القائمة الرئيسية

الصفحات

المسلمون في بريطانيا.. تقدم بطيء ومخاطر على الطريق

 


عبدالعظيم الأنصاري

للمسلمين تاريخ طويل في بريطانيا، إذ شهدت العلاقات البريطانية - الإسلامية العديد من المحطات منذ العصور الوسطى، لدرجة وصلت إلى سك الملك أوفا ريكس موحد الإمارات البريطانية تحت راية إمارة مرسيا، لعملة ذهبية نُقش عليها عبارات التوحيد والإسلام العام 774، فنُقش على وجه الدينار كلمة "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله"، وفي المركز "محمد رسول الله OFFA REX، الملك الذي تحدث البعض عن إسلامه سرًّا وعدم استطاعته البوح بإسلامه بسبب حساسية منصبه وطبيعة البلد المسيحية التي يحكمها.


الملك أوفا ريكس

كما كانت بريطانيا حاضرة في كتب التراث الإسلامية، والأدب الجغرافي الإسلامي، إذ وصف ابن رستة الجزر البريطانية، فيما حضر التراث الإسلامي كثيرًا في كتب عصر النهضة وما سبقه في شتى العلوم والمجالات البريطانية.

في العصر الحديث استعمرت بريطانيا أجزاء شاسعة من العالم الإسلامي، وحارب المسلمون ضمن الجيش البريطاني في شتى بقاع الأرض، وفي الحربين العالميتين.

عملة أوفا ريكس عليها "محمد رسول الله" قبل أكثر من ألف عام

أما الجالية المسلمة في بريطانيا فأخذت تتزايد شيئًا فشيئًا منذ عصر استرقاق العبيد، والذي يشهد عليه أيوب سليمان ديالو المسلم السنغالي الذي كافح من أجل الحفاظ على دينه في بريطانيا، وحتى الآن، إذ تشهد بلاد الإنجليز توسعًا لنشاط المسلمين في كافة المجالات، وكشف آخر إحصاء عام في بريطانيا العام 2021، عن تحول المسيحية إلى ديانة أقلية في كل من انجلترا وويلز، إذ باتت نسبة المسيحيين فيهما 46.2 % لأول مرة في تاريخ المملكة علمًا بأنها كانت تشكل 59.3 % في إحصاء 2011، وأظهر الإحصاء أن عدد الأشخاص الذين يُعرّفون أنفسهم بأنهم لا يعتنقون أي ديانة "لادينيون" باتوا يشكلون 37.2% من سكان المملكة المتحدة، ما يجعلهم ثاني أكبر كتلة بعد المسيحيين، في المقابل زادت أعداد الأشخاص الذين يُعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون بنسبة 44% في السنوات العشر الماضية، وارتفعت أعداد المسلمين من 2.7 مليون شخص العام 2011، إلى 3.9 ملايين العام 2021، بزيادة 1.2 مليون مسلم في 10 سنوات، وبات المسلمون يشكلون 6.5% من مجموع سكان بريطانيا.


أيوب سليمان ديالو

تنعكس تلك الأرقام على قوة تأثير المسلمين كقوة انتخابية وسياسية في بريطانيا، كما تنعكس على حركة القوى المناوئة لهم ولوجودهم في بلاد الإنجليز الذي يرى بعضهم أنها لابد أن تبقى للإنجليز الأنجلوسكسون البيض المسيحيين فقط.

فيما يلي تحليل سابق لي قبل أكثر من عقد حول واقع المسلمين السياسي في بريطانيا، ربما يوضح جزءًا من الصورة التي اكتملت أجزاء منها الآن، ومازلنا في انتظار اكتمالها في المستقبل.

مشاركة المسلمين في الانتخابات البريطانية.. تقدم بطيء

عبدالعظيم الأنصاري - 27/04/2010

تخوض الأحزاب البريطانية الرئيسية منافسة شرسة في الانتخابات العامة بالبلاد، فبالإضافة إلى حزب العمال الحاكم ومنافسه الدائم حزب المحافظين يدخل على خط المنافسة الساخنة حزب الديمقراطيين الأحرار، ويتوقع مراقبون فوز أول امرأة مسلمة وأول مسلم وهو ساجد جاويد الباكستاني الأصل المرشح في دائرة برومسجروف عن حزب المحافظين وأول مرشح من أصل عربي خلال الانتخابات العامة التي ستجرى في 6 مايو المقبل؛ ليصبح نائبًا في البرلمان البريطاني، وهو بسام محفوظ والمرشح عن حزب العمال في دائرة إيلنج سنترال واكتون غربي لندن.

ومن إجمالي 16 مسلمة يخضن الانتخابات تصل نسبة التوقعات بفوزهن بمقاعد بالبرلمان للمرة الأولى إلى 25% وغالبية المرشحات المسلمات من أصل باكستاني؛ ويرى العديد من المحللين أن المسلمين ينخرطون عامًا وراء آخر بشكل أكبر في العمل السياسي، وإن كان تقدمهم بطيئًا فإنهم في الحقيقة يبلورون نواة لقوة سياسية لها ثقلها في الحياة السياسية البريطانية وما ستشهده الانتخابات المقبلة من نشاط الجالية المسلمة لن يقارن بما سيحدث في الانتخابات التالية.


لم يكن يعلم مؤسس أول مسجد في المملكة المتحدة عام 1889م هنري جيليام المحامي البريطاني المولود في مدينة ليفربول، والذي أعلن إسلامه 1882م، ولقبّه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بشيخ الإسلام في بريطانيا بأنه أسس لثاني أكبر ديانة في البلاد التي لم تكن تعرف سوى المسيحية واليهودية من قبل.

 

شهد العقد الأخير من القرن الماضي بروزًا للجاليات المسلمة في أوروبا، وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع أعداد المسلمين بنسبة تتعدى المألوف بين السكان الأصليين للقارة العجوز، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة (تايمز) البريطانية أن معدل زيادة أعداد المسلمين في المملكة المتحدة يماثل 10 أضعاف المعدل القومي للنمو السكاني، مشيرةً إلى أن الزيادة بين المسيحيين بلغت مليوني شخص، بينما كانت بين المسلمين نصف مليون شخص، مع العلم أن عدد المسلمين لا يتعدى 2.5 مليون نسمة طبقًا لآخر الإحصاءات من بين 61 مليونًا هم كل سكان المملكة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات الولادة ونسبة هجرة المسلمين إلى البلاد، مقارنة بالجاليات الأخرى، بالإضافة إلى تحول الكثيرين من سكان البلاد إلى الإسلام.



وفي أجواء الدعاية والحملات الانتخابية، والتي شهدت لأول مرة مناظرات على الهواء مباشرة بين أكبر المتنافسين على مقعد رئاسة الوزراء الإنجليزي؛ تُثار التساؤلات عن دور الأقلية المسلمة التي تتصدر أخبار تزايد أعدادها في لندن العديد من وسائل الإعلام الإنجليزية والعربية.. فهل يلعب المسلمون دورًا حقيقيًّا في العملية السياسية البريطانية أم أنهم ممثلون لأنظمتهم عبر العالم الإسلامي التي لا ترقى لدرجة الفعل السياسي؟


يجب أولاً التفريق بين المسلمين من أصول عربية والمسلمين من غير العرب؛ حيث يلاحظ فرق واضح بين الجاليتين، فلا تتسم الجالية العربية، والتي لا تخلو من نسبة غير قليلة من المسيحيين من الخمول العام، سواء على صعيد المشاركة السياسية أو على صعيد التفاعل الاجتماعي والاندماج؛ حيث يعيش غالبية العرب في عزلة سياسية كما يعيشون تمامًا في أوطانهم الأصلية، في الوقت الذي تنشط فيه الجالية المسلمة من غير العرب والمكونة أساسًا من المسلمين المهاجرين من شبه القارة الهندية من الهند وباكستان وبنجلاديش؛ حيث لا تزال تحتفظ المستعمرات القديمة بعلاقات خاصة بمستعمريها.


بدأت موجات هجرة المسلمين إلى الجزيرة الإنجليزية بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه الموجة الانطلاقة لموجات أخرى للمسلمين إلى بلاد أوروبا المختلفة لحقت بها فيما بعد، وبدأت هذه اللبنة بعد انتهاء الحرب التي دمرت أوروبا عن بكرة أبيها، وكانت الدول الأوروبية بحاجة إلى الأيدي العاملة التي جاءت إليها من المستعمرات القديمة لإعادة إعمار القارة المحطمة، وقد كان وبمرور الأعوام وتعاقب الأجيال تظهر أجيال جديدة من المسلمين يختلفون عن أجدادهم الذين ظلوا مرتبطين أكثر ببلادهم التي أتوا منها.

 

ولدت هذه الأجيال في بريطانيا وترعرعت في شوارع لندن؛ فتغذى لديها شعورها بالمواطنة تجاه المملكة المتحدة وصاروا أقرب للبريطانيين رغم احتفاظهم بهويتهم الدينية، وهذا ما عزَّز حضورهم في المجتمع البريطاني وفي الحياة السياسية البريطانية، ومن هؤلاء: بسام محفوظ اللبناني الأصل، وعنود السامرائي العراقية الأصل، وتترشح عنود عن حزب الديمقراطيين الأحرار في دائرة "إيلفورد ساوث" شمالي لندن، والتي انتخبت كعضو مجلس في "لندن بورو أوف ساوثوورك"، كما عملت منذ عام 2004م على إدارة مكتب دائرة النائب عن حزب الديمقراطيين الأحرار سايمون هيوز، وكان هذا الحزب هو الوحيد من بين الأحزاب الثلاثة الرئيسية الذي يصوت ضد غزو العراق، وتتناسب سياسته تجاه هذه المسألة وتجاه الصراع العربي الصهيوني مع توجهات الكثير من العرب والمسلمين.


من إحدى المظاهرات ضد الوجود الإسلامي في بريطانيا


ورغم انفراد الحزبين التقليديين في الانتخابات العامة السابقة، إلا أنه يحتل أهمية متزايدة في الانتخابات المقبلة، وتتزايد فرص إفراز برلمان لا يحظى بأغلبية مطلقة لصالح أي من الأحزاب الثلاثة، وقد تحسن نصيب حزب الديمقراطيين الأحرار في الفوز، بعد الأداء رفيع المستوى لزعيمه نيك كليج خلال المناظرتين اللتين عقدتا على الطراز الأمريكي.

 

ويتمحور برنامج حزب العمال حول زيادة ضريبة الدخل، وفي حال زيادة الضريبة على القيمة المضافة لا تشمل المواد الغذائية وملابس الأطفال، وإلغاء ضريبة الرسم العقاري لمن يشترون منزلاً للمرة الأولى، لا تتخطى قيمته 250 ألف جنيه إسترليني، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور، بينما يتمحور برنامج حزب المحافظين حول تحسين مستوى التعليم وإعطاء صلاحيات لأهل الطلبة في إدارة المدارس إفساح فرص أكبر للقطاع الخاص، أما حزب الديمقراطيين الأحرار فيقترح إلغاء ضريبة الدخل على أول 10 آلاف جنيه إسترليني يجنيها المواطنون؛ لتكون بعد ذلك تصاعدية تضاف إليها ضرائب تفرض على أصحاب المباني والمنازل التي تزيد قيمتها عن مليوني جنيه، بالإضافة إلى العمل على إلغاء رسوم التعليم الجامعي.


من إحدى المظاهرات ضد الوجود الإسلامي في بريطانيا


وأيًّا كانت الاختلافات بين برامج الأحزاب الرئيسية فما يعني المسلمين أكثر هو ما يخص قضاياهم الداخلية؛ حيث يعاني المسلمون من الاضطهاد والتمييز العنصري، ويسعون للقضاء على دعوات طردهم من البلاد، ووقف الهجرة من بلادهم، والتي يتبناها بعض الأحزاب مثل الحزب القومي البريطاني المتطرف وما يخص قضاياهم الخارجية كالعراق وأفغانستان وفلسطين، وهذا ما يعبر عنه حزب الاحترام بقيادة جورج جالاوي، والذي حقق نجاحًا بفضل القيادية والناشطة البارزة ونائبة جالاوي الطبيبة النفسية سلمى يعقوب التي حققت نتيجة رائعة في انتخابات عام 2005م عندما كانت مرشحة عن حزب الاحترام في دائرة سباربروك وسمول هيلث في برمنجهام؛ حيث تصل نسبة السكان المسلمين فيها إلى 49%، واحتلت المركز الثاني بعد مرشح حزب العمال، وقلصت أكثرية الأصوات التي سبق وحاز عليها النائب عن هذا الحزب روجر جودسيف من 16 ألفًا إلى حوالي 3 آلاف صوت، وبعد حصول تغييرات في حدود الدوائر الانتخابية في مدينة برمنجهام لم تعد سمولبروك موجودة؛ لأنها انضمت إلى دائرة هول جرين في برمنجهام؛ حيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 35.7%.

كما فاز النائب الأسبق عن حزب العمال جورج جالاوي الذي طُرد من الحزب بسبب معارضته الشديدة لاجتياح العراق في دائرة بيثال جرين وبو لمصلحة حزب الاحترام عام 2005م مطيحًا بالمرشحة اليهودية عن حزب العمال أونا كينج التي حظيت بعدد قليل من الأصوات بلغ 823 صوتًا، فقد حظي بدعم أكثر من 40% من السكان المسلمين في الدائرة، والذين يشكل البنغاليون غالبيتهم، ويترشح جالاوي حاليًّا عن حزب الاحترام في الدائرة المجاورة بوبلار ولايمهاوس؛ حيث يأمل في إلحاق هزيمة بمرشح حزب العمال النائب جيم فيتزباتريك.

جورج جالاوي من إحدى المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية في بريطانيا

أما مرشح الاحترام في دائرة بيثنال جرين وبو فهو أبجل مياه، وتترشح روشانارا علي عن حزب العمال وأجمل مسرور عن حزب الديمقراطيين الأحرار وفريد بخت عن حزب الخضر، ويلاحظ هنا منافسة المسلمين بعضهم لبعض، والحقيقة أنه ما زال أمام المسلمين طريق طويل؛ كي يكونوا لوبيًّا أو جماعة مصالح متماسكة، وما يحدث أن الأحزاب التي لا تتصادم أفكارها مع المسلمين بشكل مباشر ترشح مسلمين في الدوائر ذات الغالبية المسلمة.

 

يبدو الحراك السياسي بين مسلمي بريطانيا واضحًا رغم بطئه، ورغم أن الجالية المسلمة لم تبلور نفسها بعد تحت مظلة مصالح واحدة، إلا أن السنوات المقبلة ستشهد تطورات كبيرة في دور المسلمين في الحياة السياسية الإنجليزية، وسوف تشهد الانتخابات التالية، والتي ستجرى في العام 2015م؛ نشاطًا أكبر وتأثيرًا فعالاً للمسلمين البريطانيين في السياسة البريطانية؛ سواء على الصعيد المحلي والسياسة الداخلية أم على صعيد التوجهات والسياسات الخارجية للبلاد.




author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات