القائمة الرئيسية

الصفحات

الثأر القديم.. من أسرار المواجهة الكولومبية - الإسرائيلية

 


عبدالعظيم الأنصاري


اتخذ الرئيس الكولومبي جوستاغو بيترو أكثر المواقف جرأة ضد الكيان الصهيوني، فقد أدان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فور نشوب الحرب، لكنه لم يكتف بكلمات الإدانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وإنما قرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان مايو الماضي، بسبب حرب الإبادة التي تشنها على غزة.

انتقد بترو بشدة نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وطلب الانضمام إلى قضية جنوب إفريقيا التي تتهم الكيان بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.

كما أعلنت كولومبيا فبراير الماضي تعليق شراء الأسلحة الإسرائيلية، بعد إحدى المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين أثناء تجمعهم للحصول على مساعدات في شمال غزة.

وقال بترو حينها "أثناء انتظار الغذاء قُتل أكثر من 100 فلسطيني على يد نتنياهو.. يُسمى هذا إبادة جماعية ويذكرنا بالهولوكوست رغم أن القوى العالمية لا تريد الاعتراف بذلك".

وأوقف الكيان الصهيوني الصادرات الأمنية إلى كولومبيا بعد أن اتهم بترو وزير الدفاع يوآف غالانت باستخدام لغة عن سكان غزة تشبه ما قاله "النازيون عن اليهود"، ثم أمرت بوغوتا المبعوث الإسرائيلي بالمغادرة.

وقّع الرئيس الكولومبي بتلك القرارات على نهاية علاقة استمرت سبعة عقود مع الكيان، كانت كولومبيا أثنائها من أقرب الدول للكيان، الذي كان أحد موردي الأسلحة الرئيسيين للجيش الكولومبي.

لم يكتف الرئيس جوستافو بيترو بذلك وإنما قرر أن يذهب في طريق اللاعودة، فأعلن بداية يونيو الجاري أن بلاده ستوقف صادراتها من الفحم إلى الكيان مع استمرار حرب الإبادة في غزة.

وللقرار تبعات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد على الفحم الكولومبي بنسبة كبيرة لتوليد الكهرباء، كما يستورده من روسيا وجنوب إفريقيا وهما دولتان ليستا على وفاق تام معه.

فقطاع الكهرباء الإسرائيلي يُعاني من العديد من التهديدات المباشرة، والمتمثلة في تهديدات حزب الله بضرب محطات الكهرباء باعتبارها أحد الأهداف المكشوفة في الحرب المقبلة؛ وغير المباشرة، المتمثلة في حظر الفحم الكولومبي ما يُهدد مصدر الطاقة لتشغيل تلك المحطات من الأساس والذي يصعب إيجاد مصدر بديل فوري له، ويحتل الكيان مرتبة متقدمة بين مستهلكي الفحم لإنتاج الكهرباء حول العالم.


الثأر الكولومبي القديم



الموقف الكولومبي يستند إلى مرجعية شعبية لديها ثأر قديم مع الكيان، عبّر عنها مجموعة من العاملين في قطاع التعدين ببيان لهم نوفمبر الماضي، أيدوا عبره قرارات وتصريحات الرئيس بترو، بشكل كام، وشجعوا الحكومة على تعليق شحنات الفحم الكولومبي وأي معدن آخر إلى الكيان كإجراء للضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، مشيرين إلى أنه مطلب من المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والكنائس.

وأشار البيان العمالي، إلى ارتباط الكيان بتدريب القوات العسكرية والمليشيات شبه العسكرية والمرتزقة الذين أبادوا الاتحاد الوطني، والحركة النقابية الكولومبية، في عملية إبادة جماعية أسفرت عن مقتل أكثر من 465 ألف مواطن كولومبي، وإعدام 6 آلاف و402 آخرين خارج القانون، و120 ألف حالة إخفاء قسري، و8 ملايين نازح قسريًا.

ففي أغسطس 1986، بعد وقت قصير من انتخابه تعاقد الرئيس فيرجيليو باركو فارغاس سرًا مع رافائيل إيتان عميل الموساد الإسرائيلي كمستشار غير رسمي للأمن القومي، وكلفه بوضع خطة للقضاء على الاتحاد الوطني والحركة النقابية الكولومبية.

وقال الصحفي دان كوهين، بحسب ما جاء في تقرير لمنصة جاكوبيان الأمريكية إن خبرة إيتان في شن حرب ضد الفلاحين الفلسطينيين جعلت منه الرجل المثالي لهذا المنصب.

تعددت مذابح الجيش الكولومبي المدعوم من واشنطن، تحت إشراف الموساد الإسرائيلي ضد المواطنين الكولومبيين من حزب الاتحاد الوطني، والحركة النقابية الكولومبية، على مدار عقدين كاملين كان مُجرد التعاطف معهم جريمة عقابها الموت.

وكانت العلاقات الكولومبية - الإسرائيلية القوية انعكاسًا لتسلّط الإسرائيليين على الشعب الكولومبي، إذ كانت صفقات الأسلحة الإسرائيلية إلى الجيش الكولومبي، جانبًا من الدعم الإسرائيلي للقوات الخاصة الكولومبية من أجل "مكافحة الإرهاب"، وعلى نحو مماثل كانت الأسلحة الإسرائيلية تتدفق إلى تشيلي "بينوشيه"، وقوات الكونترا في نيكاراجوا، كما سهلت الإبادة الجماعية في غواتيمالا، وما خفي أعظم.

لم ينس الكولومبيون ثأرهم، مع الإسرائيليين، رغم مرور السنين، وتمسكوا بفكرة إصلاح التاريخ، وعندما وصلت قوى شعبية إلى السلطة، بدأت في اتخاذ إجراءاتها العقابية، فهل نسينا ثأرنا ؟

___________________________________________________

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 27 يونيو 2024









author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات