القائمة الرئيسية

الصفحات

السلام العربي الإسرائيلي .. مسار الفناء

 


دراسة مختصرة عن السلام العربي - الإسرائيلي، كتبتها مع مطلع الألفية الجديدة

من بداية الألفية.. ويستمر المسار...

السلام العربي الإسرائيلي .. مسار الفناء

قبل إعلان قيام " دولة إسرائيل " 1948 بسنوات أو عقود كان العرب في فلسطين ومن المحيط إلى الخليج بل والمسلمون كذلك في أنحاء العالم الإسلامي ينظرون إلى فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين - إن طرحت هذه الفكرة من الأساس أو طرأت على بال أحدهم – على أنها أسطورة غير قابلة للتحقق وهذا ما يفسر كثيرا من تصرفات وسياسات العرب تجاه الصهيونية التي لم تكن واضحة المعالم للكثير منهم سواء على مستوى القيادات أم على مستوى الشعوب فاليهود كانوا بالنسبة للعرب مثلهم مثل المسيحيين الذين يعيشون بين المسلمين يشاركونهم جميع مجالات الحياة فيما عدا صلواتهم فقط تبقى الصورة الذهنية لليهودي عند المواطن العربي هي صورة ذلك المرابي أو التاجر الماهر أو الرجل البخيل ليس أكثر من ذلك لم يرقى إلى ذهن الكثيرين أن جيرانهم في الحي يمكن أن يكونوا نواة لدولة صهيونية استعمارية استيطانية تظل السبب الرئيسي في إضعاف كل الدول العربية وتخوض الحروب مع العرب وتلحق بهم الهزيمة تلو الأخرى .. ولكنها قامت، فبعد مراحل عديدة تم التجهيز لها من أكثر من مائتي عام كان آخرها وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين وقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية .


كان لدى بعض اليهود الصهاينة خاصة من هؤلاء الذين أتوا من أوروبا قناعة بأن الفلسطينيين سيوافقون على قرار التقسيم الذي يمنحهم دولة لم تكن موجودة من قبل بل وسيفرح الفلسطينيون لهذا القرار لكن قناعتهم لم تكن في محلها .. صحيح أنه لم تكن هناك دولة تحمل اسم " فلسطين " قبل الاحتلال البريطاني لكن العرب هم سكان هذه البلاد أياً كان اسمها فكيف لأحد أن يتخلى عن أرضه بهذه السهولة الواقع أن الفكرة نفسها كانت خرافية بالنسبة للعرب لا معنى لها على أرض الواقع ، لم يتقبل العقل العربي مجرد الفكرة ولم تخطر قط في مخيلته .
رفض العرب قرار التقسيم وهو ما أدى إلى اندلاع العنف بين العرب واليهود مع رفض بريطانيا التدخل وترك الأمور كما هي حتى موعد الانسحاب في 1 أغسطس 1948 وفق قرار التقسيم ، وعندما تأكد زعماء اليهود من نية انسحاب بريطانيا في يوم 15 مايو قرروا في تل الربيع التي تحول اسمها إلى تل أبيب في يوم 14 مايو أن يطبقوا الجزء الخاص بإنشاء دولة يهودية كما ورد في قرار التقسيم فتم تشكيل برلمان وطني كممثل للشعب اليهودي والحركة الصهيونية العالمية والذي أعلن قيام دولة يهودية في فلسطين أطلق عليها اسم " إسرائيل " وتقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم للكيان الجديد ، وفي 15 مايو قامت جيوش كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق مع مقاتلين عرب آخرين والمقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يقاتلون اليهود منذ نوفمبر 1947 قموا بشن حرب شاملة ضد الكيان الصهيوني لكنهم فشلوا في منع قيام الكيان وانتهت الحرب بأربع قرارات تتمثل في وقف إطلاق النار من الأمم المتحدة بين إسرائيل من جهة وكل من مصر ولبنان والأردن وسوريا والعراق وظلت الحدود في الاتفاقية على ما هي عليه حتى عام 1967 .

السلام خط البداية في سباق التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني


هناك أزمة مفاهيم كبيرة يعاني منها العالم العربي ومن أكثر المفاهيم جدلا مفهوم " السلام " ، كثيراً ما يستخدم القادة السياسيين النصوص الدينية لتفسير سياساتهم والسلام من أكثر المفاهيم التي يمكن الترويج لها من خلال الدين يقول الله تعالى في كتابه الكريم " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله " بدون أي تفسير يزج بآيات القرآن في أكثر الأحاديث بعداً عن الكتاب والسنة ويردد العامة كلمات بترتيب مركب تواترت على مسامعهم دون وعي يذكر هكذا تحديدا تسرب إلى عقول بعض العرب فكر التطبيع آخذا من مصطلحات مثل التعايش السلمي والأمن وغيرها مطية له لاختراق جدران العقل العربي .

لكن في الحقيقة هناك شيء أكبر مما سبق هو الذي ساق المفاهيم السابقة إلى العقل العربي ألا وهو " الهزيمة " ؛ في عالم السياسة تفعل أو لا تفعل في كلتا الحالتين حدث فعل إما لك أو عليك فألا تتحرك هو فعل تحاسب عليه تماما مثل تحركك في أي اتجاه ولم يكن تحرك العرب في 1948 تحركاً عاديا لحل موقف عابر بل كان تحركاً في منعطف خطير من تاريخ الأمة العربية والإسلامية بل والعالم كله ولم تكن الهزيمة مجرد هزيمة عسكرية عادية فقد كرست الهزيمة لواقع كان أبعد ما يكون عن أذهان العرب وكانت هذه هي الصدمة .

بعد هزيمة الدول العربي التي شاركت في حرب 1948 في فلسطين وافقت على البدء في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق هدنة مع الكيان الصهيوني وبدأت المفاوضات العربية الإسرائيلية في جزيرة رودس في 13 يناير 1949 تحت إشراف الدكتور رالف بانش ممثل الأمم المتحدة واستمرت حتى يوليو من العام نفسه وبنتيجتها وقعت كل من مصر والأردن ولبنان وسوريا على اتفاقات مع الكيان الصهيوني نصت على عدم استخدام القوة العسكرية في تسوية مشكلة فلسطين وعدم قيام القوات المسلحة لأي من الفريقين بأي عمل عدائي أو التخطيط لمثل هذا العمل أو التهديد به ونظر إلى تلك الاتفاقات في ذلك الوقت على أنها خطوة على طريق إعادة " السلام " إلى فلسطين ، وهذا ما يؤكد أن مصر لم تكن أول دولة تعترف بإسرائيل سنة 1979 عند توقيع اتفاق كامب ديفيد وإنما اعترفت كل الدول التي شاركت في مفاوضات ما بعد حرب 1948 بـ " إسرائيل " .



وقد شكلت الأمم المتحدة لجنة توفيق في ديسمبر 1948 من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا كان من ضمن مهامها العمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة الخاص باللاجئين الفلسطينيين الذي صدر في 11 ديسمبر 1948 ونص على حقهم في العودة أو تعويض من لا يرغب في العودة ودعت لجنة التوفيق إلى اجتماع لوزان عام 1949 حضرته الدول التي وقعت اتفاقات الهدنة واستمر من ابريل إلى سبتمبر 1949 وناقشت الوفود المشاركة في المؤتمر موضوع اللاجئين الفلسطينيين وموضوع الحدود ودفع الضغط الأمريكي في ذلك الحين وزير خارجية الكيان الصهيوني موشيه شاريت إلى أن يقترح على مجلس الوزراء إصدار تصريح يعرب فيه عن قبول الكيان بعودة 100 ألف لاجئ على أن يشتمل هذا العدد على 30 ألفا كانوا قد عادوا فعلا إلى ديارهم ، بيد أن الوفود العربية رفضت هذا العرض كما لم يتحمس له رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون الذي كان يرى أن الكيان الصهيوني لا يستطيع أن يقدم أي تنازل من أجل السلام وأن اتفاقيات الهدنة توفر بديلا مرضياً للسلام ؛ ومع ذلك وقعت الوفود العربية مع الكيان الصهيوني على بروتوكول لوزان الذي أرفق به قرار تقسيم فلسطين لعام 1947 وخريطة التقسيم وكان توقيع الحكومات العربية الأربع على اتفاقية الهدنة وعلى بروتوكول لوزان بمثابة إقرار بوجود " إسرائيل " وبموافقتها على مشروع التقسيم وعلى هذا الأساس أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1949 قراراً بقبول انضمام الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة .

واختلفت مفاهيم السلام تبعا لكل مرحلة سياسية وتبعا لسياسات القوى العظمى الراعية للكيان الصهيوني وهي الولايات المتحدة التي استلمت من بريطانيا راية القيادة الغربية الاستعمارية حيث اهتم الرئيس دوايت أيزنهاور بعد دخوله إلى البيت الأبيض بالبحث عن تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي وأوفد وزير خارجيته جون فوستر دالاس إلى المنطقة في 11 مايو 1953، حيث كان أول من اجتمع به من المسؤولين العرب وزير خارجية مصر الدكتور محمود فوزي ، ثم انتقل من مصر إلى الكيان الصهيوني حيث التقى مع وزير خارجيتها موشي شاريت في 13 مايو والذي أكد له أن على أصدقاء إسرائيل ألا يطلبوا منها تحت أي ظرف من الظروف أي إنسحاب من الأرض، فذلك يمثّل انتحاراً بالنسبة لها، ولا أن يطلبوا منها إعادة اللاجئين، فذلك أيضاً قريب من الانتحار، ولا أن يطلبوا منها دفع أي تعويضات لأن مواردها لا تكفيها .

وفي اجتماع لمجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة أيزنهاور وبحضور نائب الرئيس ريتشارد نيكسون عرض دالاس نتائج ما توصل إليه في المنطقة حيث أشار إلى أن الكيان الصهيوني يواجه أزمة اقتصادية كبيرة وسوف تساعده التعويضات الألمانية والمسؤولون فيه لا يفكرون في عقد صلح مع العرب وإنما يفضلون سلسلة من الخطوات التدريجية على طريق التفاوض مع الأطراف العربية، ولكن ليس بصورة جماعية " وقد وجدتُ أن الإسرائيليين لديهم قلق تجاه السياسة الأمريكية واهتمامها بالعرب ولا بد أن نلاحظ أن قوة الجيش الإسرائيلي وحده أكبر من قوة الدول العربية مجتمعة، وهذه حقيقة يجب أن تدخل في حساباتنا ".

بيد أن إدارة أيزنهاور التي كانت ترى في تلك الفترة أن تسوية الصراع العربي الإسرائيلي هي المدخل إلى إقامة نظام دفاعي شرق أوسطي في مواجهة الاتحاد السوفيتي، واصلت جهودها ولجأت إلى ممارسة الضغط على إسرائيل. ففي يوليو 1953، عندما قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي تحويل مجرى نهر الأردن ونقل مياهه إلى صحراء النقب، ولم تستجب إسرائيل للدعوة الأمريكية بوقف العمل في هذا المشروع، أعلن جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي تجميد المنحة التي طلبتها إسرائيل، وقرر إرسال إيريك جونستون، رئيس اللجنة الاستشارية للتنمية لكي يقوم بالوساطة بين بلدان المنطقة والتوصل إلى اتفاقية بشأن حصص المياه في نهر الأردن وفي 25 أكتوبر 1953، وأمام هذا الضغط الأمريكي قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي تجميد العمل في مشروع تحويل مجرى نهر الأردن وأعلن دالاس بعد مرور ثلاثة أيام منح إسرائيل منحة بقيمة 26 مليون دولار .

ومنذ ربيع العام 1954 راحت إدارة أيزنهاور تركّز جهودها على مصر حيث ساعدتها على التوصل مع بريطانيا في يوليو 1954، إلى اتفاق جلاء القوات البريطانية من قاعدة قناة السويس كما وعدت القاهرة بمساعدات عسكرية ومالية ولوحت لها بمساعدتها على تنفيذ مشروع بناء السد العالي ؛ وفي منتصف أغسطس 1955 ألقى دالاس خطاباً مسهباً أعلن فيه أن الولايات المتحدة سوف تتقدم بمبادرة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي كما أنه أشار إلى ملامح من خطة أطلق عليها " ألفا " وطلبت وزارة الخارجية من سفرائها في المنطقة استطلاع رأي زعمائها في تصريحات دالاس؛ وذهب بايرود إلى لقاء مع جمال عبد الناصر، الذي أخبره إن العالم العربي يجد من الصعب عليه أن يقبل فكرة تشريد اللاجئين الفلسطينيين على هذا النحو، ثم إن هناك أيضاً موضوع النقب، وأضاف أنه قرأ تصريحاً لبن جوريون قال فيه إن إسرائيل لديها خطة لتوطين مليوني يهودي في النقب .

وبعد وصول الرئيس كينيدي إلى البيت الأبيض كانت مخاوفه من مخاطر السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط دافعا للقيام بمبادرته من أجل التوصل إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي دون جدوى وفي مايو 1963 قرر تكثيف ضغوطه على حكومة الكيان الصهيوني لدفعها إلى الموافقة على تفتيش أنشطة مفاعل ديمونة لكنها رفضت الاقتراح الأمريكي بأن تقوم بالوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بالإشراف على نشاطاتها النووية كما رفضت أي إشراف أمريكي وباءت جهود كيندي بالفشل إلى أن تم اغتياله وحل محله جونسون الذي أبدى تحيزاً واضحا للكيان الصهيوني .

إلى أن وقعت حرب الأيام الستة 1967 التي تعد من أكبر الهزائم العسكرية في التاريخ حيث استولى فيها الكيان الصهيوني على كل من شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة والضفة الغربية بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية في أقل من ستة أيام وهو ما حفز فرص " السلام " لدى العرب فيما بعد ونستطيع القول أن جنوح العرب للسلام كان دائما مرتبط بالهزيمة ؛ ففي 22 نوفمبر 1967 أقر مجلس الأمن الدولي القرار 242 والقاضي بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي التي احتلتها بعد 5 يونيو 1967 وحسب الصيغة الإنجليزية " أراض " وليس " الأراضي " وهي الثغرة التي يلعب بها الكيان الصهيوني في المحافل الدولية ولو أنه ليس في حاجة لذلك حيث أنه يعتمد على القوة دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى ،ووافقت كل من مصر والأردن على قرار مجلس الأمن بعد فترة قصيرة من صدوره وأبدت مصر استعدادها لتسهيل المساعي الدولية السلمية ولم توافق الحكومة الصهيونية على القرار 242 رسميا إلا في فبراير 1968 ، وفي المفاوضات مع المبعوث الخاص للشرق الأوسط السكرتير العام للأمم المتحدة السفير السويدي جونار يارينج أعلن أبا إيبان وزير خارجية الكيان الصهيوني أن القرار 242 لا يلزم الكيان بالانسحاب إلى الحدود القائمة قبل يونيو 1967 معتبراً أن الكيان في حاجة إلى خريطة أمنية أفضل وإلى حدود أوسع تكون إمكانية انتهاكها أصعب وهو ما يعني في تصوره ضم كل هضبة الجولان أو أجزاء مهمة منها وما بين ربع إلى ثلث أراضي الضفة الغربية وكانت الحكومة الصهيونية تبنت قرارا سريا بعدم الانسحاب من غزة أو شرم الشيخ والاحتفاظ بثلث مساحة صحراء سيناء بما يربط شرم الشيخ مباشرة بالكيان .


الهدف الرئيسي للكيان الصهيوني من وراء حروبه ليس التوسع في أراض جديدة فهو لا يملك الطاقة البشرية التي تستطيع إدارة واستيطان هذه الأراضي الشاسعة مثلا شبه جزيرة سيناء مساحتها أكثر من أربعة أضعاف فلسطين كاملة وقد ساعد الكيان على احتلالها بسهولة ضعف الكثافة السكانية وقلة عدد السكان الذين يشكل البدو غالبيتهم وإنما الهدف الرئيسي هو خلق واقع جديد يقبل على أساسه العرب فكرة وجود دولة يهودية وسطهم وأن تعيش هذه الدولة آمنة مطمئنة وتنشئ علاقات طبيعية مع الدول العربية تتطور هذه العلاقات حتى تتحول هذه الدولة من مجرد دولة عادية إلى قوة إقليمية وزعيمة للمنطقة بالكامل تخضع لها كل الدول العربية وهكذا تضمن درجة الأمان التي ترضاها كما أن الكيان الصهيوني كان يراقب التحركات الدولية عن كثب ويعرف أن هناك من يريد التدخل والوساطة لحل الأزمة والصراع فبادر الكيان بالتحرك حيث وجه وزير خارجيته مذكرة إلى يارينج يطلب فيها منه اكتشاف إمكانية عقد اتفاق مع مصر لإقامة سلام دائم وعادل وشرح له في مذكرته أسس هذا الاتفاق المنفرد مع مصر كما تتصوره حكومته وهي إقامة سلام دائم بين البلدين على قاعدة معاهدة سلام وضمان حدود آمنة ومعترف بها للبلدين على ألا تكون هذه الحدود هي خطوط 4 يونيو 1967 وضمان حرية الملاحة في الممرات المائية وعقد مؤتمر لممثلي دول المنطقة والدول التي تساهم في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة من أجل وضع خطة لحل مشكلة اللاجئين وإنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية ، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد استهوتها منذ ذلك التاريخ فكرة التوصل إلى حل منفرد بين مصر والكيان الصهيوني حيث عرض وزير الخارجية الأمريكي دين راسك على وزير الخارجية المصري محمود رياض في نيويورك 2 نوفمبر 1968 مشروعا من سبع نقاط على أساس انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المصرية بالكامل وإنهاء حالة الحرب بين البلدين وفتح قناة السويس للملاحة الإسرائيلية ووجود قوات دولية في شرم الشيخ وتحديد مستوى التسلح في المنطقة وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس كل لاجئ فلسطيني بطريقة سرية وبصفة شخصية عن رغبته في العودة أو ذهابه للاستقرار في أي بلد آخر لكن القاهرة رفضت المشروع لأنه أغفل الأطراف العربية الأخرى .

وطرح وزير الخارجية الأمريكي وليليام روجرز بعد شهور من توليه منصبه في 9 ديسمبر 1969 مبادرة عرفت باسمه تهدف إلى تحقيق اتفاق تعاقدي بين مصر والكيان الصهيوني يتم التوصل إليه تحت إشراف المبعوث الدولي السفير جونار يارينج ثم يعرض على مجلس الأمن للمصادقة عليه ويقوم على أساس الاتفاق بين مصر والكيان على جدول زمني لإتمام انسحاب القوات الإسرائيلية وإنهاء حالة الحرب بين البلدين والاتفاق على المناطق المنزوعة السلاح وعلى إجراءات حرية الملاحة في الممرات المائية وعلى مصير قطاع غزة وعلى حل عادل لمشكلة اللاجئين يرتبط بحل نهائي مع الأردن وتم رفض المبادرة لنفس السبب السابق حيث أنها تقتصر على حل مصري فردي ، فطرح روجرز مبادرة جديدة تضمنت ثلاثة بنود وهي وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر على الجبهة المصرية وإصدار بيان عن الكيان الصهيوني ومصر والأردن بقبول قرار 242 وخاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة وأن يتعهد الكيان الصهيوني بالتفاوض مع مصر والأردن تحت إشراف يارينج بمجرد سريان وقف إطلاق النار وبينما وافقت مصر على المبادرة في 23 يوليو 1969 وتبعتها الأردن أعلن الكيان الصهيوني رفضه لها وفي سبتمبر 1970 توفي عبدالناصر وحل محله أنور السادات وفي 8 فبراير 1971 أرسل يارينج مذكرتين إلى كل من مصر والكيان الصهيوني يطلب فيهما توقيع الطرفين اتفاق سلام أبدا الطرفين استعدادهما للتوقيع ، لكن بحلول سنة 1972 توقفت مساعي السلام وفي 6 أكتوبر 1973 شنت كل من مصر وسوريا هجوما عسكريا على الكيان الصهيوني وحققتا نجاحا كبيرا في الأسبوع الأول من الحرب وفي 16 أكتوبر نجحت الدبابات الإسرائيلية في عبور قناة السويس في منطقة الدفرسوار واستمرت في تقدمها جنوبا نحو مدينة السويس وفرضت حصاراً محكما على الجيش الثالث المصري وأمام هذه الانتكاسة العسكرية قرر السادات قبول وقف إطلاق النار.

بعث هنري كيسنجر إلى السادات عن طريق حافظ إسماعيل رسالة من جولدا مائير تبدي استعداد الكيان الصهيوني للدخول الفوري في مباحثات مع المصريين حول كيفية حل هذا الموقف الناجم عن حصار الجيش الإسرائيلي للجيش الثالث المصري وحصار الجيش الثاني المصري للجيش الإسرائيلي فوافق السادات على عقد اجتماع بين ممثلين عسكريين مصريين وإسرائيليين وعقد الاجتماع بالفعل في 11 نوفمبر عند الكيلومتر 101 على طريق القاهرة السويس وخطوة بخطوة وصل السادات إلى كامب ديفيد سيدة اتفاقيات السلام الموقعة مع الكيان الإسرائيلي والتي لم نصل إليها إلا بسبب الهزيمة سواء في العام 1967 أو 1973 حيث لم ينتصر الجيش المصري انتصارا ساحقا كما يتم تصوير ذلك في أفلام السينما المصرية بالإضافة إلى أن القيادة السياسية لم تكن تنوي النصر لتحرير الأرض وإنما لتحريك القضية من أجل التفاوض والسلام اللذان أديا إلى تطبيع العلاقات مع العدو الذي لم يكتف باغتصاب الأرض المحتلة فاغتصب كل شبر من أرض البلاد بمن عليها من بشر وكرست الاتفاقية للقوة الإسرائيلية بل وجعلت المقابل أمام نزول العلم الإسرائيلي من فوق الأراضي المصري المحتلة في شبه جزيرة سيناء هو رفع ذات العلم فوق القاهرة وهو ما مهد لتطبيع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني وكذلك لتطبيع كل الدول الافريقية التي كانت قد قطعت معظمها علاقاتها بالكيان الصهيوني ورفضت الاعتراف به وتطبيع معظم الدول العربية سواء في الخفاء أو العلن .

التطبيع في اتفاقيات السلام


بالتأكيد كانت اتفاقية كامب ديفيد أم اتفاقيات السلام بين العرب والكيان الصهيوني ولم تُخفِ بين طياتها الجانب التطبيعي الذي يريده الكيان الصهيوني أن يكون السمة الرئيسية في علاقته بأي من الدول العربية حيث نزعت الاتفاقية سيادة مصر من سيناء فأصبح من شروط سيادة مصر على شبه جزيرتها هو التزامها باتفاقية السلام وفي حالة تخلي مصر عن الاتفاقية والخروج منها يصبح من حق الكيان الصهيوني إعادة احتلال سيناء بحجة أن انسحابها كان مشروطا بالاعتراف بها والسلام والتطبيع معها وتنص المادة الأولى من الاتفاقية في فقرتها الثالثة على أنه عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية .


وتعتبر اتفاقية كامب ديفيد بمثابة سلاح صهيوني مشهر في وجه مصر تضغط من خلاله لمنع مصر من امتلاك أسباب القوة حتى لا تتكرر تجربة حرب أكتوبر 1973 فالاتفاقية تعطي الكيان الصهيوني الحق للتدخل في شؤون مصر الداخلية وتحديد كيف يتعامل النظام مع القوى السياسي المعادية للكيان داخل مصر وأن يستبعدها أو يصفها بالمحظورة لأنها من وجهة نظر الكيان تقوم بالتحريض ضده في أدبياتها السياسية وهو ما يخالف بندا من بنود الاتفاقية وهو ما ذكره آفي ديختر في محاضرة له حين أكد " سنعود إلى سيناء إذا حدث في مصر ما لا يرضينا " وبالطبع كل ما يحدث يرضي الكيان الصهيوني فالتيارات السياسية الإسلامية والعروبية القومي والوطنية مستبعدة تمامأ من الحياة السياسية ويمارس ضدها أبشع أساليب الاضطهاد السياسي كما أن كل أنواع القمع التي تمارس في البلاد تمارس أساسا بمحاية من واشنطن وتل أبيب اللتان ينظران إلى مسألة تحقيق القوة لمصر على أنها مسألة أمن قومي لكل منهما بل ومسألة مهددة لوجود الكيان الصهيوني ذاته وهذه هي الحقيقة وراء استماتة النظام المصري على الحكم والدعم الذي يتلقاه من الغرب وذنبه الكيان الصهيوني وهذا ما أكده آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك الأسبق خلال محاضرة له في العام 2008 في معهد الأمن القومي الإسرائيلي حيث قال أن نظام مبارك في مصر هو صنو الأمان لـ " إسرائيل " وأنه يجب أن يستمر " وقال أن من سيخلف مبارك يجب أن يكون واحدا من اثنان هما جمال مبارك أو عمر سليمان حيث يتمتع بثقة الإسرائيليين .

وأقامت مصر مع الكيان علاقات دبلوماسية طبيعية وفقا للاتفاقية بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التجارية وعلى رأسها اتفاقية الكويز سنة 2004 والتي تفتح الباب على مصراعيه لاختراق الاقتصاد المصري والصناعة المصرية ومن المفترض أن هذه الاتفاقية تهدف إلى إنشاء مناطق صناعية مؤهلة لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة حيث تتمتع منتجات هذه المناطق بميزة الدخول إلى السوق الأمريكي معفاة من الجمارك بشرط مساهمة كل طرف بمكونات محلية تقدر بـ 1107% على الأقل وهذه النسبة تمثل ثلث النسبة المقررة 35% التي حددتها اتفاقية التجارة بين أمريكا والكيان الصهيوني للمكون الإسرائيلي للدخول إلى السوق الأمريكية بإعفاء كامل حيث تتضمن الاتفاقية ذاتها السماح للكيان باقتسام هذه النسبة سواء مع مصر أو الأردن التي سبقت مصر في توقيع الاتفاقية سنة 1996 وتم البدء في مصر بثلاثة مناطق هي القاهرة الكبرى ومنطقة الإسكندرية وبرج العرب والعامرية ومنطقة المدينة الصناعية ببورسعيد لتتوغل بعد ذلك في الصعيد .


تعتبر الاتفاقية تطبيقا لتصورات شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني الحالي في كتابه " الشرق الأوسط الجديد " والذي تحدث فيه عن شرق أوسط تتكامل فيه الشعوب لتنشئ اقتصاديا متكاملا رؤوس أمواله خليجية والأيدي العاملة مصرية وعراقية وسورية والإدارة فيه للإسرائيليين .


ومسايرة للسياسة مع الاقتصاد تم تحويل الدولة المصرية إلى دولة رجال أعمال حيث أصبحت الحكومة نفسها عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال الذين يفكرون بالعقلية الرأسمالية البدائية الخالية من أي أخلاق حيث يعملون على تحقيق المبدأ الرأسمالي الأساسي وهو تحقيق أعلى ربح بأقل تكلفة بغض النظر عن أي اعتبارات قيمية وأخلاقية في غضون سنوات من تطبيق نظام الانفتاح الاقتصادي الذي طبقه السادات تم خلق طبقة اجتماعية حثالة الشعب الذين اشتغلوا بالنصب والأعمال الغير مشروعة وحققوا ثروات هائلة على حساب الطبقة الكادحة هذه الطبقة تمثلت في رجال الأعمال الذين لا يتوانون عن خدمة النظام الحاكم وخدمة الصهيونية العالمية لصالح تضخم ثرواتهم فقط وعلى رأس هؤلاء رجل الأعمال ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلش وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني والذي يصدر الحديد للكيان الصهيوني لبناء الجدال العازل بالضفة الغربية كما يساعد في بناء الجدار الفولاذي لإحكام الحصار على قطاع غزة والذي يشارك في بناءه الشركات التالية " شركة المقاولين العرب عثمان أحمد عثمان ، شركة أوراسكوم للمقاولات مجموعة شركات ساويرس مصر والتي تتبع رجل الأعمال أنسي ساويرس ناصف ساويرس، شركة عز الدخيلة لصاحبها أحمد عز ، الشركة العربية السويسرية الهندسية لتجارة الأسمنت ، شركة سيمكس أسمنت أسيوط ، شركة العبور للصناعات المعدنية وهذه الشركة تورد الصاج المضلع والمجلفن على البارد وهي ملك محمد ثابت شقيق حرم الرئيس مبارك ، ومقرها الرئيسي مصر الجديدة ميدان الإسماعيلية وهي تورد مواسير بولي اثيلين وبي في سي وتربطها شراكة مع بعض الشركات الصهيونية ، شركة كنعان الصهيونية ومقرها تل أبيب وهذه الشركة تورد المواسير الحديدية ذات الأقطار الكبيرة وكذلك تورد مواسير الفلاتر والرشح وهي صناعة إسرائيلية ، شركة حاويات مصر وهي بيوت جاهزة للمهندسين والعمال للإقامة بها ، شركة لمعي فهمي عبدالشهيد للتجارة والنقل بشبرا والتي تقوم بتأجير الأوناش الكبيرة الحجم الغير موجودة في القطاع العام وكذلك لديها أسطول ضخم في المعدات والأوناش الثقيلة وتورد الدربوكسات والسلك الواير وسيارات نقل الخرسانة وخلاطات الضغط ، شركة سيكا مصر للمواد العازلة وتورد ألواح العزل على البارد لعزل المياه الجوفية عن الجدار ، شركة الوفاء العالمية للمواد العازلة وهي المستورد الوحيد لمادة ( Knight punt ) وهذه المادة تخلط مع الأسمنت حتى يصبح الأسمنت كمادة فولاذ وغير قابل للتفجير أو الحفر وهي مادة شديدة الخطورة ، شركة أكرو مصر للشدات والسقالات المعدنية ، مصنع داي شين للعوازل الفوم ، شركة ماكدونالدز مصر لتوريد الوجبات الجاهزة لمهندسي الموقع ، مياه أكوافينا المعدنية تتبع شركة بيبسي العالمية "
هذا وتحولت كل سياسات القاهرة عن دعم الشعب المصري أو الفلسطيني إلى دعم الاحتلال الصهيوني حيث يصل الغاز الطبيعي إلى المستعمرين الصهاينة بأسعار مدعمة بينا لا يجده المواطن الفلسطيني في قطاع غزة أو حتى المواطن المصري في الأحياء الفقيرة من القاهرة.


شجعت خطوات القاهرة الجريئة في قهر شعبها لحساب الصهيونية العالمية والتطبيع مع الكيان الصهيوني أنظمة عربية أخرى للتطبيع كالأردن التي سارت على الدرب وكانت منذ تأسيسها ثم موريتانيا ومعظم الدول العربية في الخفاء والعلن ، فسارت منظمة التحرير الفلسطينية على نفس الدرب فوقعت الاتفاقية تلو الاتفاقية ومن مدريد إلى أوسلو مرورا بكامب ديفيد الثانية وليس انتهاء بمؤتمر أنابوليس كل مساعي السلام فشلت ومازال عباس مصرا على السلام ومازالت السلطة الفلسطينية مصرة على السلام ؛ التشبث بالسلام هو الخوف والقناعة بالعجز التي فهمها هكذا الرئيس المصري الراحل حيث أننا لا قبل لنا بأمريكا التي تمتلك 99% من أوراق اللعبة وبالتالي فعلينا بالسلام وفي سبيل ذلك تساق مبررات لا أساس لها من الصحة من أننا في اتجاهنا إلى النمو وعصر النهضة والحقيقة هي أننا نتجه إلى الفناء في الذات الصهيونية التي عبدناها وسجدنا لها في منتهى الطاعة والخشوع طالبين الرضا لمن لن يرضى .


اشترطت جميع معاهدات واتفاقات السلام بين أي من الأطراف العربية والكيان الصهيوني "التطبيع " وجيشت الأنظمة المطبعة وسائل إعلامها للترويج لفكرة " السلام " حتى أن المواطن المصري على سبيل المثال الذي كان يعيش بكرامته في الداخل والخارج وكانت أوضاعه المعيشية على وجه أفضل بكثير من الآن وقت الحروب صار يردد كلمات مثل " عصر السلام ، الحمد لله زمن الحروب انتهى ، الحرب شئ قاسي وصعب ولا يمكن تحمله ، النظام على حق واحنا مالنا " صارت عبارات كثيرة تتردد بين الناس تشجع النظام المطبع على سياسته حتى أن هناك بعض من يخالفون النظام فيما يتعلق بأشياء مثل لقمة العيش والأوضاع المعيشية يتفقون معه في سياساته ضد الفلسطينيين وحصار غزة للدرجة التي عبر فيها بعض العامة المجوفة عقولهم عن أن الجزائر بسبب مباراة لكرة القدم يمكن أن تشن على مصر حربا بينما الكيان الصهيوني لن يفعل لأنه موقع مع مصر على اتفاقية سلام ويبدو أن 30 سنة بعد توقيع كامب ديفيد أثرت في عقلية المواطن العربي البسيط وحتى في النخبة التي صار بعضها يروج من تلقاء نفسه ودون أي ضغوط من أحد لفكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني حيث أنه دولة عضو في الأمم المتحدة وواقع لا يمكن تجنبه أو تخطيه وتدريجيا يتحول المدافع عن حقوق الأمة العربية والإسلامية إلى مجرد صوت يبحث عن صداه وسط صراخ السوقة والدهماء .





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات