القائمة الرئيسية

الصفحات

وقف إطلاق النار.. إعلان انتصار المقاومة الفلسطينية

 


عبدالعظيم الأنصاري

أثناء كتابة هذه السطور تستمر المحادثات الختامية للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وصفقة تبادل الأسرى، التي طالب بها الشهيد يحيى السنوار على مدار عام كامل.

لكن هل انتهت الحرب ؟ .. الإجابة قطعًا "لا"، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي فضّل استخدام كلمة تجميد القتال أمام فرقائه، لكنه صدق من حيث لا يريد، فالحرب وإن توقفت خلال أيام، فإنها لامحالة ستتجدد مرة أخرى، فالمشكلة مازالت قائمة، أما عن الحرب الحالية فربما تطوى صفحتها إلى حين، بعد أن تبيّن أن القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها حركة حماس، ضرب من الخيال.

لسنا بصدد مناقشة تفاصيل الاتفاق الذي حتمًا ستخترقه إسرائيل أكثر من مرة كما هو معتاد، وإنما بصدد مناقشة المنتصر الحقيقي في هذه الحرب.. من نجح في تحقيق أهدافه مرحليًا واستراتيجيًا.

فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها فلم تقضي على المقاومة، لا عسكريًا ولا سياسيًا، وبقيت حركة حماس وأخواتها في غزة، وازدادت شعبيتها في غزة والضفة الغربية والعالم كله، ولم تستعد أسيرًا واحدًا بالقوة الغاشمة، واضطرت إلى عقد صفقة تبادل كما عرضت المقاومة منذ البداية، والآن ينسحب الجيش الإسرائيلي يجر أذيال الخيبة.

بالنسبة لهدف إسرائيل المتمثل في القضاء التام على حركة حماس، وأخواتها، فهو كما نرى لم يتحقق، فحتى الآن، تجري المفاوضات مع ممثلي حركة حماس، والمقاومة الفلسطينية، وحتى الآن تسيطر حماس على جميع المساحات الشاغرة من أي وجود إسرائيلي داخل قطاع غزة، فعلى الأرض لاتزال هي القوة المسيطرة.

أما بالنسبة لهدف استعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة، ودون تنازلات مؤلمة، فهذا الهدف الإسرائيلي أيضًا لم يتحقق إذ ينقسم الاتفاق المرتقب إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تشهد تسليم حركة حماس لـ 33 أسيرًا وأسيرة، أحياء وجثثًا، كلهم من صغار السن من المجندين والمجندات، وغير المجندين، وكبار السن فوق الـ50 والمرضى والمصابين، وفي مقابل كل أسير وكل جثة أسير، ستُفرج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من بينهم أصحاب أحكام طويلة، على أن يتم ذلك أثناء انسحاب الجيش الإسرائيلي من نقاط تمركزه في قطاع غزة، إلى حدوده الشمالية والشرقية، والانسحاب من أجزاء من محور فيلادلفيا، في الأيام الأولى من الاتفاق، مصحوبًا بعودة سكان شمال القطاع إلى مناطقهم، وزيادة ضخ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، على أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية في اليوم السادس عشر من بدء سريان المرحلة الأولى.

أما الهدف الأخير والمتمثل في ضمان ألا تُشكل غزة تهديدًا مستقبليًا لأمن إسرائيل، فالرد الأمثل على ذلك في ظل احتفاظ المقاومة بتنظيمها وسلاحها، أن المستقبل بيد الله.

تكبدت إسرائيل في هذه الحرب خسائر فادحة مرحليًا واستراتيجًا، فقد تآكلت شرعيتها الدولية، وتحولت إلى كيان منبوذ عالميًا من قبل العديد من الدول، الغربية والشرقية على السواء، والعديد من المنظمات الدولية، والأكاديمية، والإنسانية، في شتى المجالات، وعمقت الحرب الانقسام الداخلي الإسرائيلي إلى درجة قد تُنذر بوقوع اقتتال داخلي، فضلًا عن الدفعة الكبيرة التي أعطتها الحرب لحملات المقاطعة، والنتائج التي ترتبت عليها، إضافة إلى تهاوي أسطورة الأمن في الداخل، وتسريع وتيرة الهجرة العكسية.

بالأرقام، تكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 70 مليار دولار أمريكي، مرشح للزيادة، إذ يقول خبراء اقتصاديون أن اقتصاد الكيان سيظل يتعافى من تأثير الحرب على مدار العقدين التاليين، إضافة إلى آلاف من العسكريين المعاقين، والمصابين، إصابات متنوعة، ومئات القتلى الذين لم يعلن الاحتلال عن سقوطهم رسميًا، كل ما سبق وأكثر يُعجل بإضعاف الكيان، وتخلي حلفائه عنه، ومن ثم سقوطه.

أما خسائر المقاومة الفلسطينية، فتمثلت في تدمير شامل للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة، مع عشرات الآلاف من الشهداء، والجرحى، لكن النجاح هنا يتمثل في الاحتفاظ بالحد الأدنى من البنية التحتية العسكرية للفصائل الفلسطينية فوق الأرض أو داخل الأنفاق العميقة، واستمرارها في عملياتها رغم مواجهتها من قبل أعتى قوى العالم العسكرية.

لاشك أن اتفاق وقف إطلاق النار، بتلك الصيغة، أو بصيغة قريبة منها، ما هو إلا إعلان انتصار للمقاومة الفلسطينية، وإعلان هزيمة أولية لإسرائيل تتبعها هزائم أخرى، ستنتهي بزوالها، وكان وعدًا مفعولًا.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشرت في صحيفة الكرامة الخميس 16 يناير 2025








author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات