عبدالعظيم الأنصاري
تتحول الصين خاصة في ظل حكم الرئيس شي جين بينج، إلى ظاهرة عالمية طاغية، تفسيرها ليس بالأمر الهين، ظاهرة تُهدد الزعامة الغربية المنفردة للعالم والتي استمرت لبضعة قرون، وتلك الأمريكية التي استمرت لبضعة عقود، ظاهرة تعد بتحقيق أحلام الكثيرين ممن خيبت الإمبراطورية الأمريكية أملهم في العدالة.
في سياق سبر أغوار الحضارة الصينية الجديدة، حاول إدوارد وونغ، مراسل صحيفة نيويورك تايمز المخضرم، الغوص في العقلية الصينية الحاكمة، عبر كتابه "على حافة الإمبراطورية: تحساب عائلة مع الصين"، "At the Edge of Empire: A Family's Reckoning with China".
تحدّث وونغ أن "حلم الصين" الذي يراود شي جين بينج، هو حلم إمبراطورية صينية متجددة بالاعتماد على الدراسات المعاصرة، وسنوات من إعداد التقارير وتاريخ عائلته، قدّم وونغ جمهورية الصين الشعبية كامتداد لإمبراطورية تشينغ العظيمة التي تضرب بجذورها في قلب العصور الوسطى، ويؤطر العديد من القضايا الخلافية حول الصين اليوم على أنها خلافات محيطة بالإمبراطورية أو على حافتها، مثل الإبادة الجماعية لمسلمي تركستان الشرقية أو إقليم تشينجيانغ، واحتلال هضبة التبت، وفرض ما أسماه بالاستبداد على هونغ كونغ، وأخيرًا التهديدات المتواصلة بالاستيلاء على تايوان بالقوة.
تقول الكاتبة بيثاني ألين، في مقال لها في دورية فورين بوليسي الأمريكية، إن وونغ كان ينظر في بداية عمله في الصين العام 2008، على أنها مجتمعًا مفعمًا بالأمل والطموح تقوده حكمة تعد بالنهضة السلمية والمساواة بين الأمم، وأنها ربما تكون قوة تمثل رؤية بديلة للمستقبل، وذلك بعد رؤيته لإراقة الدماء الإمبراطورية في الحرب الأمريكية على العراق.
لكن وونغ غير وجهة نظره تمامًا بعد ثماني سنوات من العمل في الصين، قائلًا إن الصين تحت حكم الحزب الشيوعي هي قصة أمة تسعى بكل قوتها لتصبح إمبراطورية تتفوق على إمبراطورية أمريكا، وتصوّر نفسها على أنها وريثة لحكم أسرة تشينغ.
تقول بيثاني إن خيبة أمل وونغ من الجمهورية الشعبية تتبع مسارًا مشابهًا لما حدث لوالده قبل 50 عامًا، وهذا هو جوهر الكتاب، في تتبع الرحلات الموازية التي قام بها هو ووالده يوك كيرن وونغ، من أطراف الشتات وهونغ كونغ الخاضعة للحكم البريطاني، إلى قلب الإمبراطورية في بكين، إلى أقصى الحدود الغربية للصين في شينجيانغ، وأخيرًا إلى واشنطن، مقر الإمبراطورية الأمريكية.
يسرد وونغ رحلته وأبيه منذ مغادرة الصين وحتى العودة إليها رحلة في أكثر من 50 عامًا أثبتت له حُلم الصين بعودة إمبراطورية تشينغ.
ويتحدث كيف سيق والده إلى شيجيانغ "تركستان الشرقية"، في رحلة بطيئة وصعبة، والتي اعتبرها شكلًا من أشكال المنفى إلى عالم الصين التقليدي، وكيف عاش هناك الوالد ست سنوات في قيادة جلسات دعائية لتدريب جنود الأويغور والكازاخ في المنطقة على الحلم الشيوعي بصين جديدة، كما يروي وونغ رحلاته الخاصة إلى هناك، للإبلاغ عن حملة القمع المتزايدة ضد الأويغور والجماعات الإسلامية الأخرى، على خطى والده، ليُقارن بين عسكرة بكين لشينجيانغ وحروب واشنطن على الإرهاب في خاصة في العراق حيث كان مراسلًا.
وهكذا فإن الحلم الصيني المثالي تبدد أمام عيني وونغ على حافة الإمبراطورية في شينجيانغ والتبت وهونج كونج حيث الاضطهاد والعسكرة والإبادة، كما تبدد الحلم الأمريكي قبله على أرض العراق حيث أريقت الكثير من دماء الأبرياء، مقابل النفط والثروة، وعظمة الإمبراطورية.
في النهاية توصل وونغ إلى أن القوتين الأمريكية والصينية لا تُقدمان حلولًا جذرية أو خلاصًا إنسانيًا، لكن قراراتهما للأسف هي التي ستستمر في تشكيل مستقبل العالم حاليًا، ما يعني أنه ليس أمام بكين وواشنطن خيار سوى إيجاد طريقة للتعايش في حين يجب على العائلات المحاصرة في هذه التوترات الإمبريالية أن تجد مساراتها الخاصة.
أخيرًا ليس علينا الرهان على قوى معينة من أجل تحقيق ما يُمكن أن نسميه بالخلاص الإنساني، فلن تكون الإمبراطورية الصينية خير لنا من نظيرتها الأمريكية، هناك فرق كبير بين التحالفات السياسية التكتيكية منها والاستراتيجية المرهونة بمصالح الأمم، وبين التبعية لإحدى القوى، ولا أفضل من خيار الاستقلال التام الذي لا يخلو من التحالفات بالتأكيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 04 يوليو 2024
تعليقات
إرسال تعليق