عبدالعظيم الأنصاري
تقود مجموعة من النساء السجينات سابقًا، حركة شعبية لإصلاح نظام العدالة الجنائية في شيكاغو عاصمة ولاية إلينوي الأمريكية، وخارجها، مدفوعات بتجارب مؤلمة رأين أن مصدرها يكمن في أساس نظام العدالة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأن من إلينوي التي يقطنّ بها، فمنذ العام 1980، زاد عدد السجينات في الولايات المتحدة بأكثر من 700%، وفي مقاطعة كوك وحدها فإن 75% من السجينات عن من السود.
تسعى الناشطات اللاتي أسسنّ منظمة الأمهات المتحدة ضد العنف والسجن، إلى جذب الانتباه نحو التمييز المترسّخ في جميع مستويات نظام العدالة الجنائية، عبر تسويقهنّ لقانون "العدالة قبل المحاكمة" في إلينوي، بحسب تقرير كتبت كاتي شولدر باتيس في The Chicago Reporter تحدثت فيه عن كفاح نساء شيكاغو من أجل إصلاح نظام العدالة الجنائية في إلينوي وفي كافة الولايات الأمريكية.
يصيغ قانون "العدالة قبل المحاكمة"، الذي تسعى نساء شيكاغو إلى إقراره، تنظيمًا لتسهيل الدعم المتبادل بين الأمهات اللائي يواجهن السجن، ليُقلل من عدد النساء داخل سجون شيكاغو، عبر إلغاء الكفالات النقدية للمتهمات بارتكاب جرائم غير عنيفة، لكن قاضي محكمة دائرة كانكاكي حكم بعدم دستورية القانون قبل أيام فقط من موعد سريانه في الأول من يناير الماضي.
وتنقل كاتي، عن إحدى الناشطات أن نحو نصف مليون شخص يقبع خلف القضبان داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بدعوى الحبس الاحتياطي، دون إدانة واحدة ثابتة العام 2022 فقط، كما يوجد في السجون في جميع أنحاء الولايات المتحدة حاليًا ما يقرب من نصف مليون شخص لم يتم تقديم قضاياهم للمحاكمة بعد، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى فقدان الوظائف وفقدان السكن وفقدان حقوق الحضانة، ويؤثر هذا بشكل غير متناسب على المدعى عليهم من السود، الذين يبلغ متوسط مبالغ ديونهم في المتوسط 10 آلاف دولار، أعلى من المدعى عليهم البيض، وفقًا لتقرير مبادرة سياسة السجون باستخدام إحصاءات مكتب العدل، ويُفترض بقانون الإصلاح الجديد أن يُمكن الآباء والأمهات من الاحتفاظ بحضانة أطفالهم، والسماح للأفراد الذين ينتظرون المحاكمة على العديد من الجرائم غير العنيفة بمواصلة أعمالهم.
ووفقًا لنفس التقرير فإن ثلثي النساء اللواتي لا يستطعن استيفاء شروط الكفالة هنّ أمهات لأطفال دون سن 18 عامًا، و80% من النساء في السجن هن أمهات.
ينادي الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بحقوق المرأة، ويُمارس ضغوطًا كبيرة ومتنوعة على العديد من دول العالم في هذا المجال، وبغض النظر عن التاريخ الطويل للحضارة الأوروبية في اضطهاد المرأة وتهميشها واحتقارها، فإن المرأة عانت كثيرًا في العصر الحديث، ومازالت تُعاني الكثير تحت ظلال الحضارة الغربية.
كان للولايات المتحدة دور بارز في صياغة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بـ "سيداو"، لكنها ورغم دورها، وتوقيعها على الاتفاقية لم تُفعّلها حتى الآن، مع العلم بتوقيع أكثر من 189 دولة على الاتفاقية.
بعد قرون طويلة من الانتهاك لحقوق المرأة في أوروبا، وانتقال هذه الانتهاكات إلى العالم الجديد، استمرت معاناة المرأة تنتقل وفق مراحل حسب تطور العصر، لكن ظلت هناك نظرة سائدة واحدة لها، وإن اختفلت التفاصيل، إذ كان يُنظر إليها بدونية شديدة، ويتم استبعادها من كافة مجالات الحياة العامة، ونزع حقها في الدفاع عن نفسها ضد ظلم الرجل أيًا كان، ثم التفريق الطبقي بين نساء الطبقة الأرستقراطية، والطبقة العاملة، ثم العنصرية ضد النساء صاحبات البشرة السوداء، وقبل كل ذلك النظرة الجنسية للمرأة، واستخدامها كأداة لإمتاع الرجل ليس أكثر، وتتحدث أرقام وإحصائيات العديد من الدراسات عن تفشي حوادث الاغتصاب في المجتمع الأمريكي، والتي تتراوح نسبتها بين 15% إلى 20% من النساء الأمريكيات، فضلًا عن جرائم العنف ضد المرأة، والتي قُدّر عددها وفقًا للاستطلاع الوطني بشأن ضحايا الجرائم لعام 2016 نحو نصف مليون حالة اغتصاب عام 2015 فقط، وذلك داخل مجتمع مسالم وآمن، مع استبعاد جرائم الاغتصاب التي ارتكبها الجيش الأمريكي وحده في كل من اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان، وغيرها، فضلًا على نحو مليوني امرأة ألمانية تعرّضن للاغتصاب من جنود قوات الحلفاء، الجرائم التي لم تُفلت منها فتيات في سن الطفولة، ولا عجائز في سن الكهولة.
لا يتوقف الأمر هنا، إذ وكما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري - رحمه الله - إن القيم المادية الطاغية للحضارة الغربية أسهمت في تمحور الإنسان حول ذاته دون أي مرجعية قيمية، فأعادت الحضارة الغربية صياغة مفهوم المجتمع والإنسان ضمن معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية، ومن هذا المنطلق ازداد احتقار المرأة غير العاملة في المجتمعات الغربية، ودُفع بها إلى أن تتحوّل إلى سلعة، ضمن مبدأ "تسليع كل شيء" أي تحويل كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، في منظومة القيم الغربية الحديثة.
فهل تنجح نساء شيكاغو في التقدم خطوة أخرى إلى الأمام للحفاظ على الأمهات من التسليع والسجن ؟
________________________________________________
نُشر في صحيفة الكرامة المصرية بتاريخ الخميس 23 فبراير 2023
تعليقات
إرسال تعليق