هل كان يُمكن تفادي المصير الذي آل إليه اليمن ؟
حقائق عن المشهد في صعدة
يرى الكثيرون أن المشهد في صعدة جزء من مسرحية الصراع المذهبي السني - الشيعي في المنطقة، وذلك بسبب تبني قيادة تمرد الحوثيين للمذهب الجعفري الاثنى عشري بينما الحقيقة هي أن الصراع بين طرفين ينتميان إلى المذهب الزيدي .
كما أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المنتمي للمذهب الشيعي الزيدي هو الذي بدأ ودعم " تنظيم الشباب المؤمن " الزيدي أيضا لكي يصنع نوع من التوازن السياسي أمام " التجمع اليمني للإصلاح " الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، والذي كان في السابق حليف للرئيس ثم انقلب معارضا ، وكذلك حدث مع " تنظيم الشباب المؤمن " الذي تحول من حليف إلى معارض وبقوة السلاح حيث تأثر بالفكر الشيعي الاثنى عشري ورفعت شعارات " الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل " لإحراج النظام أمام واشنطن الغاضبة من نشاط القاعدة القوي في البلاد ، ولم يحسن الرئيس التصرف وبادر التنظيم الذي كونه ودعمه بحرب ضربت هيبة الجيش اليمني في مقتل وظلت مستمرة بين تهدئة وتصعيد طوال سنوات .
انفضت خلالها كل القوى السياسية من حول الرئيس صالح حيث أحجمت القبائل عن مساعدته واعتبر " تجمع الإصلاح " أن هذا جزاء غدره به من قبل ؛ وصار صالح في مواجهة غير محسوبة العواقب يمكن أن تحول اليمن إلى صومال جديد فيتحول المشهد في البلد السعيد إلى فوضى عارمة تجتاح البلاد نتيجة حسابات "صالح" المُختلّة في توازنات القوى الداخلية في بلد يضم 250 قبيلة كبيرة تضم العديد من المذاهب والفرق الإسلامية من " زيدية و سنية وجعفرية وإسماعيلية " ويرى سكانه في القبيلة رمزًا سياسيا واجتماعيا أقوى وأقدس من الدولة .
وللصراع الحالي خلفية تاريخية بعيدة عن الصراع المذهبي الذي لم يسبق أن حدث في اليمن حيث يقود الحوثيون القبائل الشمالية التي كانت موالية للملكية قبل عام 1962 التي سقطت في انقلاب قاده ضباط ناصريون بقيادة العقيد عبدالله السلال، وبدعم من الرئيس عبدالناصر آنذاك. وهؤلاء الضباط ينتمون عمليا الى قبيلة حاشد أكبر القبائل اليمنية وأكثرها تسليحا " تضم مليون مسلح " وتنقسم مذهبيا بنسبة الثلثين من الزيود والثلث من الشوافع بعكس القبيلة المنافسة " بكيل" وثلثاها من الشوافع وثلثها من الزيود.
وتنتمي القبائل الشمالية بمعظمها إلى " بكيل " بجناحها الزيدي، ويتألف الإقطاع الملكي ممن يطلق عليهم " السادة الهاشميين" ويحاول الحوثيون اليوم إحياء دورهم في الصراع على السلطة، كون عائلة الحوثي هي الأبرز من السادة، ولكن مشكلتهم أن لا أهداف معلنة لهم لأن أحدًا لا يستطيع القول إنه يعمل على إعادة الملكية أو " الإمامية " التي كانت تعتبر تاريخيا الأكثر انعزالا عن العالم، رغم أنها كانت تمتلك أفضل العلاقات - آنذاك - مع الاتحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية من جهة، والمملكة العربية السعودية من جهة ثانية، وهنا تكمن المفارقة الكبيرة، وقد دعمت السعودية الملكيين حتى وقوع نكسة 1967 عندما حصلت تسوية بين عبدالناصر والملك فيصل، وتخلى بعدها الملكيون عن الصراع .
ومع ما يتردد حول تدخل ليبي إيراني لدعم الحوثيين رغم عدم وجود أدلة واضحة على ذلك يلاحظ غياب أي دور عربي إيجابي فيما عدا ما قامت به الدوحة من وساطة أنتجت اتفاقا لم يتم احترامه من قبل الطرفين وتمت على إثره فترة من الهدنة استطاع خلالها الحوثيون تدعيم قوتهم بالمزيد من العتاد والعدة لمواجهة الجيش اليمني، وهنا يجب التذكير بالدور العربي الذي لعبته مصر خلال الستينيات من القرن الماضي لدحر نظام " الإمامة " في اليمن ودور جامعة الدول العربية في تدعيم نفس النظام في نهاية الأربعينيات من نفس القرن في مواجهة انقلاب 1948 والذي كان يقف وراءه الإمام حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في مصر.
بالنظر إلى ما سبق نرى بوضوح كيف كان هناك دائما دور عربي بارز في مشكلات اليمن وكيف غاب العرب تماما عن المشهد اليمني الآن ومع اشتداد رحا الحرب، بالإضافة إلى غياب القاهرة عن المشهد برمته رغم أهمية اليمن الاستراتيجية وخطورة ما يجري في صعدة على الأمن القومي المصري والعربي على السواء .
___________________________________
نُشر في مجلة حلم المطبوعة بطريقة برايل، والتابعة لمؤسسة مغربي الخيرية، العام 2009
تعليقات
إرسال تعليق