القائمة الرئيسية

الصفحات

«الخطوط الحمراء» للقوى الكبرى.. وحتمية الصراع

 

عبدالعظيم الأنصاري


 يرسم القادة السياسيون خطوطًا حمراء بين الحين والآخر، يُحددون بها مصالح دولهم المُعلنة التي لا يجب تجاوزها أو الاعتداء عليها تحت أي ظرف، وهذا جيد بالتأكيد بالنسبة للدولة صاحبة الخطوط الحمراء، في حالة ما إذا كانت تمتلك القدرة بالفعل على حماية مصالحها المُعلنة تلك، لكن المشكلة الحقيقية لتلك الخطوط في ميلها الشديد ناحية الصراع والحرب.

عادة ما ترتسم تلك الخطوط بالدماء، التي تُراق حفاظًا على المصالح المُعلنة، وقد ظهر مصطلح "الخطوط الحمراء" في السبعينيات للإشارة إلى الأفعال التي تعتبرها دولة ما غير مقبولة من الدول الأخرى.



وقد أفرد الكاتب لورانس ويتنر مقال في دورية common dreams الأمريكية عن استخدام القوى العظمى لمصطلح "الخطوط الحمراء"، وتأثير ذلك على ميل العلاقات الدولية ناحية الصراع بشكل أكبر.


لقد كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصطلح "الخطوط الحمراء" كثيرًا خلال السنوات القليلة

الماضية، إذ أعلن قبل اجتاح قواته لأوكرانيا أن روسيا لن تسمح بتجاوز حلف شمال الأطلسي

"ناتو" الخطوط الحمراء بشأن أوكرانيا، قائلًا إن نشر بطاريات الصواريخ الهجومية على الأراضي

الأوكرانية سيكون بمثابة الزناد.



وفي منتصف ديسمبر 2021، عندما احتشدت القوات العسكرية الروسية على مسافة قريبة من
أوكرانيا، طالبت موسكو الـ"ناتو" بإزالة أي قوات أو أسلحة من أعضائه بولندا واستونيا ولاتفيا
وليتوانيا ودول البلقان، والحصول على إذن روسي قبل إجراء أي مناورات عسكرية في أوروبا
الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.


وما كانت خطوط بوتين الحمراء إلا مقدمة لعمليته العسكرية الموسعة ضد أوكرانيا والتي

بدأت في 24 فبراير 2022، وعندها قال "هذا هو الخط الأحمر الذي تحدثت عنه عدة

مرات.. لقد تجاوزوه".


وللولايات المتحدة نفسها سجل طويل مع "الخطوط الحمراء"، وكتب عن ذلك ماثيو واكسمان،

عندما تحدث عن "مبدأ مونرو" لعام 1823، والذي رسم خطًا أحمر ضد أي جهود أوروبية

لاستعمار أو إعادة تأكيد السيطرة على نصف الكرة الغربي، لكن نظرًا للضعف النسبي

للولايات المتحدة في ذلك الوقت لم تحاول واشنطن تنفيذ مبدأ الرئيس جيمس مونرو،

ولم يُنفذ على أرض الواقع إلا أوائل القرن العشرين عندما أحياه الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت،

معتمدًا على ما أصبحت عليه الولايات المتحدة من قوة حقيقية جعلتها مناوئة للقوى الأوروبية

لدبالفعل.


ووسعت واشنطن فيما بعد ظهروها كقوة عظمى من مبدأ مونرو لتبرير التدخل الأمريكي

في شؤون نصف الكرة الغربي، بما في ذلك غزو أراضٍ في أمريكا اللاتينية، ليس هذا فحسب

وإنما توسعت فيه لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في الكاريبي وأمريكا الوسطى وحتى في

آسيا والشرق الأوسط.


وليس الصين أقل من أن ترسم خطوطها الحمراء هي الأخرى، خاصة بعد أن أصبحت

تُناطح الولايات المتحدة على قيادة العالم، إذ أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في لقائه

مع نظيره الأمريكي جو بايدن منتصف نوفمبر 2022، أن تايوان هي "الخط الأحمر الأول

الذي لا يجب تجاوزه"، ولم يذكر "شي" الوضع المتوتر في بحر الصين الجنوبي، حيث أقامت

الصين تحصينات عسكرية على الجزر التي يُطالب بها جيرانها "فيتنام والفلبين"، فهنا أيضًا

رسمت بكين خطوطًا حمراء، تؤدي إلى احتكاكات خطيرة بين السفن الحربية الأمريكية والصينية.


ورغم أن البعض يعتبر "الخطوط الحمراء" ليست سوى تعبير بريء عما تعتبره دولة ما غير مقبول،

فإن المصطلح بات مستخدمًا بشكل خاص من قبل الدول الكبرى، التي لديها القوة العسكرية

لإعطاءتحذيراتها بعض المصداقية، على العكس من الدول الصغيرة أو الضعيفة التي

لا تهتم عادة بإصدار مثل تلك التصريحات، لأن تحذيراتها وحتى مصالحها نادرًا ما

تؤخذ على محمل الجد، لذا فإن "الخطوط الحمراء" الحقيقية تعني قدرة الدولة على

إجبار الدول الأخرى على القبول بمطالبها أو عدم تجاوز خطوطها الحمراء.

لكن عندما تكون الأطراف متقاربة في القوة، فإن الخطوط الحمراء ربما تؤدي إلى مجالات

نفوذ يجب احترامها من الجميع في أحسن الأحوال، وإلا اشتد الصراع ونشبت الحرب لترتوي

تلك الخطوط بالدماء، وهو الاحتمال الأقرب نتيجة تضارب المصالح، وتداخل الخطوط الحمراء

للقوى الكبرى فيكون الصراع حتميًا.


_______________________________
نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ الخميس 09 مارس 2023





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات