عبدالعظيم الأنصاري
إليكم مقال لي كتبته العام 2010 يتحدث عن واقع مياه النيل حينها
فهل تغير الأمر منذ العام 2010 ؟
بعد جدل استمر لسنوات في الحوض الجنوبي لنهر النيل العظيم بين دول المنبع بعضها البعض وبينها وبين دولتي المصب مصر والسودان وبعد سنوات من التغلغل الصهيوني في إفريقيا وبعد بناء عدد لا يستهان به من السدود فوق جرى النيل في دول المنبع والتخطيط لبناء عدد آخر وبعد توقيع خمس من دول المنبع اتفاقية إطارية في عنتيبي تلغي الاتفاقيتين الموقعتين 1929 و1959 لتعيد تقسيم مياه النهر من جديد ويتجاهل مصر عند إقامة أي مشاريع على النهر من شأنها أن تؤثر على حصتها من المياه ...إلخ ، ينتهي المشهد نهاية سعيدة تماماً كالأفلام المصرية القديمة فهكذا يحب المصريون أن يختتموا أفلامهم الطويلة ليخرج علينا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط منتصراً بعدما أعلن نجاح محادثاته التي أجراها ووزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا مع المسؤولين الإثيوبيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء مليس زيناوي ووصفها بأنها كانت مفيدة للغاية .
حقيقة التقدم المصري على الجبهة الإثيوبية
المرحلة الأولى من ملء بحيرة سد النهضة العام 2017
أكد أبو الغيط وجود توافق حول أهمية البناء على القواسم والمصالح المشتركة التي تربط بين دول الحوض كافة وخصوصاً دول حوض النيل الشرقي مصر والسودان وإثيوبيا وأشار إلى أهمية التركيز على مشاريع التنمية لمصلحة شعوب دول الحوض ومن دون الإضرار بأي منها خصوصاً في ظل تأكيد الجانب الإثيوبي أن سريان مياه النيل لمصر هو حق طبيعي وأن الأهداف الإثيوبية في استخدام مياه النهر تركز على مشاريع توليد الكهرباء والتي ستعود بالفائدة على دول الحوض كافة ولا تؤثر في سريان مياه النهر إذا ما تم تنفيذها في إطار خطة للتعاون المشترك بين دول حوض النيل الشرقي وقال أبوالغيط أن النقاش وضع الكثير من النقاط فوق الحروف وحقق لكل طرف المزيد من الفهم لرؤية الطرف الآخر ومنطلقاته مشيراً إلى أن الموضوع سيستغرف وقتاً وسنستمر في هذا النقاش وبناء أرضية مشتركة لكن هذا لا يمنع على الإطلاق أن العلاقات الثنائية المصرية الإثيوبية ستمضي في طريقها وتابع سنمضي في تعزيز هذه العلاقات في أبعادها كافة وخصوصاً الموضوع الاقتصادي والتجارة ، كما أكد أبو الغيط أن الزيارة عكست وجود تقارب في وجهات النظر بين البلدين في ما يتعلق بمختلف قضايا المنطقة وخصوصاً مستجدات الشأن السوداني وأهمية مساعدة حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على تقريب وجهات النظر في ما يتعلق بالمسائل العالقة بينهما علاوة على تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وسبل تحقيق السلام والاستقرار فيها ؛ وهكذا أعلن أبو الغيط نهاية أزمة مياه النيل .. ولكن هل انتهت بالفعل الأزمة، الواقع أن هذا ما يريد النظام المصري إيصاله إلى الرأي العام في مصر خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ينظر لها البعض على أنها المحدد الرئيسي لما سيكون عليه المشهد المصري لسنوات وربما لعقود قادمة وهكذا كان النظام الحاكم في مصر حيث تستخدم أفضل الألاعيب البهلوانية السياسية والدبلوماسية والإعلامية لإبراز نجاحات زائفة وإخفاء الإخفاقات التي لا تعد ولا تحصى على كافة الأصعدة وبأي ثمن فمن سمح بتجاوزات الكيان الصهيوني على الأرض المصرية في رفح وغيرها مقابل الاحتفاظ سلطة مستقرة يسمح كذلك ببعض التجاوزات على مياه النيل في دول المنبع لحصد بعض المكاسب السياسية الداخلية في ظل الإفلاس السياسي والتخمة الأمنية التي يعاني منها النظام الحاكم .
ليس علينا أن نسأل السيد الوزير أو أعضاء الحكومة الموقرة عن ما قاله ميلس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي عن " الحل الذي يرضي جميع الأطراف " والذي لم يحدد ملامحه بل علينا أن نسأل عن ما تحقق على أرض الواقع أو ما تم الاتفاق عليه ليتم تحقيقه على أرض الواقع ؛ قال زيناوي أن هناك حلاً واحداً فقط لمشكة نهر النيل وهو الحل الذي يرضي جميع الأطراف ويراعي مصالحهم دون تمييز فإذا كان هناك أي طرف خاسر فلا يمكن أن نصل إلى حل موضحاً أن كل ما نحتاجه هو زيادة كفاءة الري بنسبة 10% وهذا سيكون كاف جداً فهل هذه النسبة من الزيادة غير مؤثرة تماماً على حصة مصر من المياه ؟! وقال زيناوي أن التوقيع على الاتفاقية الإطارية بين دول المنبع لها أكثر من مغذى فهي في المقام الأول بمثابة إعلان لدول المنبع في التوصل إلى حل يرضي " مصالح جميع الأطراف " كما أنها تعني أيضاً " عدم رضاء هذه الدول بالوضع الراهن " وباتفاقيتي 1929و1959 أي أنه يؤكد تمسكه بنفس الموقف ولكن هذه المرة بلهجة أقل حدة ، كما أن تأكيدات زيناوي على أن السدود التي تبنيها اثيوبيا على مجرى النيل لا تؤثر على حصة مصر من المياه أمر لا يعكس الحقيقة وكيف تصدق مصر مثل هذا القول بعد أن كذبته فيما مضى وأثار مخاوفها ودفع وزير خارجيتها للتحرك سواء بهدف إيجاد حل قاطع أو بهدف تسكين الألم ولو بشكل مؤقت.
إذاً فما يبدو أنه انتصاراً مصرياً ليس سوى كلام لا يعبر عن الواقع الذي يؤكد استمرار اثيوبيا في استكمال مشاريعها على مجرى النهر ورسوخ قواعد سدودها في وجه مياه النيل وهذا ما عكسته تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي عندما قال أن " الأمر لا يعتبر خرقاً للموقف الإثيوبي فليس من المطروح أن تتراجع دولة ما عن توقيعها على أي وثيقة وإنما وجهة نظرنا تطرح كيفية التعاطي سوياً مع الوضع الراهن وفق الأفكار والأطروحات بين الدول لإيجاد سبيل للخروج من الطريق المسدود الحالي مضيفاً أن الوضع تكثيف الحوار والعمل الدءوب للتوصل لنقطة تلاقي بالنسبة للأمور العالقة ترضي كل الأطراف " ، وهو ما يعني بقاء الحال على ما هو عليه إلى حين ميسرة ويبدو أن هذه الميسرة لن تأتي في ظل تعقد الظروف المحلية والإقليمية فبغض النظر عن سطوة الأمنية التي يتمتع بها النظام الحالي فإن الوضع الإقليمية يزداد سوءاً مع بدء العد التنازلي لإعلان نهاية الدولة السودانية الحالية مع استفتاء الجنوب المقرر بعد ستة أشهر والذي سينتج عنه دولة في جنوب السودان تنزع عن الدولة السودانية الكثير من مواصفاتها الجيوسياسية الحالية.
مصر والسودان .. شد وجذب
ظلت التصريحات تتطاير والواقع يترسخ على مر السنين
في الغالب لا تعي النظم السياسية العربية الأخطار الحقيقية التي تهدد بلادها ولا تلتفت إلى الأخطار الأجنبية بقدر ما تركز اهتماماتها على الخلافات البينية وهذا في الواقع ليس إلا نتيجة لعجزها أو هروبها من مواجهة التهديدات الأجنبية ؛ من المعتاد أن تتحد الشعوب والأنظمة السياسية في مواجهة نفس الخطر ونخص هنا خطر تحركات دول منبع النيل على كل من مصر والسودان على حد سواء وبرغم هذا تنجر العلاقات بين البلدين إلى تصعيد غير مبرر فتخرج تصريحات من القاهرة تتحدث عن اعتراف مصري فوري بدولة جنوب السودان فور إعلانها مما يغضب الخرطوم بالطبع وهذا الموقف المصري يأتي نتيجة للمخاوف المصرية من هذه الدولة الجديدة التي ستصبح شوكة في جنب العالم العربي وظهيراً للكيان الصهيوني والحقيقة أن هذه الدولة ما كانت لتقوم أو يتم الحديث عن إعلانها و الاعتراف بها لولا الإهمال المصري الفظيع لأفريقيا بوجه عام والسودان على وجه الخصوص ويتفاقم خطر انفصال الجنوب عن السودان في ظل أزمة مياه النيل الحالية مع دول المنبع وتأتي تصريحات القاهرة بل ومعوناتها ومساعداتها لجوبا في إطار سياسة المهادنة الجديدة التي يتبعها النظام المصري مع الأزمة لتنويمها ولو بصفة مؤقتة ولكن ليس هذا كل شئ فلقد استقبلت القاهرة مايو الماضي زعيم حركة العدالة والمساواة الدارفورية خليل إبراهيم الذي تطالب الخرطوم بتسليمه إليها لمحاكمته حيث ترفض حركته جهود الوساطة القطرية لحل الأزمة ويذكر أن خليل إبراهيم لجأ إلى ليبيا بعد طرده من تشاد جراء ضغوط سودانية وهو ما يثير غضب الخرطوم على ليبيا كما هو على مصر ؛ في المقابل وضعت السودان القاهرة التي اتخذت قرار المهادنة في موقف محرج عندما اتخذت قراراً بتجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل بعد رفض الخمس دول الموقعة على اتفاقية عنتيبي الإطارية التراجع عن الاتفاقية وتتابعت التصريحات السوداني بداية من وزير الخارجية علي كرتي الذي وصف الدور المصري في السودان بأنه متواضعاً تجاه قضايا مهمة تؤثر في العمق الاستراتيجي لها وإعلانه عن شكوى السودان من ضعف معلومات مصر عن الحياة السياسية السودانية وتعقيداتها وليس نهاية بتصريحات البشير التي أثار فيها مشكلة حلايب من جديد والتي تطفو على سطح العلاقات المصرية السودانية عند كل مشكلة تواجه العلاقات بين البلدين الشقيقين ؛ وهكذا نسي كل من النظامين المصري والسوداني الخطر الإثيوبي وتهديدات دول ليركزا على مشاكلهما الثانوية .
الواقع في أرض إثيوبيا العام 2021، امتلاء بحيرة سد النهضة
والواقع الآن هو ما يتبلور في الجنوب حيث ترسي قواعد سدود إثيوبيا قواعد اللعبة السياسية في إفريقيا على ضفتي النيل من المنبع إلى المصب كما يتبلور كيان جديد في جنوب السودان له استقلاليته وقدرته على الفعل واتخاذ القرارات داخليا وخارجيا بغض النظر عن سياسة الخرطوم المثيرة أو سياسة القاهرة التنويمية.
تعليقات
إرسال تعليق