عبدالعظيم الأنصاري
يومًا بعد يوم تزداد مخاوف العالم من اندلاع حرب عالمية قد لا تبقي ولا تذر، ربما لا تتفاقم المخاوف بسبب سلوك الصين العدائي تجاه تايوان، ولا حتى بسبب تفاقم الأوضاع على الجبهة الأوكرانية، وإنما أيضًا جرّاء ما نشهده كل يوم من تصاعد وتيرة الاستعدادات في بقاع عدة حول العالم لمعركة ما يبدو أن موعدها رغم اقترابه لم يتحدد بعد.
أوروبا
أوروبا لم تعد كما كانت، تلك القارة العجوز المستكينة الهادئة، أقوى ثاني اقتصاد في العالم، والتي تضم مجموعة من أكبر اقتصادات الكوكب، فقد تحولت إلى ما يُشبه قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة، تسعى للتخلي عن إمدادات الطاقة الروسية التي أبسط ما يُقال عنها أنها كانت تمدها بالحياة، الصناعة والتدفئة في الشتاء وإضاءات المدن الصاخبة كل ذلك صار مُهددًا بالزوال، تسعى القارة العجوز إلى إيجاد بدائل واقعية لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي، سواء من العالم العربي، أو إفريقيا، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، مع علمها أن كل هؤلاء ليس بوسعهم تدفئة الأوروبيين مثلما كان يفعل الدب الروسي.
ألمانيا التي كانت قد تخلّت عن فكرة القوة العسكرية، واكتفت بلقب أفضل اقتصادات أوروبا، وبما لديها من قواعد عسكرية أمريكية للحماية، انطلقت بعد 3 أيام فقط من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، لبناء جيش بميزانية قدرها 100 مليار يورو، وأغدقت كافة دول أوروبا المساعدات العسكرية والمالية والغذائية وغيرها على أوكرانيا، متورطة بشكل شبه مباشر في مواجهة الزحف الروسي.
بولندا
لكن ألمانيا تُعد أحسن حالًا بالنسبة لما يُمكن أن نصطلح عليه بدول الطوق الأوروبية (رومانيا، مولدوفا، المجر، سلوفاكيا، ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا، فنلندا، النرويج، وأهمهم بولندا).
يدخل أغلب الدعم الأوروبي لأوكرانيا عبر أراضي بولندا، ذلك الدعم الذي جعل الأوكرانيين يهزمون الجيش الروسي على الجبهة الشمالية، وجعل من الغرب الأوكراني بوابة لأثقل الأسلحة الأوروبية والأمريكية، والتي حرمت الروس من استخدام سلاح الطيران بسهولة في أجواء أوكرانيا، وحوّلتهم إلى الاعتماد على الضربات الصاروخية، لتغطية زحف القوات البرّية وضرب الإمدادات القادمة للأوكرانيين.
بدأت بولندا في رحلة لتسريع برامج المشتريات الدفاعية لضمان عدم استخدام قواتها لمعدات الحقبة السوفيتية، ما أدى إلى قيام صانعي القرار في وارسو بزيادة ميزانية الدفاع لشراء الأسلحة وزيادة حجم الجيش إلى 300 ألف جندي.
بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المباشر، وقّع وزير الدفاع البولندي ماريوس باشكازاك 3 مذكرات تفاهم مع شركات كورية جنوبية لتلقي دبابات K2 ومدافع هاوتزر K9A1 و48 طائرة هجومية خفيفة من طراز FA-50، بحسب ما ذكر جاروسلاف اداموفسكي في مجلة ديفينس نيوز الأمريكية.
الهند
من جهة أخرى ذكر أشوك شارما في تقرير له في ديفينس نيوز، إن الهند أطلقت أول حاملة طائرات لها محلية الصنع، لمواجهة أسطول الصين الأكبر والذي يتزايد نفوذه في المنطقة، مع توسيع قدراتها المحلية في بناء السفن.
حاملة الطائرات تحمل اسم "إن إن إس فيكرانت" الاسم الذي يعني باللغة السنسكريتية "قوي" أو "شجاع" يبلغ طولها 262 مترًا، وقد صممتها البحرية الهندية في حوض بناء السفن في كوشين جنوبي الهند، وتمتلك البحرية الهندية، الآن حاملتي طائرات، و10 مدمرات، و12 فرقاطة، و20 سفينة حربية.
في الوقت الذي يشهد تزايدًا للنفوذ الصيني في المحيط الهندي، أرسلت البحرية الهندية العام الماضي 4 سفن إلى جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لإجراء تدريبات مع أعضاء مجموعة الأمن الرباعية «كواد» والتي تضم (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا مع الهند) وهي المجموعة التي أسستها واشنطن كرأس حربة لمواجهة الصين، ويتبعها كل من تايوان والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام وكوريا الجنوبية وهي دول تدور الفلك الأمريكي، وترى في تزايد النفوذ الصيني تهديدًا مباشرًا لها، خاصة تايوان التي يبدو أنها ستكون أول حمل يبتلعه التنين الصيني في المجموعة السابقة.
اليابان
لدى اليابان تاريخ حافل بالعداء مع الصين، ورغم أن اليابان اتخذت من السلام شعارًا رئيسًا لسياستها الخارجية منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وخضوع إمبراطورها الذي كان يزعم حتى ذلك الوقت أنه «إله» للشروط الأمريكية، وتخليها عن أية طموحات عسكرية، واكتفائها بالتفوق الاقتصادي والتكنولوجيا مثلها مثل حليفتها ألمانيا.
اكتشف الأمريكيون فجأة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والتهديدات الصينية لتايوان، أن حرمان اليابان من التسلح كان خطأً استراتيجيًا، مع وقوعها جغرافيًا بين مطرقة الروس وسندان الصينيين، وعلى مراحل بدأت منذ 2014، محاولة إعادة تفسير الدستور الياباني والتفكير في تغييره، لتستطيع اليابان بناء قوتها العسكرية دون قيود.
عبر العمل ضمن مجموعة «كواد» ظهرت لأول مرة طائرة مقاتلة F-35 من اليابان، في مناورات بيتش بلاك متعدد الجنسيات في أستراليا الذي يجري الآن بمشاركة مشاة البحرية الأمريكية وكل من أستراليا وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا والهند وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والفلبين وتايلاند والإمارات وكندا وهولندا وماليزيا ونيوزيلندا.
فإلى أين ستأخذنا المخاوف الدولية المتبادلة بين القوى العالمية ؟
__________________________________________نُشر الموضوع بصحيفة الكرامة الأحد 11 سبتمبر 2022
تعليقات
إرسال تعليق