القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري


بعيدًا عن ضجيج الحرب في أوكرانيا وفي بقعة بعيدة عن الأنظار تتسم بالهدوء الشديد، ربما تنطلق الشرارة الحقيقية لما يُمكن أن يُطلق عليه الحرب العالمية الثالثة.. هنا القطب الشمالي.


قيمة القطب الشمالي



شيئًا فشيئًا ومع التغيرات المُناخية يذوب جليد القطب الشمالي كاشفًا عن ثروات تُقدّر بنحو 15% من حجم احتياطيات العالم من البترول، و30% من الغاز الطبيعي، و26% من الغاز المسال، وكميات هائلة من النيكل والماس والزنك والعديد من العناصر النادرة والثمينة، وفقًا لجامعة ستانفورد الأمريكية.


تقلصت مساحة الجليد في 4 عقود بنسبة 35% فيما يتوقع علماء بأن يذوب كامل جليد القطب الشمالي قبل العام 2050، ما جعل المنطقة تشهد أنشطة إنسانية لم تكن معتادة من قبل.


ليس هذا فحسب، فمع ذوبان الجليد أصبح من الممكن أن يتحوّل القطب الشمالي إلى ممرات ملاحية ستكون الأقصر بين الشرق والغرب.


روسيا والقطب الشمالي



تُعد روسيا صاحبة الإطلالة الأكبر بنحو 50% من سواحل المحيط المتجمد الشمالي، بينما يُقابلها كل من الولايات المتحدة وكندا والنرويج والدنمارك ما يزيد احتمالات الصراع على المنطقة الأهدأ في العالم.


أجرى الجيش الروسي العام الماضي مناورات عسكرية كبرى اعتُبرت الأضخم في منطقة القطب الشمالي منذ حقبة السوفيتية، وكان ذلك قرب ألاسكا الأمريكية، التي كانت في السابق أرضًا روسية باعها الإمبراطور أليكسندر الثاني للأمريكيين سنة 1867 مقابل شيك بقيمة 7.2 مليون دولار أمريكي.


فيما تتعامل موسكو مع القطب الشمالي باعتباره مسألة أمن قومي روسي، يرى حلف شمال الأطلسي - ناتو - إن روسيا تشكل تحديًا استراتيجيًا في القطب الشمالي، كما قال الأمين العام للحلف، لافتًا إلى أن أقصر الطرق للصواريخ والقاذفات الروسية إلى أمريكا الشمالية هو القطب الشمالي.


الصين والقطب الشمالي



تدخل كذلك الصين على خط صراع القطب الشمالي، فالدولة الصاعدة الطامحة تطمع هي الأخرى في ثروات الشمال، والممرات الملاحية التي سيفتحها ذوبان الجليد، والتي ستوفر للتنين الصيني طريق حرير جديد أسرع من أي طريق آخر حول العالم.


دشّن الصينيون مع نظرائهم الروس استراتيجية جديدة تحت اسم "اقتصاد الجليد والثلج" أثناء المفاوضات الصينية الروسية في المنتدى الاقتصادي الشرقي العام 2019، لتتعاون الصين مع روسيا في استخراج الثروات من باطن الجليد القطبي الشمالي، لتحصل على الغاز الطبيعي المسال، والعديد من الثروات الأخرى، فيما حذّر يابانيون من أن الصين تعمل على بناء حزام جليدي لطريق الحرير من أجل الوصول إلى الممرات البحرية الاستراتيجية.


القطب الشمالي قانونيًا



يُنظم قانون البحار الدولي المتمثل في اتفاقية حقوق الملكية في الجرف القاري الصادر عن الأمم المتحدة العام 1982، العلاقة بين البلدان الخمسة المتشاطئة، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ العام 1994، بعد أن صادقت عليها 150 دولة، لم يكن من بينها سوى روسيا والنرويج فقط من بين الدول الخمس المتشاطئة على المحيط المتجمد الشمالي، بينما وقعت واشنطن في انتظار تصديق الكونغرس، الذي مازال مختلفًا حول الاتفاقية وما يُمكن أن تُحققه لصالح الولايات المتحدة في الوقت الذي توسّع فيه واشنطن من سيادتها على البحار.


تُفيد المعاهدات الدولية وعلى رأسها قانون البحار، بأن القطب الشمالي لا يمتلكه أحد، وتمتد الحدود الدولية البحرية لمسافة 200 ميل بحري، وتأخذ لجنة الأمم المتحدة المختصة بترسيم الحدود الدولية على عاتقها تفسير هذه المساحة وترسيمها، أما فيما يمتد بعد خط الـ200 ميل بحري فقد أثارت مسألة الحدود نزاعات دولية حادة آخذة في التصعيد.


جانب من تاريخ الصراع


صورة مرسومة لإحدى البعثات الأوروبية لاستكشاف القطب الشمالي وهي البعثة النمساوية - المجرية لاستكشاف القطب الشمالي بين عامي 1872 و1874

للشمال قصة طويلة عبر التاريخ… ففي القرون الوسطى جاب محاربي الفاينكنغ سواحل اسكندنافيا ووصلوا إلى بريطانيا وأيسلندا وجرينلاند، وطالت غزواتهم كل الشمال الأوروبي وحتى الأندلس حينها، وهناك من يقول إنهم أول مكتشف لأمريكا الشمالية قبل كولومبوس بقرون، بل وحيكت أساطير حول وصولهم إلى سواحل أخرى مجهولة في المحيط المتجمد الشمالي.


عندما رفضت رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريرديريكسن عرضًا من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشراء جزيرة جرينلاند ووصفت الفكرة بأنها منافية للعقل وغضب منها ترامب، لم يكن ذلك إلا طيفًا أخيرًا من صراع كبير بين الدنمارك والولايات المتحدة، على الجزيرة الأكبر في العالم، كلّف الدنمارك الكثير.


كانت واشنطن تريد الحصول على الجزيرة منذ العام 1867 نفس العام الذي اشترت فيه ألاسكا، حيث توقعت الحملة الاستكشافية للأدميرال روبرت إدوين بيري في البحرية الأمريكية، وجود كتلة أرضية أخرى منفصلة شمال جرينلاند لم تُكتشف بعد، مطالبة بأنها من حق الولايات المتحدة، وأشارت خرائط أوائل القرن العشرين إلى هذه المنطقة باسم أرض بيري، لكن الدنمارك أطلقت العديد من الحملات لدحض المزاعم الأمريكية وإثبات أن بيري لاند ما هي إلا جزء من جزيرة جرينلاند.


يروي فيلم "ضد الجليد" "Against the Ice" قصة حملة ألاباما الدنماركية العام 1910، والتي كانت ثاني رحلة استكشافية للجزيرة الكبرى، بعد فشل المحاولة الأولى التي أودت بحياة 3 من كبار البحارة الدنماركيين، وكيف كانت مهمة المستكشفين صعبة للغاية وسط بحور من ثلوج ودرجة حرارة تصل إلى 40 درجة تحت الصفر.


في كل الأحوال فإن الولايات المتحدة والدنمارك وقعتا العام 1951 اتفاقًا يسمح لواشنطن ببناء 33 قاعدة عسكرية ومحطات رادار خطط لاستخدامها للكشف عن القاذفات السوفيتية في حال ظهورها في منطقة القطب الشمالي، ومازالت قاعدة ثول الجوية الأمريكية المعروفة بمطار بيتوفيك تعمل في الدائرة القطبية الشمالية، وترصد التحركات الروسية في القطب الشمالي، حيث تقع في شمال غرب جزيرة جرينلاند، فهل يذوب الجليد لتندلع الحرب أم تُعجل الحرب بذوبان الجليد؟


_______________________________


نُشر في صحيفة الكرامة المصرية بتاريخ الخميس 26 يناير 2023











author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات