضارة الشرقية ولا يتعلق الأمر هنا بالتفوق التقني والمادي، بل يتعلق بالتفوق على مستوى القيم والأخلاق، يقول مونتابيز إن ذلك يرجع إلى جهل الغرب بالإسلام والمسلمين.
_______________________________
تعليقات
إرسال تعليق