القائمة الرئيسية

الصفحات

"كشف الكذب".. غمامة من الخوف تخيم على أميركا

 


عبدالعظيم الأنصاري

حالة من الارتباك والاضطراب، يعيشها موظفو الأجهزة الحكومية الأمريكية؛ بين الترقب والريبة، بين الملاحقة والإدانة، تُسيطر أجواء مكارثية على الجميع بين من يتلقون الأوامر العليا، ومن ينتظرون الحُكم عليهم بالخيانة والتآمر أو التواطؤ أو الركون، غمامة الخوف صارت تُغطي سماء أميركا.

يأتي ذلك في ظل تكثيف وكالات الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحقيقاتها في التسريبات المزعومة لوسائل الإعلام، استخدمت في بعض الحالات تعريض المُحقق معهم إلى جهاز كشف الكذب، ما يزيد من حالة الخوف والترهيب وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين، بحسب ما ذكرت إيلين ناكاشيما وهانا ناتانسون في مقالهما بصحيفة واشنطن بوست.



كشفت الفترة الأخيرة عن ضعف صادم في الأمن السيبراني الأمريكي، مع زيادة التسريبات الأمنية الخطيرة من أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية، وعلى رأسها تسريبات سيجنال التي تضمنت معلومات عن خطط الهجوم الأمريكي على الحوثيين في اليمن، وكانت عن طريق إنشاء مجموعة دردشة على تطبيق سيجنال ضمت مسؤولين كبارًا مثل نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف وآخرين.

بالإضافة إلى تسريب خطط إسرائيلية للهجوم على إيران في أكتوبر 2024، وتسريبات جاك تيشيرا عبر منصة ديسكورد، التي شملت معلومات حساسة عن الحرب في أوكرانيا وتقييمات استخباراتية عن الصين وروسيا وكوريا الجنوبية، وتسريب معلومات إلى الصين من قبل كوربين شولتز بين عامي 2022 و2024، فضلًا عن تسريبات داخلية في مجتمع الاستخبارات الأمريكي أبريل 2025، تتعلق بمعلومات سرية عن جماعة ترين دي أراكَوا الفنزويلية، وقد طالبت مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب، تولسي غابارد، وزارة العدل بالتحقيق في تلك التسريبات، واتهمت من وصفتهم بأنهم مجرمون من الدولة العميقة بالتورط فيها، مدعية أنهم يستخدمون المعلومات السرية لأغراض سياسية وأكدت أن بعضهم مازالوا في منصابهم الحكومية.

وبتوجيه من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل، بدأ المكتب في الأسابيع الأخيرة بإجراء اختبارات كشف الكذب لتحديد مصدر تسريبات المعلومات، وفقًا لمتحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم يُبلغ سابقًا عن الاستخدام الجديد لأجهزة كشف الكذب في المكتب، والمعروفة باسم اختبارات "كشف الكذب".

وقد تعزز التصعيد بفضل التوجيهات القانونية الجديدة التي أصدرتها المدعية العامة بام بوندي، والتي تسمح لوزارة العدل باستدعاء الاتصالات الشخصية للصحفيين، وتوسيع نطاق الملاحقة الجنائية المحتملة لتشمل تسريبات لا تقتصر على المواد السرية فحسب بل تشمل أيضًا معلومات محمية وحساسة أخرى، تقول الإدارة إنها "مسرّبة لبث الفوضى وانعدام الثقة في الحكومة".

لكن مسؤولين حاليين وسابقين يشيرون إلى أن النطاق الأوسع قد يشمل معلومات محرجة أو تُعتبر مقوضة لوجهات نظر الإدارة.

وقال أحد المسؤولين الكبار الذين جرى التحقيق معهم رفض الكشف عن اسمه لكاتبي مقال واشنطن بوست إن الناس يحاولون جاهدين إخفاء عواطفهم، وإن الروح المعنوية في حالة يرثى لها.. عندما ترى أشخاصًا يخضعون للتحقيق أو أسماء عملاء عملوا في قضايا شغب الكابيتول في 6 يناير 2021، تسلّم إلى وزارة العدل فهذا أمر لا يصدق؛ وهو بذلك يُشكك في أن المسألة قد تقف خلفها تصفية حسابات سياسية من قبل إدارة ترامب مع الديمقراطيين.

يبدو أن الداخل الأمريكي يعاني من نوع جديد من المكارثية، المترتبة على الحرب الخفية الداخلية بين الإدارة الحالية والدولة العميقة التي تستخدم مسؤولين في مفاصل الدولة، ونجوم ومشاهير، للتشكيك في نزاهة وشفافية إدارة ترامب، الذي يسعى إلى السيطرة الكاملة على الحكم، وتطبيق بعض شعاراته الانتخابية، وربما محاولة الاستئثار بالسلطة أو الاستمرار فيها بشكل أو بآخر.

في ظل حروب الرأي العام الأمريكية حول حرب غزة، ودعم أوكرانيا، وخطر الصين، وحرب الرسوم الجمركية، وحقوق الشواذ جنسيًا، والتي تسعى إدارة ترامب إلى السيطرة عليها عن طريق رفع شعارات محاربة معاداة السامية، والحفاظ على القيم المسيحية، وقوة الرجل الأبيض، وأميركا أولاً، وغيرها، مع دعم الآلة الأمنية، وسياسة القرارات اليومية.

كل ما سبق وأكثر يجعل الأمريكيين يعيشون في أجواء دول العالم الثالث، وجمهوريات الموز، ويضعها على أول طريق التشظي ومن ثم الانهيار.


__________________________________________________
نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 08 مايو 2025





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات