عن إجابة طالبان القريبة والبعيدة على استراتيجية أوباما في أفغانستان
هجمات كابول.. أوباما على المحك
18 يناير 2010
فيما اعتُبر ضربة رأس للإستراتيجية الأوبامية في أفغانستان، نجحت حركة طالبان في شنِّ سلسلة من الهجمات المنسقة على رأس ورموز النظام الموالي للاحتلال الأمريكي في كابول؛ حيث تم قصف القصر الرئاسي بصاروخين قبل أن تهاجمه فرقة من مقاتلي طالبان هو وعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية الأفغانية، واشتبك المقاتلون مع قوات الأمن عند وزارات حكومية أفغانية وحول القصر الرئاسي.
ووقع الهجوم الذي استهدف القصر فيما كان 14 وزيرًا في حكومة حامد قرضاي يستعدون لأداء اليمين الدستورية.
واحتل المقاتلون وزارة العدل، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية، والبنك المركزي، وعدد من المؤسسات الحكومية، والمتاجر، ومن بينها مركز (جرا أفغان) التجاري بالقرب من القصر الرئاسي، والذي يعتبر فخر الحكومة الأفغانية وقوَّات الاحتلال تدللان من خلاله على أمن واستقرار البلاد، وها هو قد شهد أكبر هجوم على كابول منذ البدء في تنفيذ إستراتيجية أوباما.
تبنَّت طالبان الهجمات وقالت: إن 20 مسلحًا استهدفوا القصر الرئاسي والعديد من المباني التابعة للحكومة.
وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم قيادة طالبان: "هذا ما فعلنا، والأهداف التي تمت مهاجمتها هي: القصر الرئاسي، ووزارات العدل والمالية والمناجم والبنك المركزي".
كما أعلنت طالبان أنها هاجمت مطار جلال أباد بالصواريخ، مشيرةً إلى وجود أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين والأفغان في المطار.
وقد استخدمت طالبان للمرة الأولى سيارات مصفحة تابعة للجيش والشرطة الأفغانيين في تنفيذ هجومها.
ويعد الهجوم الأول من نوعه الذي يشنُّه عناصر من طالبان باستخدام القنابل والأسلحة الرشاشة وسط كابول.
رغم ما أعلنه "الناتو" من مساندة القوات الأفغانية، وأن طالبان "لن تنتصر أبدًا مهما نفذت من هجمات" إلا أن الأوضاع في بلاد الأفغان تُنذر بتحول دراماتيكي لصالح طالبان، كما أن هجمات كابول التي انتهت بوقوع عشرات القتلى والجرحى العسكريين سواء من الجيش الأفغاني أو الشرطة أو قوات التحالف أو من المدنيين، بالإضافة إلى مقتل منفذيها ووقوع خسائر مادية كبيرة في الأماكن والمؤسسات التي تم مهاجمتها؛ هذه الهجمات عكست دقة طالبان في اختيار التوقيت المناسب سياسيًّا وعسكريًّا.
فمن الناحية السياسية نجحت طالبان في ضرب رموز النظام العميل، وإثبات وجودها بقوة قُبيل مؤتمر لندن المزمع انعقاده بعد عشرة أيام من الهجمات في 28 يناير، ويرأس جلساته وزيرا خارجية بريطانيا وأفغانستان، والذي يهدف لرسم الطريق لأفغانستان خلال الشهور الـ12 أو 18 القادمين طبقًا لموقع وزارة الخارجية البريطانية، وقال عنه ديفيد ميليباند: إن الهدف منه "الدفع قدمًا بحملتنا في أفغانستان، ومضاهاة الزيادة بأعداد القوات بزيادة بالزخم السياسي، وتركيز المجتمع الدولي على مجموعة واضحة من الأولويات التي يتناولها التحالف الذي يضم 43 دولةً، وحشد أكبر جهود دولية ممكنة..".
يبدو أن المؤتمر بدايةٌ لحشد المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب قوات التحالف التي تواجه مأزقًا خطيرًا في مواجهة الأفغان وتحديد مستقبل أفغانستان، ومن هنا جاءت هجمات طالبان لتبعث برسالة إلى لندن مفادها أنه لا يمكن تحديد مستقبل أفغانستان بدون طالبان.
ومن المقرر أن يُعقد مؤتمر آخر في كابول في ربيع 2010 بعد مؤتمر لندن من أجل عرض التزامات الحكومة الأفغانية للشعب الأفغاني- وهي الالتزامات التي لن تلتزم بها حكومة فاسدة ولدت من رحم نظام فاسد قام على تزوير الانتخابات- ومن ثم عقد مؤتمر ثالث في أوائل 2011.
وبينما أعلن قرضاي أن الأوضاع صارت مستتبة، وأنه تم قتل المسلحين (الاستشهاديين) الذين قاموا بالهجمات، فإن الأجهزة الأمنية الأفغانية لم تكن قد انتهت بعد من إحصاء الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بها من جرَّاء الهجمات.
وأثبتت طالبان من الناحية العسكرية أنها تمتلك القدرة على الهجوم والهجوم القوي وليس مجرد الدفاع أو الهجمات المتفرقة الضعيفة بل وامتلاك عنصر المفاجأة، وكذلك أثبتت قدرتها على التحرك التكتيكي، وتغيير إستراتيجيّات القتال لما يتناسب والتصدي للإستراتيجيات العسكرية الأمريكية، بالإضافةِ إلى إثباتها فشل حكومتي واشنطن وكابول الأمني.
ومن إعلان أوباما لإستراتيجيته والبدء في تنفيذها مع مطلع العام الحالي فإن حركة طالبان قد طوَّرت كثيرًا من أدائها القتالي، فتعددت وتنوعت هجماتها على قوات التحالف، ونجحت في توجيه ثاني أكبر ضربة في تاريخ وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" في الهجوم الذي قام به العميل الأردني المزدوج همام خليل البلوي، والذي ظهر بعد عشرة أيام من الهجوم الذي قام به على شريط مصور مع زعيم طالبان الباكستانية حكيم الله محسود.
وكانت "السي آي إيه" قد اعترفت بمقتل سبع من عملائها نهاية الشهر الماضي في هجوم على قاعدة "تشابمان" في مدينة خورست الأفغانية المحاذية للحدود الباكستانية.
هذا بالإضافة إلى ارتفاع عدد الهجمات، وارتفاع أعداد القتلى من قوات التحالف، والذي يتصاعد بشكل كبير من العام الماضي وحتى الآن؛ حيث أوضح تقريرٌ للأمم المتحدة أن عدد القتلى بين جنود التحالف وصل إلى 520 في عام 2009م مقارنة بـ295 في عام 2008م وكذلك فإنه في سبيله إلى الازدياد مع احتدام المعارك على الساحة الأفغانية والتطور النوعي الذي ميّز هجمات تحالف (طالبان الأفغانية والباكستانية وتنظيم القاعدة) في الفترة الأخيرة.
وتشير تصريحات أوباما باستعداده للتفاوض مباشرةً مع طالبان وخطته بالانسحاب من أفغانستان 2011 إلى تراجع أمريكي واضح.
وهو ما يطرح العديد من التساؤلات قد تكشفها الأحداث المتلاحقة في هذا البلد الذي بات "فيتنام" القرن الحادي والعشريين للأمريكيين، ولعل أبرز هذه التساؤلات هي هل يراجع أوباما إستراتيجيّته والهروب من الفشل المحتوم بأقل خسائر ممكنة أم أنه سيكرر أخطاء الاتحاد السوفيتي ويستمر في دعم قواته في جبال الأفغان، وتدعيم إستراتيجيته من أجل الانتصار في حربه الضرورية كما أطلق عليها؟
وتؤكد الأحداث أن طالبان هي من سيجيب على هذا السؤال، أما الرئيس أوباما فأيًّا كانت إجابته لن يستطع الهروب من الفشل والسقوط في أفغانستان مُنسحبًا بعد فترة كبيرة يكون قد خسر فيها الكثير أو منسحبًا بعد فترة أقل بخسائر أقل.
تعليقات
إرسال تعليق