تنبأ بانهيار أمريكا من الداخل
وانغ هونينغ.. رجل الظل الصيني
عبدالعظيم الأنصاري
عندما نتخذ رجلًا كرمز للصين، فالمثال الأقرب للذهن هو ماو تسي تونغ قائد الثورة الصينية في
القرن العشرين، والذي أسس النظام الشيوعي الصيني، أو ربما يتطرق إلى الذهن ذلك الزعيم الفذ
الذي قاد الصين لتناطح أكبر قوة على وجه الأرض، القوة الأمريكية، الرئيس الصيني الحالي
شي جين بينغ، لكن في كثير من الأحيان يكون رجل الظل أقوى بكثير من غيره، إننا نتحدث هنا
عن من يُمكن أن نسميه بأبي السياسة الصينية الحالية، الرجل الذي ربما بدونه لم تكن الصين
بالقوة التي هي عليها اليوم، وهو الذي صاغ السياسات الصينية لعقود ما أحدث الطفرة التي
تشهدها القوة الصينية الآن، إنه وانغ هونينغ.
اسمٌ غير معروف خارج الصين نسبيًا، رغم أنه أكبر منظّر أيديولوجي في البلاد لأكثر
من 30 عامًا، في ديسمبر الماضي 2022، كان الرجل البالغ من العمر 67 عامًا واحدًا
من اثنين فقط من كبار المسؤولين الذين أُعيد تعيينهم للانضمام إلى اللجنة الدائمة للمكتب
السياسي للحزب الشيوعي الصيني، هيئة صنع القرار في الصين، وإذا كان الرئيس شي،
هو المُنفذ، فإن هونينغ هو صانع السياسة الحقيقي في الصين، حيث يلعب دور الكيميائي الماكر،
ميكافيللي الشرق الأقصى، الذي يتمتع براحة أكثر في الظل بعيدًا عن الأضواء.
سلّطت دورية The American Conservative السياسية الأمريكية الضوء على الرجل
الذي يرى بعض رجال النخبة في الولايات المتحدة أنه رأس حربة الصين الحقيقية في
صراعها ضد واشنطن وسيادتها العالمية، في مقال للكاتب والباحث جون ماك غليون
الذي اعتبر "وانغ" المعلم الأول لكل من الرئيسين الصينيين السابقين جيانغ زيمين،
وهو جينتاو، بالإضافة إلى الرئيس الصيني الحالي والمختلف شي جين بينغ.
تأثّر "وانغ" بالفيلسوف وعالم السياسة الفرنسي، ألكسيس دي توكفيل، الذي قضى 10 أشهر في
الولايات المتحدة لدراسة مزايا الديمقراطية ومخاطرها المحتملة، وفي العام 1988، عندما كان
يبلغ من العمر 32 عامًا، أمضى "وانغ" 6 أشهر في السفر عبر الولايات المتحدة، لتحديد
العديد من الشقوق والثغرات في المجتمع الأمريكي.
العام 1991، نشر "وانغ" كتابه "أمريكا ضد أمريكا" يصف فيه أيامه في الولايات المتحدة،
وما اكتشفه أثناء رحلاته فيها، ويبدو أنه تنبأ بالانقسام الأمريكي الغائر والذي بدأ يطفو على
سطح الأحداث بشدة على الساحة الأمريكية، ويُنذر بجولة أخرى من الحرب الأهلية الأمريكية.
مثل كتاب "ديمقراطية توكفيل في أمريكا" يُعتبر كتاب "أمريكا ضد أمريكا" عرضًا
كثيفًا يُغطي عددًا من الموضوعات، من أبرزها "تسليع" المجتمع الظاهرة التي تحدّث
عنها الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري مؤكدًا أن القيم الغربية والأمريكية تصب في
اتجاه "تسليع" كل شيء ذو قيمة معنوية، أي تحويل كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع والشراء وقيم السوق.
كما يحمل كتاب "وانغ" العديد من الموضوعات الأخرى، مثل "تدهور الزراعة"
و"سُميّة السياسات الحزبية"، و"سباق الفضاء"، و"الأيدي الخفية" التي تجذب خيوط
الحكومة الأمريكية، ونظام الولايات المتحدة الشبيه بالطائفية، والذي عمل على إثارة
النُخب - بحسب وانغ - ضد أي شخص مختلف.
تُغطي الفصول الأخرى من كتاب "وانغ" مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية، والتي يرى "وانغ"
أنها تعتبر أشكالًا من الذكاء النشط، بحسب تعبيره، بالإضافة إلى "الأزمات الخفية" التي توقع
أن تصيب الولايات المتحدة في السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن بعض هذه الأزمات تضمنت
تدهور القيم الأُسريّة، والشباب الذين ليس لديهم تطلعات حقيقية وقدوة محترمة، وتفشي آفة الجريمة، وهو ما حدث بالفعل.
مسيرة للعنصريين البيض في الولايات المتحدة الأمريكية
مازال الكتاب الذي يزيد عمره عن 30 عامًا، يُشكّل وجهات نظر الحزب الشيوعي الصيني
عن الولايات المتحدة الأمريكية، يرى وانغ أن أمريكا في طريقها إلى الانهيار الداخلي،
فالمدن الأمريكية مليئة بالجريمة، حيث توجد 11 مدينة من أخطر 50 مدينة في العالم في
الولايات المتحدة وحدها، ويطمح الملايين من المراهقين أن يصبحوا مؤثرين على
وسائل التواصل الاجتماعي، وليس علماء أو أطباء أو رواد فضاء، كما أن الولايات المتحدة
صاحبة أعلى معدل في العالم للأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة مع أحد الوالدين دون الآخر،
ويجري استبدال الأسرة الطبيعية بالتحرر الجنسي المدمر، فيكبر الأطفال وهم لا يعرفون من هو
والدهم البيولوجي، كل ذلك وأكثر يؤدي بأمريكا إلى حالة من الفوضى المطلقة، فوضى توقعها
"وانغ" قبل أكثر من 35 عامًا.
كانت كتابات "وانغ" وتحذيراته من مخاطر التحرر، والشذوذ الجنسي، وألعاب الفيديو، التأثير الكبير
في رغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمع "الرجال المخنثين" و"ألعاب الفيديو"، ومثّل "ابتعاد
الصين عن الليبرالية" ومضاعفة "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" نوعًا من المقاومة الأيديولوجية
للغرب.
رغم كل هذه التحذيرات وبعد أكثر من 3 عقود منها، وبعد تحقق الكثير منها،
يقول جون ماك غليون أن النخبة الأمريكية لا تنتبه، ومازالت تُدافع عن الممارسات الجنسية المدمرة، ويُعبّر عن خشيته من أن يكون الوقت لتصحيح المسار قد فات.
تعليقات
إرسال تعليق