القائمة الرئيسية

الصفحات

تفاهمات الكبار.. تناحر الأفيال فوق بيوت النمل

 

لطالما تناحرت الأفيال فوق بيوت النمل، دون أن يدري أي فيل منهم بما يحدث تحت أقدامه من دمار شامل لشعوب النمل ومدنها وحصونها الواهنة، فلا يعني الفيل سوى الفيل الذي يصارعه فمنه الخطر ومنه المأمن، أما معشر النمل فيكفيهم مرور صراع الأفيال على بيوتهم حتى تتحطم تحت أقدام الأفيال.

هذا تمامًا ما يحدث بين الدول الكبرى، عندما تتناحر فوق بيوت نظيراتها الصغيرة، فلا يعنيها سوى تأمين مصالحها، حتى لو كان الثمن تحطيم بيوت النمل.

مجموعة الثمانية أو مجموعة الدول الصناعية الثمانية، كانت منتدى سياسيًا حكوميًا بين عامي 1997 و2014، تضم الدول التالية: "الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، فرنسا، كندا"، وأخيرًا روسيا، التي كانت السبب في تكوين المجموعة بعد انضمامها لمجموعة السبع الكبار، وعادت المجموعة إلى سابق عهدها بعد تعليق عضوية روسيا العام 2014، كجزء من العقوبات الغربية على تحركات روسيا تجاه أوكرانيا، وضمها لشبه جزيرة القرم، وغير ذلك من سياسات يراها الغرب معادية لمصالحه.


في المقال التالي سلطتُ بعض الضوء على قمة الثماني الكبار العام 2005، والقضايا التي تناولتها قمة الأفيال المتناحرة فوق بيوت النمل.





 قمة الثماني الكبار .. صراع الأفيال فوق بيوت النمل !

 عبدالعظيم الأنصاري / مصر العربية
 Thursday 7 July 2005 الساعة 7 PM






توافد قادة الدول الثماني الكبار على جلين إيجلز باسكتلندا، حيث تنعقد قمتهم التي دائماً ما تشمل العديد من قضايا الأرض ويخطط فيها زعماء الدول الكبار لما يرونه يصب في مصلحتهم من استخدام الطاقة على الوجه الأمثل واستنزاف موارد الدول النامية لضمان استمرار عملية الإنتاج والاستهلاك اللانهائية التي يقوم عليها اقتصاد وثقافة ومدنية هذه الدول، كما يتم البحث في ملف الشرق الأوسط الكبير والقضية الفلسطينية والحرب على العراق وتحديد ما يراد لهذه البلاد من تقسيم أو إعادة تقسيم والنزاع فيما بينهم على السيادة على هذه المنطقة الهامة من العالم.

عصام شرف رئيس الوزراء المصري بعد ثورة يناير المجيدة يحاول عبثًا شرح الأوضاع في مصر للرئيس الأمريكي باراك أوباما


وعلى الرغم من خلافاتهم، جلس القادة على طاولة واحدة .. لكن الاتفاق سيكون متعثراً نوعاً ما فالخلافات متعددة ومتشعبة وتتمثل أبرز الملفات التي تواجه قمة الثماني فيما يلي :-

أولاً: قضية الاحتباس الحراري والتوقيع على معاهدة كيوتو:


بوتين أثناء محاولته عبثًا التقرّب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش

رغم ما يؤكده الكثيرين من ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الاحتباس الحراري الذي تسببه غازات ضارة يستخدمها الإنسان إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت التوقيع على بروتوكول كيوتو تشكك في صحة ذلك، حيث يقول بوش أنه لن يتنازل عن موقف بلاده إزاء معاهدة كيوتو لأنها لم تكن صالحة للولايات المتحدة ولم تكن صالحة للعالم، كما يؤكد الرئيس الأمريكي أن كيوتو ستضر بالاقتصاد الأمريكي إضافة إلى أنها لا تشمل دولاً نامية مثل الصين التي تعتبر ثاني منتج للغازات الملوثة.

الوداع في آخر قمة للثماني الكبار

ويدعي بوش أنه لم يثبت علمياً زيادة حرارة الأرض بسبب الغازات الملوثة رغم إقراره بأن النشاط البشري ساهم في تغير مناخ الأرض.
بينما ترى الدول السبع الأخرى وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا واليابان وكندا ضرورة التوقيع على بروتوكول كيوتو حيث أنها ترى أن الاستمرار في صناعة هذه الغازات سيتسبب في كارثة بيئية كبرى ولو بعد حين.

ثانياً: أفريقيا:

صورة للقادة من قمة الثماني لعام 2011


رغم الاتفاق التام بين الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا فيما يتعلق بالحرب في العراق إلا أن الخلاف يحتدم عند أفريقيا والذي يرى مراقبون أنه يتعلق بالسياسات الداخلية لحكومة بلير في بريطانيا والخاصة بتراجع شعبيته.

حيث يريد بلير مضاعفة المساعدات المالية لأفريقيا لتصل إلى 50 مليار دولار مع حلول عام 2010 مع تخصيص 0.7 % من الناتج المحلي الخام سنوياً لمساعدة القارة السمراء في حين يرى بوش أن 9مليارات دولار كافية جداً لحل مشاكل القارة الهالكة.

جانب من احتجاجات النمل المعتادة

يذكر أن هذه الدول الكبار امتصت ثروة القارة السمراء لمئات السنين من الاحتلال والهيمنة منذ القرن السابع عشر وحتى الآن فرغم خروج قوات الاحتلال العسكرية من القارة إلا أنه وعلى سبيل المثال فإن غرب أفريقيا مازال يخص فرنسا في المقام الأول فقد استطاع الكبار السيطرة على موارد القارة في عملية استنزاف مستمرة عن طريق دفع عجلة الحروب إلى الأمام لتستمر النزاعات العرقية والقبلية والدينية ....الخ وعمليات تهريب الماس وسطوة الشركات الكبرى الأجنبية على دول أفريقية بكاملها كما أن المساعدات المالية التي تمنحها الدول الغنية لأفريقيا لا ينتفع بها سوى الطبقة الحاكمة التي تستأثر بكل شئ لنفسها...........الخ.

ثالثاً: ملف الشرق الأوسط

والذي يضم العراق التي كانت سبباً في انقسام الكبار كما توجد على طاولة القمة طروحات لمستقبل العراق في ظل المقاومة الشرسة التي تواجهها القوات العسكرية هناك والقضية الفلسطينية خصوصاً بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بالإضافة إلى سوريا ولبنان وبسط هيمنة الديمقراطية على النظم السياسية في المنطقة وإجراء التعديلات اللازمة للإصلاح الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية.

رابعاً: وضع الاقتصاد العالمي

والذي اتسم بصعود قوى اقتصادية نامية وتأثيرها المتزايد على الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند والجهود المبذولة لتقليل الحواجز أمام التجارة العالمية .. .الخ.


لا بأس من التنزه بعد كل معركة

خامساً: الخلاف الفرنسي البريطاني

وقد ألقى بظلاله على القمة فبينما يرى شيراك أن بلير يقف حجرة عثرة في طريق الوحدة الأوروبية التي قامت على أكتاف فرنسا وألمانيا، حيث أن بريطانيا التي يفصلها بحر المانش عن أوروبا يبدو أنها أقرب لواشنطن عنها لعواصم أوروبا تمثل حصان طروادة الذي تدخل به واشنطن البيت الأوروبي العتيق فهي تريد أوروبا جديدة تستند على الاقتصاد الرأسمالي الحر بغض النظر عن الاتحاد ويبدو أن بريطانيا كانت أداة الولايات المتحدة في تحطيم الوحدة الأوروبية المنشودة فقد أعاقت بريطانيا إقرار ميزانية الاتحاد ورفضت طلب شيراك زيادة المساهمة البريطانية في الميزانية الأوروبية وقد أبرز شيراك حنقه الشديد مما يجرى في مطبخ السياسة البريطاني قبل وصوله اسكتلندا.

وجاء فوز لندن باستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2012 بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير فهي لم تفز بالأولمبياد فقط وإنما برئاسة الاتحاد الأوروبي لهذه الدورة وعلى الجانب الآخر فإن باريس أصيبت بخيبة أمل كبيرة عند فوز لندن باستضافة الألعاب الأولمبية، كما أصيب شيراك بنفس خيبة الأمل عند تصويت الفرنسيين بـ (لا) للدستور الأوروبي لكن لندن لم تهنأ كثيرا بنشوة الفوز بالأولمبياد حيث وقعت سلسلة انفجارات في عدد من محطات مترو الأنفاق كما وقعت انفجارات في حافلات لنقل الركاب بشوارع العاصمة الإنجليزية.

وهكذا فإن قمة الكبار ما هي إلا تناحر بين ثمانية أفيال فوق بيوت النمل يتنازعون ويتصالحون دون أن يعنيهم جوع أطفال أفريقيا أو انتشار الإيدز أو حتى هلاك الأرض بمن فيها.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشرت المادة في جريدة مصر العربية الإلكترونية - الخميس 07 يوليو 2005





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات