القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

مشاورات سرّية استخباراتية تجمع أنظمة عربية، وغربية، مع الكيان الصهيوني، واجتماعات مغلقة بين مسؤولين إسرائيليين كبار، مع نظرائهم في عدد من الدول العربية، صاحب ذلك حالة الارتباك التي سادت في عدد من عواصم الشرق الأوسط، بعد انتصارات دمشق.

تحدث باراك رافيد، في مقال له على موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي، عن تلك المشاورات السرية، والدور المحوري للأردن فيها، نقلًا عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين، قالوا إن الأردن يلعب دور الوسيط الرئيس بين إسرائيل والجماعات المعارضة في سوريا، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام التي قادت التحرك الأخير قبل هروب الأسد.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن مدير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت" وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي التقوا الجمعة الماضي مع مدير جهاز المخابرات العامة الأردني، أحمد حسني، وكبار القادة العسكريين الأردنيين، وناقشوا الوضع في سوريا، وانخراط كل من إسرائيل والأردن مع الجماعات المعارضة التي تشكل الآن حكومة انتقالية، والتهديد المتزايد المتمثل في تهريب الأسلحة من إيران عبر الأردن إلى المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.

بدأ الجيش الإسرائيلي في احتلال الأراضي السورية في المنطقة العازلة بين الأراضي المحتلة من هضبة الجولان، والأراضي السورية، والتي أُنشئت بعد نهاية حرب أكتوبر 1973، حتى وصلت إلى قمة جبل الشيخ، أعلى قمة جبلية في المنطقة، والتي تمكنها من الإشراف على دمشق.

وتنصل بنيامين نتنياهو من اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، في الوقت الذي تتحسس المعارضة السورية خطاها المقبلة نحو تأسيس نظام جديد في البلد المنهك، وعلّق زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، الرجل الأقوى داخل سوريا الآن، قائلًا إنه "تصعيد غير مبرر".

وقال إن إسرائيل ليس لديها أي سبب لتجاوز خط فك الاشتباك، خاصة وأن إيران لم تعد موجودة في سوريا، وقد انتهى الأمر وبدون حليفها الأسد لن تتمكن من استخدام سوريا كنقطة انطلاق للهجمات.

مضيفًا: "بعد سنوات من الحرب لا يُمكننا أن نتحمل الدخول في صراعات جديدة، والأولوية القصوى إعادة الإعمار والاستقرار وعدم الانجرار إلى صراعات ستجلب المزيد من الدمار"، داعيًا مجلس الأمن الدولي إلى التحرك الفوري لوقف الهجمات.

ما إن سقطت دمشق في أيدي فصائل المعارضة المسلحة السورية، حتى دب الرعب في قلب إسرائيل، التي كانت تنظر إلى العاصمة العربية باعتبارها تهديدًا نوعيًا غير مباشر عليها، كان يتمثل في تحويل سوريا إلى قنطرة لعبور الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى حزب الله اللبناني.


وقد استثمر نظام الأسد كثيرًا في انتصارات المقاومة اللبنانية على مدار عقود، لينسبها لنفسه، ويُحقق بها شعبية داخلية، في حين لم يُطلق طلقة واحدة على الجولان المحتلة طيلة تلك عقود من احتلالها، رغم توجيه ضربات عسكرية إسرائيلية بين حين وآخر إلى أهداف داخل الأراضي السورية، سواء كانت تابعة للدولة السورية، أو الجيش السوري، أو أهداف إيرانية أو تابعة لحزب الله اللبناني أو غيره من الفصائل المتحاربة داخل سوريا على مدار 13 عامًا ونيف.

ويبدو أن إسرائيل علمت أول النظام السوري وآخره، وأجادت التعامل معه، وأدركت أن أسلحته الكيماوية والتقليدية الفتاكة لن توجّه إلا إلى شعبه، وأن المكان والزمان المناسبين لحق الرد الذي يحتفظ به في كل مرة تصفعه فيه القوات الإسرائيلية، لن يأتيا أبدًا، وهكذا يتعامل الكيان الصهيوني مع كل الدول العربية التي يعلم جيّدًا أولها وآخرها.

أما الآن وقد دبت في عروق دمشق دماء جديدة، غريبة على الجسد العربي الواهن، فكان لزامًا على الكيان أن يرتعب حتى قبل أن تصل أسلحة الجيش السوري إلى أيدي الغرباء الذين يُحتمل أن يوجهوها إلى صدر الكيان، فوجهت القوات الجوية الإسرائيلية عملية عسكرية واسعة النطاق وُصفت بأكبر عملية جوية إسرائيلية في تاريخ الكيان، استهدفت جميع مخازن الأسلحة الاستراتيجية، والتقليدية والكيماوية، والأسطوليَن الجوي، والبحري السوريين، في ضربة استباقية وقائية، لردع العدو المحتمل، وتشتيت قوته، إضعاف المولود المنتظر في دمشق حتى قبل أن يولد.

إذا كانت حركة حماس قد أثخنت في إسرائيل الجراح دون أن تمتلك طائرة مقاتلة واحدة، أو دبابة واحدة، فما الحال إذا وقعت أسلحة الجيش السوري وإن كانت قديمة ومهترئة في أيدي مقاتلين يستهدفون الكيان، هكذا يُفكر قادة إسرائيل، يأمنون جانب الأنظمة العربية مهما كانت مرجعيتها الفكرية، لكنهم لا يأمنون أبدًا جانب الشعوب إذا تحركت، ما يُفسر بجلاء طغيان رعب دمشق على إسرائيل.


______________________________________________

نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ الخميس 26 ديسمبر 2024





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات