القائمة الرئيسية

الصفحات

غزة وأوكرانيا والانزلاق إلى هاوية الحرب الكبرى

 


عبدالعظيم الأنصاري


تقع الحروب الكبرى نتيجة انزلاق القوى الكبرى في حروب أخرى أصغر، تمامًا مثل لُعبة الدومينو تتداعى القطع الأصغر حجمًا لتُسقط القطع الأكبر منها تدريجيًا حتى تكون أصغر قطعة دومينو سببًا في سقوط أكبر قطعة منها.

ربما يكون خوض حرب ما بقرار سيادي، لكن الأكيد أن وقف إطلاق النار لا يكون أبدًا بهذا القرار نفسه، فلابد لأحد الطرفين أن يتخلى عن أهدافه جزئيًا أو كليًا رغمًا عنه، بحُكم الانتصار والهزيمة في ساحة المعركة، وعندما تظل قوتي الصراع على نفس القدر من "الصمود" في مواجهة الطرف الآخر فإن الحرب تستمر، وعندما تُصرّ القوتين على تحقيق أهداف الحرب والانتصار المُطلق مع عجزهما عن ذلك ينزلق الطرفان إلى حرب لا يعلمان نهايتها، وإلى معركة صفرية، أكون أو لا أكون.

إذا وقعت تلك الحالة في حرب مركزية كحربي غزة وأوكرانيا الجاريتين خاصة مع ارتباطاتهما المتشعبة إقليميًا ودوليًا، فقد تمتد نيرانهما إلى أبعد مما يُتصوّر.

حُسمت حرب 1967 في 6 أيام فقط، ليس نتيجة اتخاذ قرار سيادي بوقف إطلاق النار، وإنما نتيجة تدمير إحدى قوتي الصراع تدميرًا شبه كلي ما جعلها عاجزة تمامًا عن المواجهة واضطرت إلى قبول الهزيمة إلى حين، لكن حرب السابع من أكتوبر 2023، لم تُحقق أي من القوى المتحاربة انتصارًا ساحقًا كالذي حققه الكيان الصهيوني عام 1967، وهذا هو التفسير الأوضح لاستمرار تلك الحرب، فمازالت الضربات تتوالى من الطرفين.

تتمسك المقاومة الفلسطينية في غزة بحدود دنيا من أهداف الانتصار، أبسطها عودة الأمور إلى ما كانت عليه يوم السادس من أكتوبر 2023، بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، مع إعادة الإعمار والمساعدات، وهدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، فضلًا عن صفقة لتبادل الأسرى بغض النظر عن تفاصيلها، وفي هذه الحالة تكون قد حققت انتصارًا حقيقيًا، ما يرفضه بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، فرئيس الوزراء المهزوم يرى كل مكسبه في استمرار الحرب، الذي بالتأكيد يُضعف من قدرات المقاومة الفلسطينية عسكريًا، ليُظهره في النهاية بمظهر القائد الذي حوّل هزيمته إلى نصر، وربما يحلم بالقبض على السنوار، وتحرير الأسرى، أو حتى بإعادة احتلال القطاع، وإعادة الاستيطان فيه، لكنها تبقى أحلام غير قابلة للتحقق مع صمود المقاومة الأسطوري أمام الآلة العسكرية الصهيونية - الغربية، والذي يبدو أنه قادر على الاستمرار لسنوات مقبلة قد لا ينجح فيها الكيان على إحداث أي تقدّم يُذكر في سبيل تحقيق أهدافه من القضاء على المقاومة، وتحرير أسراه، وهما مازالا هدفين بعيدي المنال.

في غزة ربما يمتلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، قرار وقف الحرب، ليس بالأمر المباشر، ولكن بالضغوط الحقيقية، سواء بوقف الإمدادات العسكرية المتواصلة للكيان، أو بممارسة بعض العقوبات الاقتصادية، أو التلويح بذلك أو ذاك بجدية، ويبدو أن اكتفاءه بالضغوط السياسية، ومبادرات الصفقات التي يُمزقها نتنياهو مرارًا وتكرارًا يعود لعدم جديته من الأساس في وقف الحرب.

أما في أوكرانيا، فلا يمتلك العجوز الأمريكي سوى الاستمرار في دعم حرب الاستنزاف هناك، ولا يستطيع أن يضغط على موسكو لوقف القتال بل إن كل ما فعلته واشنطن لردع موسكو أدى إلى تمسكها بخيار الحرب، ولا يمتلك العجوز الضغط على أوكرانيا للتنازل، كما أنه يُنفذ أجندته "الديمقراطية"، ولا يخفى على أحد التفوق العسكري الروسي الكبير على أوكرانيا، وقدرتها على الاستمرار في الحرب لسنوات مقبلة، في المقابل تصمد أوكرانيا بدعم أمريكي - غربي في مواجهة الدب الروسي الغاضب الذي لن يهدأ، ففي حالة استمرار الحرب الأوكرانية بلا حسم ستظل روسيا بدافع حماية أمنها القومي من الخطر المباشر عليها في الدفع بقواتها على الجبهة للتقدم، وفي حالة نجح فلاديمير بوتين في حسم الحرب لصالحه وتحقيق هدفه البسيط المباشر المتمثل في السيطرة على طريق بري من الأراضي الروسية إلى شبه جزيرة القرم دون أي تهديد، أو تحقيق هدفه الكبير في تغيير نظام الحكم في كييف لنظام تابع له كما سبق، فلا ضمان أن يطمع في المزيد من الانتصارات لإعادة مجد الإمبراطورية الروسية، كما سبق وصرّح.

وإذا ما نظرنا إلى الاستعدادات والمساعي الصينية الرامية للسيطرة على تايوان، وما يُشكله ذلك من مخاطر على الأمن العالمي، فقد تتضح الصورة أكثر، وقد نرى البشرية قد انزلقت من حيث لا ترغب إلى هاوية حرب كبرى لا يعلم أحد عقباها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 06 يونيو 2024







author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات