القائمة الرئيسية

الصفحات

غزو العراق.. الخطيئة الأمريكية غير المعترف بها بعد 20 عامًا

عبدالعظيم الأنصاري

قبل 20 عامًا أعلن الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش، الحرب على العراق، بهدف نزع أسلحة الدمار الشامل، والدفاع عن العالم من خطر جسيم، وشن حربًا خارج إطار الشرعية الدولية التي أُقرّت بعد الحرب العالمية الثانية بناءً على معلومات كاذبة، وهو ما أقرّ به جون بريسكوت، نائب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.


أيدت غالبية الأمريكيين الحرب لإنهاء نظام صدام حسين، وبعد 20 عامًا ظهر الكثير من الأمريكيين

والذين كانوا جزءًا من عملية اتخاذ القرار حينها ليُقرّوا بذنبهم، ويعترفوا بخطيئة الغزو، بينما ظل

البعض متمسكين بأن الغزو كان محاولة أمريكية لتحرير العراق من الاستبداد.


ففي مقال له بدورية Commentary الأمريكية، دافع إيلي ليك، عن غزو العراق، مستنكرًا بعض

الأصوات الأمريكية التي ظهرت مؤخرًا، وتحدثت عن الخدعة التي تعرضوا لها أو الخطيئة التي ارتكبوها. 

بعد فترة وجيزة من الانتصار على جيش عراقي فقير وخائن، بدأ كل شيء في الانهيار، ولم يُعثر على أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي أبلغ كولن باول مجلس الأمن الدولي أن صدّام كان يخفيها.

لم يكن الجيش الأمريكي مستعدًا لإدارة بلد بحجم العراق، لتحدث فوضى مريعة أطلقت عليها

كونداليزا رايس فيما بعد "الفوضى الخلاقة"، وقام بول بريمير الحاكم الأمريكي بحل الجيش

العراق الذي وفّر مصدرًا وفيرًا للمقاومة من الرجال والسلاح، نجح بوش حينها في إنهاء عملية

الغزو بأقل من 200 مليار دولار، وبعد 20 عامًا تخطت التكلفة 2 تريليون دولار.


كانت العراق جعبة ضخمة للفضائح الأمريكية المتوالية، ويكفي فضيحة سجن أبوغريب

أن تقف شاهدة على همجية الأمريكيين الذين لم يترددوا في التعاون مع البلطجية والمجرمين

بعد سقوط نظام صدام.

كان جون ماكين العضو الجمهوري البارز، ومرشح الرئاسة الأمريكي السابق، من أشد المدافعين عن غزو العراق لسنوات، لكنه كان من أحد التائبين المعترفين بخطيئة الغزو، إذ اعترف في مذكراته التي نُشرت في نفس العام الذي مات فيه 2018، قائلًا: "لا يُمكن الحكم على الحرب بتكلفتها في الأرواح والثروة والأمن، على أنها أي شيء سوى خطأ، إنه خطأ خطير للغاية، وأنا يجب أن أقبل نصيبي من اللوم على ذلك".

حاول إيلي ليك في مقاله المذكور الرد على جون ماكين، والتأكيد أن العراق الآن أفضل مما كان عليه

قبل 20 عامًا، مدللًا على ذلك بأرقام الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع مشتركي الهواتف المحمولة،

وهي في الواقع أرقام غير كاشفة لحقيقة ما عاشه ويعيشه العراق بسبب ما لحق به من دمار على

يد القوات الأمريكية.

يدّعي "إيلي" في مقاله أن الأكراد الآن يعيشون حالة من الأمن غير مسبوقة رغم اعترافه بالتنافس القائم على الفساد بين عائلتي طالباني وبارزاني، ورغم معاناة الحروب التي لا تلبث أن تهدأ حتى تبدأ من جديد بين "داعش" و"القاعدة" والفصائل الكردية المتناحرة نفسها، والتدخلات التركية في الشمال، والتدخلات الإيرانية واسعة النطاق.

يتغافل "إيلي" النفوذ الإيراني الفج والصريح داخل العراق، ويدّعي أن العراق يعيش أزهى عصور

الديمقراطية بسبب أن الانتخابات غير معروفة النتيجة مسبقًا كما كان الحال زمن "صدام"، ونسي

أن العشرين عامًا العجاف الماضية كانت متخمة بالصراعات السياسية المسلحة وغير المسلحة بين

القوتين الأمريكية والإيرانية، فكما سيطرت إيران بنفوذها على عدد من الحكومات العراقية المتعاقبة،

سيطرت كذلك الولايات المتحدة الأمريكية.


أشاد "إيلي" برئيس الوزراء العراقي الجديد محمد السوداني، وبأنه ليس مخلب لإيران، رغم اختياره

من قبل ائتلاف سياسي شيعي له علاقة تاريخية بالجمهورية الإسلامية، في حين تغافل عن أنه

رجل واشنطن الجديد الذي رفض حتى اللحظة طرد ألفي جندي أمريكي يتمركزون حاليًا في بغداد.


وادعى أن ربط شبكة الكهرباء العراقية بالسعودية من شأنه أن يجعله أقل اعتمادًا على إيران في

مجال الطاقة، في حين أنه نسي، وما الأمر في الحقيقة سوى جزء من العلاقات الأمريكية - الإيرانية

المتأرجحة بين التفاهم والتنافس، تحت مظلة الصراع.


ولم يستطع "إيلي" إخفاء الحقيقة، فاعترف بضخامة حجم الفساد الذي يُعاني منه العراق، بل وأقرّ

بأن هذا الفساد أحد الموروثات السلبية للتدخل الأمريكي، لافتًا إلى أن الاحتياطي الفيدرالي

منذ 2003 يُصدّر ما بين مليار إلى ملياري دولار شهريًا إلى العراق للمساعدة في دفع رواتب

الموظفين وتوفير أموال لاتفاقيات التجارة الخارجية، ما أوجد طبعة من المليارديرات الذين يؤمنون

قروضًا للواردات التي لا يتم شحنها مطلقًا، وهو نفس الفساد الذي عانت منه أفغانستان تحت

الاحتلال الأمريكي، والذي أدى إلى هروب جميع أفراد الجيش الأفغاني والحكومة الأفغانية أمام

مقاتلي حركة طالبان في أشهر معدودات.


ويتعدى الأمر إلى دفاع "إيلي" عن وجود ميليشيات عسكرية مدعومة من إيران تتغلغل في منظومة

الجيش العراقي، متذرعًا بأنه الخيار الوحيد لمواجهة "داعش"، وأخواتها من التنظيمات الإرهابية.


في النهاية يسأل "إيلي" سؤالًا مهمًا هل كانت أدت الحرب فعلًا إلى حرية العراق، كما كانت تقول

الدعاية الأمريكية عند عملية الغزو ؟ وأجاب قائلًا: "إذا قارنت حياة العراقيين بحياة البلجيكيين أو

الأمريكيين اليوم، فإن العراقيين ليسوا أحرارًا، لكن هذا يرجع بالدرجة الأولى إلى وجود الميليشيات

الطائفية - التي أوجدتها أمريكا - وحقيقة الفساد المروّع - الذي غذته أمريكا بأموالها أيضًا.


الآن يُمكننا أن نفهم وجهة نظر من يُدافعون حتى الآن عن غزو العراق من الأمريكيين، إذ لم

تكفهم 20 عامًا، ولن تكفيهم 200 عام أخرى، ليصلوا بالعراقيين أو غيرهم إلى ما يتمتع به

البلجيكيون أو الأمريكيون من حرية… فلا خطيئة بلا اعتراف.

______________________

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 02 مارس 2023






author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات