القائمة الرئيسية

الصفحات

إخفاء الإبادة الجماعية والإفلات من العقاب

 


عبدالعظيم الأنصاري


على مدار 22 شهرًا من الحرب مارس الجيش الصهيوني بدعم أمريكي - غربي واضح لكل ذي بصر، جرائم إبادة جماعية بكل أصنافها وأشكالها المسبوقة وغير المسبوقة؛ والآن مع الحديث عن وقف إطلاق النار في غزة مجددًا للمرة الثالثة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، يبدو أن الحديث يقتصر على مجرد وقف إطلاق النار، وحتى هذا المطلب غير مضمون التنفيذ مع من لا عهد لهم.

لا حديث عن عقاب المجرم على جريمته، ويظل الحديث عن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإدارته، كجزء من الحديث عن الجهود الأمريكية لوقف إطلاق النار سواء في عهد ترامب أو بايدن، الحديث المضلل الذي يُغفل بشكل كامل مشاركة الرئيسين الأمريكيين وإدارتيهما في جرائم الإبادة الجماعية في غزة.


في هذا السياق تحدث نورمان سولومون في مقال له تحت عنوان "إبادة جماعية تُخفى" في شبكة زي الأمريكية، مشيرًا إلى استمرار القتل بالسلاح الأمريكي، وبالمساعدات الأمريكية التي تُستخدم لصيد المُجوَعين الباحثين عن لقمة تسد رمقهم أو حتى رشفة ماء.

سلّط سولومون على محاولة المسؤولين الأمريكيين الحديث عن الإبادة الجماعية بصيغ تنفي عنها صفتها، ما يعكس الحضيض الأخلاقي الذي تُعاني منه أمريكا، مؤكدًا أن رفض الاعتراف بالتواطؤ والإفلات من العقاب يُعزى في المقام الأول إلى التجاهل والصمت، ما يُسهم في أن تتحول أخبار القتل اليومي اللحظي في غزة إلى أخبار اعتيادية حتى نصطدم في يوم من الأيام بتحقق الإبادة فعليًا هذه اللحظة لن نُدركها عندما نسمع خبر مقتل آخر مواطن فلسطيني في قطاع غزة، وإنما سندركها نحن المصريون أو العرب عندما تبدأ عمليات الإبادة الإسرائيلية الأمريكية الغربية في مكان آخر ربما يكون قريبًا جدًا ربما يكون في الضفة الغربية أو الجولان أو لبنان أو الأردن أو حتى هنا في سيناء.


أكد سولومون على أن الحصار الإسرائيلي لغزة المدعوم أمريكيًا هو إبادة جماعية، بحسب تعريفها في الاتفاقية الدولية للإبادة الجماعة بأنها "أفعال تُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية كليًا أو جزئيًا"، مثل هذه الأفعال "تفرض على الجماعة عمدًا ظروفًا معيشية مُصممة لإحداث تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا"، ومن الجلي أن أفعال الكيان الصهيوني في غزة تُطابق هذا التعريف، كمل خلصت إليه منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش بشكل قاطع في تقاريرها المُفصلة، ولكن تحت ستار العلمين الإسرائيلي والأمريكي، تُصرّ الروايات الرسمية على أن مرتكبي الجرائم يجب أن يُخفوا، وهذا ما توصل إليه سولومون عبر دراسات لتحليل مضمون العديد من التصريحات الحكومية، وبيانات منظمات مؤيدة لإسرائيل مثل منظمة جيه ستريت، والذي يرتكز نهجها على الصمت وعدم الاعتراف وعدم النظر إلى الجرائم باعتبارها جرائم، وإنما باعتبارها أي شيء آخر، بتحريف الكلم عن مواضعه بطريقة احترافية مذهلة خارج المنطق والإنسانية وأي قيم مزعومة.


لكن سولومون يؤكد في مقاله على أن أحداث غزة وعدم الاعتراف الأمريكي بالمسؤولية، أسهمت على مدار الشهور الطويلة الماضية في تحطيم الأوهام فالعديد من الأمريكيين وخاصة الشباب يعرفون عن بلدهم وحكومتهم الآن أكثر بكثير مما كانوا يعرفونه قبل عامين فقط؛ لكن السؤال ليس عن الأمريكيين الآن بل السؤال الأجدر هو عن المصريين هل فعلًا أصبح المصريون الآن يعرفون عن بلدهم وحكومتهم أكثر بكثير مما كانوا يعرفونه قبل عامين ؟ وما مدى تأثير ذلك على المجاعة والمقتلة الجارية في أرض العزة ؟ هل سيُفلت المسؤولون عن الإبادة الجماعة من المساءلة ومن العقاب في الدول الغربية والعربية على حد سواء ؟



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 10 يوليو 2025






أنت الان في اول موضوع
author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات