القائمة الرئيسية

الصفحات

المساعدات الغربية في الصومال.. دعم الفوضى البناءة

 

#اجترار

الصومال 2010... نفس السيناريو ونفس المشاهد ونفس الأعلام مع تغير بسيط في الوجوه

المساعدات الغربية في الصومال.. دعم الفوضى البناءة

منذ عقود مضت تحتل الصومال مكانها في الأجندة الغربية مرة تطفو على السطح ومرات تخبو تبعاً لمتطلبات المرحلة وأولوية الأهداف وتقلبات الواقع على الأرض ؛ ويبدو أن الملف الصومالي قد برز إلى السطح مؤخراً خاصة بعد الأزمة الأخيرة في الحكومة الصومالية واستقالة رئيس الوزراء عمر عبد الرشيد شرماركي وانسحاب حركة أهل السنة والجماعة من الحكومة واشتداد ساعد حركة شباب المجاهدين على حكومة مقديشو بقيادة شريف شيخ أحمد رئيس الدولة في الصومال الذي فقد الدولة وتراجع إلى عصور ما قبل الدولة منذ بداية تسعينيات القرن المنصرم.
والمتأمل الموقف الصومالي يجد أن المسألة برمتها في يد واشنطن والتي تسعى إلى ضبط اللعبة الجيوسياسية والإستراتيجية في القرن الإفريقي وترى أن حالة الفوضى السائدة في الصومال أفضل من سيطرة قوة إسلامية قد تعكر صفو مصالحها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي وهي منطقة غاية في الحساسية بالنسبة للمصالح الأمريكية حيث القواعد العسكرية بطول الخليج العربي وحاملات الطائرات في المحيط الهندي لتقديم الدعم اللوجستي للقوات المحاربة في كل من العراق وأفغانستان واستمرار إطباق الحصار على إيران وبقاء قوات التدخل السريع على أهبة الاستعداد لأي تغير سياسي أو عسكري مفاجئ قد يطرأ في المنطقة التي تعج بالتوترات مستغلة في ذلك كل ما تمتلكه من قوة إعلامية وسياسية وعسكرية.

تغير تكتيكي

في تسعينات القرن الماضي قرر مجلس أعيان إقليم بلاد بونت إعلان الحكم الذاتي لتحذو حذوها أرض الصومال المجاورة وينشأ بينهما نزاع على منطقتي صول وسناج وطوال الفترة الماضية كان الكيانان الواقعان في الضلع الشمالي من الصومال هما الأكثر استقراراً وأمناً عن باقي البلاد التي ظلت حتى الآن غارقة في بحار من الدماء ورغم ذلك لم يعترف بهما المجتمع الدولي ولم تعترف بهما الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الغربية ؛ والآن وبعد هذه السنوات أعلنت واشنطن أنها تسعى لتعزيز علاقاتها مع الكيانين وذلك على أمل تحقيق استقرار للحكومة المركزية المحاصرة وقوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة في دولة ينعدم فيها القانون بشكل فعلي ؛ وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جوني كارسون أن الولايات المتحدة لا تخطط للاعتراف بحكومتي الإقليمين على أنهما دول مستقلة لكنه قال أن زيادة التعاون الأمريكي وبشكل خاص فيما يتعلق بالمساعدة والتنمية يمكن أن يقضي على غارات يقوم بها متمردو حركة الشباب الإسلامية الذين صعدوا من حربهم للإطاحة بالإدارة المركزية الصومالية المدعومة من الغرب.
وقال كارسون أن الولايات المتحدة يمكن أن تحاول الاتصال بجماعات في جنوب وسط الصومال بما في ذلك حكومات محلية وعشائر قبلية تعارض حركة الشباب لكنها غير منحازة رسمياً أو مباشرة لحكومة مقديشو ؛ في الوقت الذي شدد فيه كارسون على أن الولايات المتحدة ستواصل الاعتراف بدولة صومالية واحدة وستعمل على تعزيز حكومة الرئيس شيخ شريف أحمد المؤقتة التي فقدت السيطرة على الكثير من مقديشو والكثير من جنوب ووسط الصومال لصالح متمردي الشباب وشدد على عدم تخطيط أمريكا للاعتراف بهذين الكيانين كدولتين مستقلتين ولكنه قال أن عليهما انتظار المزيد من المساعدات الأمريكية في مجالات التعليم والزراعة والمياه والصحة.
جاء ذلك بعد انعقاد قمة مصغرة بشأن الصومال على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أعقبه كذلك إبداء العديد من الحكومات الغربية رغبتها في تقديم المساعدات إلى الصومال في مشهد يوحي بنوع من التغيير التكتيكي أو الاستراتيجي يحدث في منطقة القرن الإفريقي حيث أكدت اسبانيا استعدادها للتعاون مع الحكومة الانتقالية في الصومال لتعزيز الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية عبر تطوير قطاع الصيد ليكون حجر الأساس في التنمية الاقتصادية والقضاء على ظاهرة القرصنة البحرية في القرن الإفريقي .
وشدد وزير الخارجية الاسباني ميجيل انخل موراتينوس في مؤتمر صحفي على هامش الاجتماع الثامن عشر لمجموعة الاتصال الدولية حول الصومال على أهمية تحقيق الاستقرار وضمان الأمن في الصومال ليتمكن من استخدام موارده .... ؛ وأكد التزام اسبانيا بتقديم ثلاثة ملايين لدعم ميزانية حكومة الصومال وتحسين الخدمات العامة وإعادة الإعمار مضيفاً أن اسبانيا ستعزز مشاركتها في برامج الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي في إطار برنامج الأغذية العالمي ومكافحة الجوع في العالم .
والواقع أن هذه المساعدات التي قرر الغرب بداية من واشنطن وليس نهاية بمدريد إغداقها على الصومال المعترف بها وغير المعترف بها صومال الفوضى والعنف وصومال الاستقرار والأمن ليست إلا تغيراً تكتيكياً في سياسة الغرب تجاه الصومال في ظل اشتداد قوة شباب المجاهدين الخوف من انفلات الأمور خارج السيطرة الغربية .. تبقى الفوضى هدفاً في حد ذاتها في الصومال ولكن ليست كل الفوضى إنها الفوضى البناءة التي تسيطر من خلالها واشنطن دون أدنى مخاطر ومن هنا تأتي التخوفات من شباب المجاهدين فهؤلاء هم السبب الرئيسي في التدخل العسكري المباشر لإثيوبيا بمساعدة غربية إفريقية في مقديشو حيث أنهم كانوا قد أحكموا سيطرتهم على البلاد بداية من جنوبي بلاد بونت في الشمال مروراً بمقديشو في الوسط وحتى مدينة بيداوه الإستراتيجية في الجنوب الغربي للبلاد وهو ما دفع الجارة إثيوبيا الحبيسة إلى التدخل العسكري المباشر بعد تلقي الضوء الأخضر من واشنطن وكانت هزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية أمام مسلحي حكومة مقديشو المدعومة من الغرب والجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر أسمرا سبتمبر 2007 سبباً رئيسياً وراء انشقاق حركة الشباب المجاهدين عن المحاكم متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله وعلى رأسها زعيمها السابق شريف شيخ أحمد الذي تولى الرئاسة في مقديشو بدعم الغرب والذي يطالب الآن بجلب المزيد من القوات الأجنبية سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي لصد هجمات الشباب المجاهدين ودحرهم ؛ وهكذا يمكننا تفسير سياسة المساعدات الأمريكية الغربية تجاه الصومال.
وتمثل حركة الشباب المجاهدين أقوى فصيل صومالي مسلح منذ القضاء على اتحاد المحاكم الإسلامية حيث يقدر عددهم ما بين 3000 على 7000 مقاتل ويعتقد أنهم يتلقون تدريبهم في إريتريا حيث يقيم المسلحون لمدة ستة أسابيع في دورة أساسية يكتسبون خلالها مهارات حرب العصابات واستعمال المتفجرات وتوصف عمليات الحركة العسكرية بأنها تعتمد الطريقة العراقية من تفجير عبوات مزروعة في الطرقات وسيارات مفخخة وعمليات قصف مدفعي شملت القصر الحكومي ومقرات الجيش الإثيوبي ؛ وقد وفرت واشنطن غطاءً جوياً للقوات الحكومية الصومالية والإثيوبية أثناء هجومها على حركة الشباب أثناء انضوائها تحت لواء اتحاد المحاكم الإسلامية .

فهل تغيرت سياسة الغرب تجاه الصومال ؟


author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات