القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

يُمكن تقسيم العالم من حيث تكتلات القوى إلى 3 دوائر كبرى؛ وهي: دائرة الشرق الأقصى، ‏ودائرة العالم الجديد (الغرب الأقصى)، ودائرة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وهي الدائرة التي ‏تهمنا في المقام الأول، يقع بين هذه الدوائر الكبرى دوائر أخرى صغيرة أو بينية، فالأرض ‏مُتصلة؛ إذ إن قيام قوّة ما في بقعة ما على سطح الكوكب يُمكن أن يكون لها تأثير مباشر أو ‏غير مباشر على القوى في بقعة أخرى بعيدة كل البعد عنها.
وبالنظر سريعاً إلى بانوراما ‏الأحداث التاريخية (الماضي) والسياسية (الحاضر) واستقراء المستقبل، يُلاحظ أن عملية التأثير ‏والتأثُّر هذه تزداد قوة وسرعة مع استمرار الزمن في حركته الهُلامية تجاه المجهول.‏
ففي البدء، نشأت الحضارات شبه منفصلة، فكانت الحروب والنزاعات أقل مما هي عليه الآن، ‏رغم ما شهدته بانوراما التاريخ من حروب شنيعة ومجازر مروعة، حتى في الأزمنة الغابرة. لكن ‏بوجه عام، نستطيع قول ذلك، فقد نشأت الحضارة المصرية القديمة على ضفاف النيل، في ‏الوقت الذي نشأت فيه الحضارة الصينية على ضفاف النهر الأصفر والأزرق، ربما حدث اتصال ‏بين الحضارتين، لكنه لم يكن لفترات طويلة، أو بين الصين عموماً وحضارات الشرق الأوسط.
‏وبمرور الزمن، اتسعت رقعة الصراع في الشرق الأوسط، فدارت الصراعات بين البابليين والمصريين ‏والحيثيين والإغريق والفينيقيين والرومان وغيرها من قوى، وفي هذه الأثناء تأسست ممالك ‏وسقطت لتقوم على أنقاضها أخرى في الصين، حتى بدأ عصر الممالك المتحاربة هان ووي ‏وتشاو وتشي وتشو ويان، والتي عاشت بينها قوى صغيرة أخرى كدولة يوي، ودولة با، ومملكة ‏تشونغتشان والتي لم تصمد طويلاً أمام قوة مملكة تشاو، في حين عاش سكان الأرض ما وراء ‏بحر الظلمات على ما يبدو في عالم آخر. ‏
كأنه عالم آخر يوازي كل العالم أو ما يعتقد البعض أنه كل العالم، ربما يساويه من ناحية ‏الحضارة والقوة والقيم، ويوازيه في زمنه نفسه، يسير معه الخطى نفسها، لكنه يكاد ينفصل عنه وإن ‏كان في بوتقته نفسها، أو على كوكبه نفسه، وتدور أحداثه بأبطال متشابهين من البشر أمثال ‏غيرهم في العوالم الأخرى.‏
فلم يسمع هانيبال أو "حنّا بعل" القرطاجي، في أثناء قيادته حملته العسكرية العملاقة على ‏الإمبراطورية الرومانية، لا بمملكة تشونغتشان ولا مملكة تشاو، وبالتأكيد لم يسمع عنها حتى انتحاره ‏هرباً من الأَسر، ولم يسمع بهؤلاء أو بأولئك أصحاب حضارة الإنكا أو الأولمك أو شعوب ‏البيوبلو القديمة في الأميركتين.‏
بمرور الزمن، تطور التأثير المتبادل بين جنبات الأرض، فعندما قامت إمبراطورية المنغوليين ‏وابتلعت الأراضي الصينية كاملة، توجهت غرباً لتبتلع وسط آسيا وجزءاً كبيراً من غربها، وأسقطت ‏دولة الخلافة العباسية، وهددت أوروبا، ذلك قبل أن تبتلعهم الأراضي التي احتلوها ويعتنقوا ‏الإسلام، ويتحولوا من قوة معادية له إلى قوته الضاربة.‏
وعندما قامت إمبراطوريتا إسبانيا والبرتغال على أنقاض الأندلس، تعرّض المد الإسلامي في جزر ‏آسيا الشرقية لانتكاسة كبيرة مع أول فوج من السفن الإسبانية حط على سواحل جزر عذراء ‏ماليزيا "الفلبين" ومنع تقدم الإسلام إلى الجزر الشمالية وتايوان ومن ثم الصين الشرقية وكوريا ‏واليابان، كما قُضي على حضارات وثقافات عريقة في "أميركا الوسطى والجنوبية" ومن ثَم ‏الشمالية، وتسبب كذلك في مذابح واسعة بأرجاء مختلفة من الكوكب الأزرق نتيجة ارتفاع المد ‏الاستعماري الأوروبي حول العالم.‏
أما الآن، فقد تطورت أدوات التأثير والتأثر بشكل فائق، زاد من احتمالية تأثير ظهور أي قوة في ‏أي مكان بالعالم، على قوى أخرى أياً كان مكانها على سطح الكوكب، ومن ثم فإن مُجمل ‏التحديات التي تواجه أي دولة الآن تضاعف عما سبق؛ إذ صارت المنافسة كونية، لا تتوقف عند ‏حدود الإقليم أو حتى القارة.
لا يرجع الفضل في ذلك فقط إلى حاملات الطائرات والصواريخ ‏العابرة للقارات، وإنما للنظام العالمي الجديد بكل محتوياته وأدواته الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية ‏السلوكية العولمية، فالآن لم يعد للمسافات ذلك التأثير الفيزيقي المانع، وتجوّفت الكلمة من معناها ‏المقصود منذ 2000 سنة. ‏
إن امتلاك القوّة وتحصيلها لم يكونا من قبيل ‏الرفاهية أبدًا في أي لحظة من لحظات التاريخ؛ بل كانا دائمًا، وسيظلان.. من أجل البقاء.‏

__________________________________________________________________

نُشر في موقع هافينغتون بوست عربي العام 2016
author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات