القائمة الرئيسية

الصفحات

من أسرار الهزيمة الأمريكية في أفغانستان

 


عبدالعظيم الأنصاري


تعددت أسرار الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، والتي تنبأتُ بها قبل 20 عامًا، وفيما يلي تحليل استراتيجي عن التحديات التي واجهت القوات الأمريكية في أفغانستان العام 2010، لنلقي نظرة على بعض أسرار الهزيمة الأمريكية.


المأزق الأمريكي من هلمند إلى قندهار


عبدالعظيم الأنصاري - 16/03/2010

من هلمند إلى قندهار يسير جنود المارينز على طريق وعر بين جبال أفغانستان يمتلئ بالجثث، والدماء، أعلن الجيش الأمريكي أن الخطوة التالية بعد عملية مرجه في ولاية هلمند ستكون في قندهار المعقل الرئيسي لحركة طالبان في البلاد فبادرت الحركة بالهجوم منذرةً قوات الاحتلال حيث وقع ما يقرب من اثني عشر هجومًا منسقًا أكدت على قوة الحركة في الولاية قدرتها على استنزاف القوات العسكرية الهجومية القادمة إليها، حيث قالت طالبان في بيان لها إن هذه الهجمات ما هي إلا رسالة إلى قادة حلف شمال الأطلنطي الذي يخططون لعملية كبيرة هناك، وأنها ألحقت خسائر فادحة بأعداء المجاهدين بينما استنجدت سلطات الولاية بحكومة كابول لدعمها بالمزيد من القوات الإضافية قبل وصول قوات الأطلنطي إلى الولاية التي تعاني تدهورَ الوضع الأمني.


فيما يبدو أن واشنطن مصممةٌ على استمرار الحرب في أفغانستان، والقضاء على حركة طالبان، وتنظيم القاعدة بشكل نهائي فقد رفض مجلس النواب بأغلبية ساحقة مشروع قرار يطالب أوباما بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان حيث وافق 65 نائبًا معظمهم ديمقراطيون على مشروع القرار الذي أعده دنيس كوسينيتش عضو مجلس النواب الديمقراطي الليبرالي بينما رفضه 356 عضوًا، وكانت هذه أول معارضة تشريعية من جانب الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس للمشاركة الأمريكية في الحرب منذ أن أمر أوباما بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، ذلك في الوقت الذي عقد فيه أوباما اجتماعًا مع كبار مسئولي إدارته تناول الوضع في أفغانستان، وباكستان استعدادًا لاستكمال تطبيق إستراتيجيته في الحرب، والتي أعلنها نهاية العام الماضي، والتي من المفترض أن تنجز مهامها مع حلول العام 2012 حيث يتم التجهيز لهجوم موسع على قندهار، بينما لم تنته عمليات ما يسمى بالتطهير في مدينة مرجه الصغيرة بولاية هلمند، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن القوات الأمريكية أوشكت أن تنهي مرحلة التطهير لتتجه سريعًا إلى مرحلة تعزيز مواقعها مع إرساء المؤسسات الأفغانية، ويتم في هذه الأثناء بحث زيادة القوات من 121 ألف جندي إلى 150 ألف جندي أمريكي بحلول أغسطس القادم لتعزيز القوات الأمريكية.


تأتي التجهيزات الأمريكية لهجوم قندهار بينما الوضع لم يستتب تمامًا في مدينة مرجه، وفي ولاية هلمند بوجه عام، فولاية هلمند ممتدة من الحدود الباكستانية الأفغانية نحو الشمال حتى "باجران" في أقصى شمال الولاية، والتي تستولي عليها طالبان بالكامل، وإلى الجنوب من "باجران" توجد مدينة "موسى قلعة" التي سيطرت عليها القوات الأمريكية في العام 2007 وإلى الجنوب من "موسى قلعة" تسيطر طالبان على عدة مناطق جبلية متناثرة تنتشر من جنوبي "موسى قلعة" إلى جنوبها الغربي وصولا إلى "مرجه" التي انتهت فيها العمليات العسكرية الكبيرة لقوات الاحتلال للتو، ولم يتم التأكد من السيطرة عليها بشكل نهائي، فإلى الجنوب الغربي، وبمحازاة ضفاف نهر هلمند نجد أن طالبان تسيطر على كل هذه المنطقة، وحتى حدود ولاية هلمند الغربية مع ولاية نيمروز الخاضعة للحكومة الأفغانية، والمحاذية للحدود الإيرانية في الغرب، ويقطع نفوذ طالبان الممتد من "مرجه" وحتى "دشو" إلى الغرب قاعدة مارينز أمريكية في بلدة "خانشين"، بينما تنتشر عناصر طالبان إلى الجنوب من قاعدة "خانشين" ويسيطرون على منطقة "جارمسير" سيطرة شبه كاملة، وتقع جنوب شرق هلمند بالإضافة إلى مدينة "دشو"، وحتى الحدود الباكستانية عند مدينة "بهرام شاه" التي يتحصن فيها عدد كبير من طالبان، وتعتبر من أهم المواقع التي يعبر من خلالها كافة أشكال الدعم من باكستان إلى المقاومة الأفغانية، وإلى الجنوب من هذه المنطقة الحدودية تقع داخل الأراضي الباكستانية قاعدة "دالباندين" الجوية الأمريكية، والتي تتوجه منها العديد من الضربات الجوية للمنطقة الحدودية الباكستانية الأفغانية كما تساعد قاعدة "خانشين" بالإضافة إلى "خانشين" توجد قاعدة جوية بريطانية شرقي هلمند في قندهار والتي يتمركز فيها أكبر عدد من مقاتلي حركة طالبان، ويتحصنون في جبالها، ويبدو الإعلان الأمريكي عن التقدم نحو قندهار يأتي لطي صفحة هلمند، وهو ما يخالف الواقع فقد اختصر الأمريكيون ولاية هلمند في مرجه وموسى قلعة في حين أنهما مدينتان صغيرتان بالمقارنة بمساحة الولاية، والتي يسيطر فيها طالبان على عدة مدن، وقرى وينتشرون في أمكان واسعة بين، وفوق جبالها حيث تبلغ مساحتها حوالي 60.000 كيلو متر مربع يقطنها 750.000 من السكان وتنتشر فيها زراعة المخدرات بشكل واسع جدًّا حيث تنتج النسبة الأكبر من المخدرات بين الولايات الأفغانية كافة، والتي لا يبدو أن الأمريكيين يمتلكون القدرة على التصدي لها.

تتفاقم أزمة الجيش الأمريكي عند قرية "ديلارام" النائية في ولاية نيمروز المحاذية لإيران حيث يرى قادة قوات المارينز أن الصحراء القاحلة حول هذه القرية ذات أهمية في حربهم حيث يحاولون تعزيز وجودهم العسكري في قواعد ضخمة على أطراف القرية التي سيقام عليها تبعًا لما أوردته صحيفة (الشرق الأوسط) مهبطان للطائرات، ومستشفى عسكري متقدم، ومكتب بريد، ومتجر ضخم، وعدد من المنازل، وبحلول الصيف سيتمركز هناك أكثر من 3000 جندي من المارينز من الجنود الإضافيين الذين سيأتون ضمن إستراتيجية أوباما، وقد أقام المارينز هناك مدرسةً، وسعوا إلى التقرب من السكان المحليين، وهذا ما يتنافى مع الإستراتيجية العامة للجيش الأمريكي فيما يبدو انقسامًا داخل الجيش الأمريكي حيث يرى مسئول بالإدارة الأمريكية أن البنتاجون لديه تنسيق أفضل في العمليات مع الحلفاء في الناتو من التنسيق مع قوات المارينز التي تعمل باستقلالية قد تشكل خطرًا فيما بعد، وأعرب بعض القادة خارج المارينز عن رغبتهم نشر عدد كبير من جنود المارينز الذين سيصلون إلى أفغانستان في الصيف حول مدينة قندهار للمساعدة على إحكام السيطرة عليها، وإبعادها عن قبضة طالبان عوضًا عن التمركز في إقليم هلمند المجاور، وبعض المناطق في الغرب، ويشير محللون في مجلس الأمن القومي إلى أن 1% من السكان الأفغان يعيشون في مناطق عمليات المارينز، وتساءلوا عن جدوى العملية الضخمة في مرجه المدينة الزراعية الفقيرة وسط هلمند، وعما كانت تمثل الاستغلال الأمثل لموارد المارينز، وعلى الرغم من انخفاض حجم القتلى بين صفوفها، وإسهام ذلك في إحداث حالة من الزخم للعملية التي تقودها واشنطن فإن المهمة ستظل مرتبطة بكتيبتين من الماينز حتى الصيف المقبل لحين ذوبان الجليد للسماح للقوات بالتحرك، وتبدو العمليات العسكرية للناتو في هلمند أقرب إلى الحركات البهلوانية التي لا طائل منها سوى الاستعراض فهناك العديد من المسئولين بالإدارة الأمريكية يتساءلون ما الذي نفعله في هلمند، ولماذا لا يتوجه الـ20.000 جندي من الماينز إلى قندهار حيث إنها المدينة الرئيسية للملا عمر فإذا أردت تضييق الخناق على الملا فيجب عليك أن تحقق تقدمًا في قندهار، وإذا ما أردت أن تقول لطالبان إنه لا سبيل لعودتهم فيجب أن تحقق تقدمًا في قندهار، وليس في أي مكان آخر.. يبدو الخوف سمة التحرك العسكري الأمريكي فكما كان قرار أوباما صعبًا بإستراتيجيته الجديدة بأن تطبيقها أصعب عليه، وعلى الإمبراطورية الأمريكية التي ترى نهايتها الوشيكة أمام جبال قندهار.


بعض مسؤولو حركة طالبان بعد طرد القوات الأمريكية من البلاد

لعملية قندهار وجه آخر.. فكما أنها المعقل الرئيسي لطالبان فإنها تكتسب أهمية اقتصادية كبيرة حيث يمر من خلالها خط لأنابيب النفط إلى باكستان، والتي يمتد منها ثلاثة أفرع لهذا الخط، والذي يبدأ من دول آسيا الوسطى فيخرج من تركمانستان إلى هيرات، وقندهار بأفغانستان ثم مولتان، وعندها يخرج فرع إلى نيودلهي، وفرع إلى ميناء كراتشي، وآخر إلى إيران حيث سواحل الخليج العربي، ويأتي النفط هنا كإحدى المصالح المشتركة بين واشنطن، وطهران والتي تلتقي في كابول فرغم أن كل منهما يعلن كراهيته للآخر، وهذا صحيح تمام إلا أنها اضطرا للتواجد في بلد واحد إنهما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ووزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس لم يكن هذا ليحدث أبدًا بين رئيس دولة ووزير دفاع أخرى تطلق التهديدات العسكرية تجاهها إلا إذا أجبرتهما المصلحة على ذلك لا أحد يعلم عن زيارة نجاد وجيتس إلى أفغانستان إلا أنهما ظلا يتراشقان بالتصريحات النارية التي تحولت إلى عادة لها احترامها في العلاقة بين واشنطن، وطهران سواء تعلق الأمر بالملف النووي، أو حزب، الله، أو قطاع غزة، أو العراق، وأفغانستان، أو النفط.. وبين الاتهامات الأمريكية لإيران بدعم مقاتلين ضد القوات الأجنبية في أفغانستان، وتهديداتها بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية تسير إيران بتوازن بين الحبلين الأمريكيين في أفغانستان.


بعض مقاتلي حركة طالبان في زي القوات الأمريكية بعد أن استولوا عليه كـ «غنيمة» 2021

وعلى الجانب الآخر تستمر الحرب في باكستان على طالبان هناك حيث أغارت مقاتلات باكستانية على عدد مما تعتقد أنها مخابئ للحركة قرب الحدود مع أفغانستان في إقليم وزيرستان الذي لم يكتف بعد من الضربات التي تلقاها، ويتلقاها على يد القوات الباكستانية، أو الأمريكية على السواء حيث اشتعلت المواجهات من جديد بعد سلسلة من الهجمات لمقاتلي طالبان.


على مدار ثماني سنوات من القتال اتسعت ساحة القتال بدلاً من أن تضيق فشملت باكستان الدولة الكبيرة في أقل وصف لها مساحة، وسكانًا، ومكانةً إقليميةً رغم كل شيء فانهيار باكستان يعني فوضى عارمة تجتاح جنوب آسيا بالكامل لن يستطيع الجيش الأمريكي السيطرة عليها مهما بذل في سبيل ذلك كما أن الجيش الذي فشل، وهو مدعوم بأكبر تحالف عسكري في التاريخ في القضاء على طالبان في أفغانستان لن يستطيع الوقوف التصدي لطالبانات جنوب آسيا بداية من باكستان، وليس نهاية ببنجلاديش.. هنا يبدو المأزق الأمريكي أكبر بمراحل من المأزق السوفيتي في أفغانستان.



author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات