لا أعرف على وجه الدقة كم أنفقت الحكومات العربية على الانتخابات، رئاسية، برلمانية، محلية، مهلبية، قثاء بالطعمية، مع بعض الملوخية، كله جائز، لا أسعى هنا للتفتيش عن النوايا أو الخبايا، ولا أريد معرفة الأرقام، بالأرقام كثيرة، ونحن كذلك أرقام، فقط سؤال بريء هل كل ما جرى من انتخابات في الدول العربية منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن كان حقيقيًا أم مجرد أفلام كرتون ؟
أظن أنني أجبت عن جانب من هذا السؤال قبل 18 عامًا عندما كتبتُ عن الانتخابات العراقية يناير 2005.
هل يشارك المواطنون العراقيون في الإنتخابات حقاً؟ |
عبد العظيم الأنصاري / مصر العربية |  | |
 | |
الاثنين 24 يناير 2005 الساعة 9 م |
تتجسد أمامنا في العراق حرب عظمى ليست فقط بين جيوش جاءت للاحتلال والسيطرة على هذا الجزء من العالم وبين مقاومين شرفاء يضعون الوطن نصب أعينهم ـ لاحظ هنا أن بعضاً ممن يمارس فعل المقاومة في العراق أساء إلى هذا الفعل بطائفية أو احتقان نتج عن قصر نظر لا يعبر عن روعة الفعل المقاوم في عمومه ـ ولكن قوى أخرى عديدة دخلت الصراع.
أبرزت لنا الانتخابات المزمعة في 30 يناير الجاري - 2005 - العديد من القوى ذات المصالح على الساحة العراقية، أياً كانت هذه المصالح "نهب ثروات البلاد، فرض الهيمنة، التخلص من الإحتلال، التخلص من إحدى طوائف الصراع، تأمين دول في المنطقة، بسط نفوذ دول مجاورة ... إلخ".
من كثرة الفرق المتناحرة والأهداف المتضادة ظن البعض أن ما يدور في العراق هو بداية للمعركة التي تنبأ بها العديد من أصحاب الديانات "معركة هرمجدون"..وبين الشعلان والسيستاني وبين بوش وصدام وبين الإسلاميين والعلمانيين وبين السنة والشيعة وبين طهران وواشنطن وتل أبيب وبين عرب وأكراد وتركمان .. تتمزق العراق.
إذن يبدو أننا توصلنا إلى نتيجة ما وهي " تمزق العراق" يقولون في علم الجريمة ابحث عن المستفيد تجد الجاني، الآن لنا أن نسأل من المستفيد من تمزق العراق؟.. بالطبع يستبعد كل أبناء الوطن العراقي الواحد من هذا الاتهام، ويتضح لنا أن دائرة الاتهام لا تحصر سوى القوى الأجنبية التي تعبث بمصير الشعوب من أجل مصلحتها.

الأجانب في العراق الآن كثير منهم من ينسب إلى الوطن نسب باطل وهؤلاء هم الأكراد الذين يريدون الانفصال، والشيعة الذين يتبعون إيران والسنة الذين تعانوا مع الإحتلال والمسيحيين الذين يهربون من وطنهم، وللأسف هؤلاء هم العراقيون الذين يشاركون في الإنتخابات، لنا إذن أن نتأكد أن الإنتخابات العراقية المزمعة في 30 يناير القادم انتخابات باطلة إن لم يكن لوجود قوات احتلال أجنبي وزيادة العنف الذي يصل في مناطق كثيرة في العراق، والآن إلى حالة من الحرب شبه الشاملة.
فلأن الغالبية العظمى التي لها تأثير في تلك الإنتخابات ليست في الحقيقة من العراقيين الوطنيين بل من العراقيين الأجانب الذين تنتهي أهدافهم إما إلى تقسيم الوطن وإما إلى تحقيق مصالح قوى أجنبية، والمستفيد الأول من كل هذا هو الكيان الصهيوني والذي له يد طولى في العراق، الآن فقد تواترت الأخبار عن وجود قوات إسرائيلية في العراق وبناء مركز استخباراتي للموساد شمالي العراق ليكون أكبر مركز لجمع المعلومات التي يحتاجها الكيان الصهيوني لاستكمال مشروعة الإمبراطوري الذي لا يقوم إلا على أنقاض المشروع العربي الإسلامي.
|
|
|
|
يؤكد محللون أن ما يحدث على أرض العراق لا ينتمي من قريب أو بعيد إلى الديمقراطية، فقد اتسمت فترة ما قبل الإنتخابات بالاغتيالات حيث قُتل العديد من المرشحين، وتخشى معظم الأحزاب السياسية القيام بحملاتها الإنتخابية علناً، غير أن المرشحين لم يسلموا من خشونة الخلافات العلنية، وانضمت مرجعيات شيعية إلى هذا النزاع كما لا تتشكل هذه الإنتخابات من جميع الأطياف العراقية حيث يقاطعها السنة.وقد نفت هيئة علماء المسلمين السنية ما أشيع حول مشاركتها في انتخابات مجلس محافظة ديالي المقررة 30 يناير، وقالت الهيئة في بيان لها أن "الهيئة تنفي نفياً قاطعاً صدور أي بيان يؤكد مشاركتها في هذه الإنتخابات، وتستغرب صدور بيان رسمي من مجلس وزراء الحكومة المؤقتة يزعم فيه مشاركتنا في الإنتخابات"، وأوضحت الهيئة أن "هذا تشويه لمواقف القوى الرافضة لإجراء الإنتخابات في هذا التوقيت الذي يضر بمواقف العراق والعراقيين"، وهذا يؤكد على أن قوات الإحتلال تريد إشراك السنة في الإنتخابات بأي طريقة وكأنها تفرض عليهم الديمقراطية!!.
من كل ما سبق يتضح لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تُفقد الديمقراطية قيمتها ومعناها في العراق، وبالتالي فهي تفقد مشروعية حججها بنشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط والعراق تحديداً، فهي من جهة تدعو إلى الحرية ومن جهة أخرى تقمعها.. الواقع يقول أن تمثال الحرية الأمريكي ملطخ بدماء الهنود الحمر والزنوج المسلمون منذ ما يزيد على 400 عام كما هو ملطخ بدماء اليابانيين والفيتناميين والأبرياء في أفغانستان والعراق وما خفي كان أعظم!!.
_________________________________________________________________
نُشر في صحيفة مصر العربية الإلكترونية - الصادرة عن صحيفة الأسبوع بتاريخ 24 يناير 2005
تعليقات
إرسال تعليق