القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

لعقود طويلة يتحوّل أي صراع دولي إلى نقطة اشتباك داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بين السياسيين والمُنظرين الأمريكيين أنفسهم حول مدى جدوى أو فاعلية المواقف الأمريكية من تلك الصراعات، وكان لليساريين الأمريكيين مواقف واضحة ضد الحروب على مر تاريخهم، لكن مع اندلاع الحرب الأوكرانية وبعد أكثر من عام على القتال والمساعدات الأمريكية لأوكرانيا، يُعيد بعض اليساريين النظر في المساعدات الأمريكية العسكرية المتدفقة على أوكرانيا.


سبق لليساريين أن معارضة الدخول في الحرب العالمية الأولى، وخلص ذلك نوعًا من الغضب ضدهم، لكن سرعان ما اكتسبوا تقدير الأمريكيين بعدما علموا أن القوات الأمريكية لم تجعل العالم آمنًا للديمقراطية بعد كل شيء، كما أثبت اليساريون بصيرتهم مرة أخرى في أواخر الثلاثينيات عندما احتشدوا للدفاع عن الجمهورية الإسبانية ضد جيش اليمين وحلفائه الفاشيين إيطاليا وألمانيا، وشجعت هزيمة الجمهورية أدولف هتلر على شن الحرب العالمية الثانية، وعندما دعم اليساريون الأمريكيون بعد 20 عامًا سحق الاتحاد السوفيتي للثورة المجرية العام 1956، دفعوا حزبهم بقوة إلى هوامش الحياة السياسية، ما فتح المجال لظهور يسار جديد يرفض المعتدين الإمبرياليين.



يقول الكاتب الأمريكي مايكل كازين، في مقال له بمجلة Dissent أي "المعارضة" إن الحرب في أوكرانيا يُمكن أن تتحول إلى حدث حاسم آخر من هذا القبيل.


تقوم وجهة النظر الأمريكية الرسمية على أن فلاديمير بوتين الحاكم الاستبدادي لأمة ضخمة، والذي يقود واحدًا من أكبر جيوش العالم، يسعى إلى إخضاع جاره الصغير، وفي سبيل هذا الغرض الشرير ارتكب جرائم لا تحصى من قتل وتعذيب وتدمير كامل للبنية التحتية الأوكرانية، لكن بفضل المساعدات الأمريكية نجح الأوكرانيون حتى الآن في مقاومة الروس، والوصول بالصراع إلى طريق مسدود.



في المُقابل اعتنق عدد كبير من اليساريين الأمريكيين وجهة نظر أخرى، إذ رأوا أن الجاني ليس بوتين وليست القوة الروسية الغاشمة، ولكنه توسّع حلف الـ "ناتو" بعد الحرب الباردة، الذي يغذيه دافع الولايات المتحدة ورأس المال، ولجعل العالم تحت طوع واشنطن، يعتقد المؤلف والصحافي كريس هيدجز أن الحرب في أوكرانيا "لا تحمل أي معنى جيوسياسي لكنها مفيدة لعالم الأعمال"، فيما يدين حزب الخضر الأمريكي ما أسماه "عقلية الحرب الدائمة" لـ"مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية"، ويخلص إلى أنه "لا يوجد أخيار في هذه الأزمة".

يُهاجم مايكل كازين تلك النظرة، مدافعًا عن الموقف الأمريكي، بأن كل دولة انضمت إلى الـ"ناتو" فعلت ذلك عن طيب خاطر، وأنها كلها دول ديمقراطية، ويتهم هؤلاء اليساريين بأنهم غافلون عن أنهم بهذه المواقف المتناقضة يتعاونون مع بعض من أفظع وأبرز أنصار اليمين الترامبي.



بالفعل تتحالف شريحة من اليساريين الآن مع شريحة مماثلة من اليمينيين الرافضين للحرب في أوكرانيا والذين يرون أنها مدفوعة أمريكيًا بالأساس، من جهتها على سبيل المثال عبّرت النائبة الجمهورية اليمينية مارجوري تايلور جرين عن موقفها المناهض للحرب، قائلة "أنا ضد الحرب في أوكرانيا تمامًا.. هل تعرف من يقودها؟ إنها أمريكا.. تحتاج أمريكا إلى التوقف عن دفع الحرب في أوكرانيا".

في 19 فبراير، نظّم بعض أعضاء تحالف "اليمين واليسار" الأمريكي، مظاهرة ضد "آلة الحرب"، ومن من بين المشاركين رموز لليسار الأمريكي أبرزهم جيل ستاين مرشح حزب الخضر لمنصب الرئيس العام 2016، ورفع بعضهم الأعلام الروسية.



حاول "كازين" الدفاع عن الموقف الأمريكي، بأن واشنطن وحلفائها لم يُجبروا بوتين على الغزو، متجاهلًا في الحقيقة لأُسس "الأمن القومي للدول"، فلو كان حاكم روسيا هو جوزيف ستالين أو القيصر بيتر العظيم، لم تردد أي منهم فيما فعل بوتين، الحقيقة يا "كازين" أن واشنطن وحلفائها أجبروا بوتين على هذا الغزو.

 قد يكون للجدل حول الحرب بين اليساريين الأمريكيين تأثير على مواصلة المساعدات الأمريكية للقوات المسلحة الأوكرانية، إذ يمتلك التقدميون نفوذًا في الحزب الديمقراطي أكثر من أي وقت مضى، والذين اتبع معظمهم خطى السيناتور بيرني ساندرز الديمقراطي، في إدانة الهجوم الروسي وتأييد جهود واشنطن لصده، وبوجه عام يُعارض الجمهوريون مساعدة أوكرانيا أكثر من الديمقراطيين، لكن إذا تغير ذلك لصالح كتلة تحالف "اليسار واليمين" الصاعدة احتجاجاتها قد يؤدي ذلك إلى انهيار الدعم الأمريكي لأوكرانيا التي تحولت إلى صخرة انشطر عندها اليسار الأمريكي إلى نصفين.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


نُشر في صحيفة الكرامة المصرية بتاريخ الخميس 16 مارس 2023





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات