عبدالعظيم الأنصاري
حاولت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، تطوير تكنولوجيا مضادة للأنفاق قبل نحو عقد من الآن، وفي هذا الإطار، سعت منظمة أيباك لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، بداية مايو، إلى سن قانون لتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل لمكافحة الأنفاق، بقيادة النائبين جو ويلسون وروبن جاليجو في مجلس النواب، عضوي مجلس الشيوخ غاري بيترز وتيد بود، والذي يسمح بمبلغ 80 مليون دولار سنويًا بزيادة قدرها 30 مليون دولار، لتوسيع نطاق التعاون الأساسي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في مكافحة الأنفاق، التي تحولت إلى سلاح ردع فلسطيني غير قابل للتدمير.
استُخدمت الأنفاق كسلاح للدفاع والهجوم، والحماية من الأخطار، عبر التاريخ، اليوناني والروماني، والإسلامي، والتاريخ الحديث، وصولًا إلى الفيتناميين، والعراقيين، وحتى الحرب السورية الحالية.
لكن أنفاق غزة، أو ما يُعرف بــ "مترو غزة"، هي الأكثر تطورًا وتعقيدًا في العالم وعبر التاريخ، لقد نجح الفلسطينيون في بناء شبكة معقدة من الأنفاق تمتد لمسافة أكثر من 500 كيلو متر، أسفل قطاع غزة، أنفاق متعددة الطوابق، فبعضها يصل عمقه إلى بضعة أمتار فقط، وبعضها يصل عمقه إلى نحو 80 مترًا تحت الأرض، بعضها مخصص للهجوم ويصل إلى عمق الأراضي داخل الخط الأخضر، وبعضها مخصص للدفاع، ومنها ما هو مخصص لتخزين الأسلحة، ولصناعة الأسلحة على اختلافها وتنوعها بداية من رصاص بندقية الغول، وصولًا إلى صواريخ عياش، والطائرات بدون طيار، ومنها ما هو مخصص لتخزين المواد الغذائية أو الطبية لتقديم الإسعافات الأولية للمقاتلين، ومنها ما يحتوي على ثلاجات لأغراض مختلفة، ومنها ما يضم مولدات الكهرباء سواء بالتقنيات المعروفة، أو بتقنيات كتائب القسام الخاصة، حيث يكون توليد الكهرباء عبر الطاقة الحركية، وليس الوقود، مبطنة بالخرسانة وتشمل الكهرباء وأنظمة الاتصالات والتهوية.
كما تُخصص بعض الأنفاق كزنازين للأسرى الإسرائيليين، وبعضها يضم غرفًا للقيادة والتحكم وإدارة سير المعارك فوق الأرض وتحت الأرض، مع تزويدها بشبكة اتصالات سلكية غير قابلة للاختراق بأحدث وأعقد التقنيات الحديثة.
لا يستطيع الجنود الإسرائيليين التمييز بين كل تلك الأنواع من الأنفاق، وبينها وبين أنفاق الفخاخ التي تُحفر خصيصًا لنسف القوات الإسرائيلية.
حاولت القوات الإسرائيلية وحلفائها في حلف الناتو، أكبر حلف عسكري في العالم، إيجاد طريقة للتغلب على أنفاق غزة دون جدوى، إن أنفاق الفيت كونغ التي فشل الأمريكيون في تدميرها وبقيت حتى انسحبت القوات الأمريكية من فيتنام كانت أبسط بكثير من أنفاق غزة، سواء من ناحية التعقيد كشبكة أو من ناحية التحصين كبناء، أو من ناحية التجهيزات التقنية، أو حتى من ناحية العمق، فلم تتعد أنفاق الفيت كونغ العشرون مترًا كحد أقصى، في حين تصل أنفاق غزة إلى 80 مترًا أي أنها على بُعد سحيق في جوف الأرض، لا يستطيع أن يصل إسرائيلي إلى هذا البُعد وينجو بحياته فعندئذ سيكون في عالم آخر لا يعرف عنه أي شيء ولا يستطيع في ذلك المكان أن يطلب النجدة أو الإنقاذ، ستكون أرض غزة قد ابتلعته بالفعل.
للأنفاق فتحات للهجوم وأخرى لإطلاق الصواريخ، وفتحات للظهور والاختباء السريع، أمام وخلف خطوط العدو، بعض تلك الفتحات لا يتجاوز قطرها بضعة سنتيمترات تكفي بالكاد لإدخال مقاتل القسام، في حين تتجاوز بعض الفتحات عدة أمتار تكفي لإدخال سيارات كبيرة الحجم.
تتضمن نقاط دخول شبكة أنفاق غزة وفقًا لتقديرات أمريكية أكثر من 5 آلاف و700 نقطة دخول، وتعتبر واشنطن الأنفاق تحديًا خاصًا بالنسبة إليها، ومع ذلك لم تصل تلك الجهود إلى أي نتيجة أمام أنفاق غزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ 30 مايو 2024
تعليقات
إرسال تعليق