القائمة الرئيسية

الصفحات

السلطة الفلسطينية والاستيطان الإسرائيلي

السلطة الفلسطينية فكرة ساقطة لا تعدو كونها إحدى أدوات الاحتلال الإسرائيلي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم رفض ذلك الطرح سواء من قبل بعض الساسة العرب وبعض الساسة الإسرائيليين أنفسهم، إذ تُبرهن أرض الواقع على ذلك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وليس معنى ذلك سقوط كل من التحق بالسلطة الفلسطينية أو الحكم المطلق عليها بأنها "خيانة" وإنما اقتنع بالفكرة أناس مخلصون عملوا على مجابهة الاحتلال بالطرق السياسية كإحدى أدوات العمل والضغط، والكفاح، وتُعد محاولة لكسب أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية خاصة على الصعيد الدولي، لكن الاكتفاء بنوع واحد من السياسة في مجابهة قوة استعمارية استيطانية يُعد ضربًا من العبث.

كُتب المقال التالي قبل نحو 14 عامًا يستعرض بعض مآلات السلطة الفلسطينية والاستيطان الإسرائيلي، والوضع الآن قد تجاوز ذلك المدى مدى.

سلطة عباس والاستيطان.. حدّث ولا حرج


عبدالعظيم الأنصاري

08/12/2009

انفردت حركة فتح بالسلطة في الضفة الغربية لتحقيق أجندتها السياسية والمتمثلة في خيار السلام كإستراتيجية وحيدة لحل القضية الفلسطينية واسترداد الحقوق المشروعة ومرت الشهور والأعوام ومع كل إشراقة شمس صار الكيان الصهيوني يفوز بشبر جديد على الأرض في اتجاه تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.. فما هي الإجراءات والتدابير التي قامت بها حكومة السلام الفياض للتصدي لهذا العدوان على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة وعلى رأسها القدس؟ وماذا فعل عباس ودحلان لإنقاذ المسجد الأقصى؟

 

لا شك أن الممارسات الصهيونية الساعية لتهويد القدس ومنها عمليات الاستيطان والاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الأقصى توحشت بشكل لافت خلال الأعوام المنصرمة خاصة مع تراجع المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية والذي يعود إلى استمرار الاحتلال الصهيوني بها والذي يقوم بشكل شبه يومي باجتياح المدن والقرى الفلسطينية ويعتقل العشرات من أبناء المقاومة وتصفيتهم بالإضافة إلى تقطيع الضفة الغربية بالحواجز العسكرية حيث يوجد ما يقارب 400 حاجز عسكري هذا إضافة إلى بناء جدار الفصل العنصري والذي يشكل عائقًا أمام المقاومة للوصول إلى قلب الأراضي المحتلة... إلخ.

 

لكن أهم الأسباب في تراجع المقاومة في الضفة الغربية- مما أتاح الفرصة لانفراد الكيان الصهيوني بها لافتراسها والقدس دون جهد كبير وبتكلفة أقل- هو تواطؤ السلطة الفلسطينية ممثلة في حركة فتح مع قوات الاحتلال الصهيوني في محاربة المقاومة خاصة بعد اتخاذها العديد من الإجراءات ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتطبيق بنود خارطة الطريق بنصها بمساعدة ودعم قوات الاحتلال والتي تنص على "تواصل التعاون الأمني ومصادرة كافة (الأسلحة غير القانونية) وتفكيك التنظيمات المسلحة".

 

وعلى هذا الأساس فككت السلطة الفلسطينية بالضفة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وتم تسليم عناصرها للأجهزة الأمنية ومنهم من تم العفو عنه من قبل الاحتلال على ألا يعود إلى حمل السلاح وقامت حكومة السلام الفياض بدمجهم في الأجهزة الأمنية؛ وفي ظل ما سبق نجحت ما تمسى بالأجهزة الأمنية الفلسطينية في اكتشاف العديد من معامل تصنيع العبوات الناسفة ومخازن السلاح كما استمرت ملاحقة رجال المقاومة وحصارهم خوفًا من تكرار المشهد في غزة وسيطرة رجال المقاومة على دفة الأمور في الضفة وهو ما يخشاه الكيان الصهيوني ويكرس كل إمكاناته للتصدي له حيث لا يرى قادة الصهاينة أن كيانهم في حاجة إلى غزة أخرى وإلا اختفى من الوجود.

 

عباس وفياض

وسط الاعتداءات الصهيونية المتواصلة على الفلسطينيين وأراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم ومحاولة تهجيرهم بالطرق المختلفة سواء من قبل قوات الاحتلال أو المستوطنين والمتطرفين من رجال الدين وغيرهم تبدو تصريحات ممثلي حكومة السلام الفياض وكأنها سيناريو وحوار لمسرحية هزلية إذ ترتفع أصواتهم بالاستنكار والتنديد وشعارات السلام بل تصل سذاجة سلام فياض إلى أن يدعو إلى توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني ضد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية بينما تقوم أجهزته الأمنية بإلقاء القبض على من يتصدى لهؤلاء المستوطنين بقوة السلاح.

 

ويأتي رفض منظمة التحرير الفلسطينية خوض جولة جديدة من المفاوضات قبل تجميد الاستيطان في الضفة الغربية لدفع واشنطن للضغط على "إسرائيل" من أجل التجميد في إطار عبث المنظمة بمصير الأمة.. فمن يعتقد أن واشنطن يمكنها الفعل تجاه الكيان الصهيوني فإنه واهم ومن اعتقد ذلك عليه أن يمتلك أوراقًا حقيقيةً للضغط وليس مجرد الكلام.

 

كان يمكن لبعض البسطاء الاعتقاد في أن أمريكا وسيطًا وليست بعدو قبل حرب الخليج الثانية وكان بوسع هؤلاء البسطاء الاستمرار في اعتقادهم هذا لما قبل غزو أفغانستان أو حتى لما قبل غزو العراق رغم وضوح الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني بكافة الأشكال ضد كل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي.. لكن أن يظل الأمل متعلقًا بعطف العم سام حتى بعد حرب غزة والتي كان يمكن الحد من خسائرها لولا ضغوط واشنطن على الكيان الصهيوني بالاستمرار في ضرب المقاومين والمدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخًا على حد سواء بالقنابل الفوسفورية فإن ذلك يتعدى كل معاني البساطة في التفكير أو مجرد التواطؤ.

 

وإذا كان الأمل يتعلق بإدارة أمريكية جديدة، فالحقيقة أن الفرق بين هذه الإدارة وغيرها هو أن على رأسها رئيس أسمر البشرة ذو أصل مسلم يتحدث بلباقة كان مرشحًا للحزب الديمقراطي وليس الجمهوري اعتلى سدة الحكم لتحسين صورة أمريكا أمام العالم وأمام المسلمين خاصة وفي الواقع كلمة "تحسين الصورة"، هنا تعني "الخداع".

 

وما نجم عن هذه الإستراتيجية الفتحاوية الفريدة هو تصوير بنيامين نتنياهو على أنه يريد السلام ويتكبد تضحيات سياسية داخلية بالتصدي للمستوطنين واليمينيين في حكومته وحزبه من أجل تحقيق السلام في الوقت الذي تسير فيه أعمال الاستيطان على قدم وساق في القدس تمهيدًا لتهويدها بشكل كامل وتهجير سكانها الأصليين وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم كل هذا مع التأكيد على أن الفلسطينيين أيًّا كانوا في غزة أو في الضفة لا يريدون السلام.


التوحش الاستيطاني في القدس


كان الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة لا يهدف فقط إلى الهروب من ضربات المقاومة وتقليل الخسائر ورفع حمولة القطاع عن كاهل الاحتلال الذي طالما تمنى غرق غزة بسكانها في البحر ولكن استهدفت خطة شارون تكثيف العمل الاستيطاني في الضفة الغربية وخاصة القدس حيث محور الصراع ومواجهة الخطر الديموغرافي فكل الإحصائيات السابقة والحالية تشير إلى ارتفاع معدل النمو السكاني لدى السكان الفلسطينيين ووفق التقديرات الإسرائيلية فإن عدد سكان القدس بشقيها الشرقي والغربي يبلغ اليوم 700 ألف نسمة نسبة الفلسطينيين تبلغ 34% سوف ترتفع بناء على معدل نموهم إلى 40% سنة 2020 وسوف يتساوى عدد العرب واليهود في القدس سنة 2035.

 

أما بالنسبة إلى القرار الصهيوني بوقف الاستيطان فحقيقته هي تجميد الاستيطان مدة عشرة أشهر في جميع أرجاء الضفة فيما عدا القدس بدعوى أنها العاصمة الأبدية لـ"إسرائيل"؛ ووفقًا لنتنياهو فإن خطة التجميد المؤقت تنطبق على بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية فقط بما يعني وقف تصاريح بناء مستوطنات إضافية لمدى عشرة أشهر وفي نفس الوقت استكمال بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية قيد الإنشاء حاليًا في الضفة، ويقول نتنياهو إن "بناء الكنس والمدارس والمرافق العامة الضرورية لاستمرار الحياة الطبيعية خلال فترة التجميد سيتواصل في جميع المستوطنات على أن تعود حكومتي لسياسة البناء التي اتبعتها الحكومات السابقة فور انتهاء فترة التعليق".

 

أي أن الاستيطان لم ولن يتوقف سواء في الضفة الغربية ككل أو في القدس على وجه الخصوص والتي يمثل المستوطنون بها 53% من مجمل المستوطنين في أنحاء الضفة الغربية.

 

وقد أظهر تقرير لمعهد الأبحاث التطبيقية (أريج) في فلسطين تزايد معدلات الاستيطان في الأعوام المنصرمة من 2006 وإلى 2009 ويرصد التقرير تركز عمليات البناء على المستوطنات الإسرائيلية غرب الجدار العنصري أكثر من الواقعة شرقه بواقع 79% الأمر الذي يظهره النية الإسرائيلية في تعزيز السيطرة على هذه المستوطنات الواقعة غرب الجدار والبالغ عددها 107 وتضم أكثر من 85% من عدد المستوطنين الكلي في الضفة الغربية وتأكيد سيطرتها على منطقة العزل الغربية حال الانتهاء من بناء الجدار كما يتم التركيز على الكتل الاستيطانية الكبيرة في كل من القدس (معاليه أدوميم) وبيت لحم (غوش غتصيون) ورام الله (مودعين عيليت) مما يؤكد عزم الكيان الصهيوني ضم المستوطنات الإسرائيلية الواقعة غرب الجدار بما في ذلك القدس كأمر واقع ضمن حدود الدولة الإسرائيلية المزمع ترسيمها.

 

كما يذكر التقرير السابق أن الكيان الصهيوني قد أعد خطط بناء استيطاني لمستوطنات الضفة الغربية والقدس بما يزيد عن مائة ألف وحدة استيطانية خلال العقد المقبل.

 

وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية منح قروض بقيمة 250 مليون دولار لإنشاء المستوطنات في الضفة ويأتي هذا ضمن مخططها الإستراتيجي داخل نفوذ الأراضي التي تمت مصادرتها في العقود المنصرمة من القرن الماضي حيث إنها صادرت العديد من الأراضي لصالح البناء الاستيطاني ولم يتم البناء عليها حتى الآن وهي تسعى للبناء عليها الآن وهذا ما تسميه بالزيادة الطبيعية حيث تشكل مستوطنة معاليه أدوميم الحالية ثلث المساحة التي تمت مصادرتها لصالحها منذ سنة 1975 وتمتد لنحو 35 كيلو متر مربع أي أن ثلثي الأراضي المصادرة لم يتم البناء عليها بعد.. مع العلم أن هذه المستوطنة تعد الأكبر في القدس وهي تحاصر المدينة القديمة من جهة الشرق ومساحتها الحالية 6618 دونمًا وتأوي 33800 مستوطن.

 

إن ما تتعرض له القدس الآن من هجوم وحشي يستهدف التهويد الكامل للمدينة وتطبيق النموذج الموجود على إحدى تلالها والذي يصور المدينة بمبانيها وقد خلت من كل المساجد الكنائس يتوسطها الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى؛ وإن ما يحدث من انهيارات أرضية حول المسجد المبارك والشروخ والتصدعات التي يتعرض لها إثر الحفريات التي تقام حوله وتحته تنذر بالخطر في ظل ما سبق فإن الحكومة الصهيونية تهيئ الأجواء لاقتحامات قادمة للمسجد من قبل متطرفين صهاينة تمهيدًا لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم وهذا ما أشارت له صحيفة (هاآرتس) في تقرير لها توقعت فيه البدء في بناء ما يسمى "هيكل سليمان الثالث" على أنقاض المسجد الأقصى في 16 مارس القادم في الوقت نفسه تنفق الأنظمة العربية بما فيها سلطة رام الله الغالي والنفيس في التصدي للمقاومة.. ولا تزال تتمسك بخيارات السلام ونداءات السلام، لقد فاض السلام العربي الفلسطيني على الصهاينة فكفى سلامًا عليهم ولتلقوا علينا السلام.




author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات