القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع العربي - الإسرائيلي داخل الديمقراطيات الليبرالية.. من المنتصر؟

 


عبدالعظيم الأنصاري

وصلت أمواج طوفان الأقصى إلى أطراف العالم، ولازالت تهز بضربات متتالية المنظومة القيمية الحضارية الغربية، وتختبر مقولاتها، عن الحرية والمساواة وحق تقرير المصير، وحقوق الإنسان، وتُثبت في كثير من الأحيان أنها مقولات جوفاء، لا تصدق إلا داخل إطار مُحدد، ولا تنطبق على كافة شعوب الأرض، بقدر ما تنطبق على الإنسان الذي يعيش في الدول الغربية، وخصوصًا الإنسان الأبيض، فتتحوّل بذلك من شعارات عظيمة تُعلي قيم الإنسانية والرقي، إلى شعارات عنصرية في حد ذاتها لعدم انطباقها إلا على شرائح بشرية معينة دون غيرها.

حرب صهيونية بأسلحة غربية


تقول أكاديمية جنيف، إنها تُراقب حاليًا حوالي 110 صراعات مسلحة نشطة في جميع أنحاء العالم، وإن أغلب هذه الصراعات تدور في الجنوب العالمي، بينها 45 صراعًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و35 في بقية إفريقيا، و21 في آسيا و6 في أمريكا اللاتينية، وإن العديد منها تُفاقهمها أو تمولها أو تُديرها قوى غربية أو شركات متعددة الجنسيات غربية.

وتقول الأكاديمية في تقرير لها نشرته دورية Z الأمريكية، إن الحرب في غزة مستمرة بفضل شحنات الأسلحة الأمريكية الضخمة التي تتدفق إلى إسرائيل، مشيرة مذكرة تفاهم وقعت بين واشنطن وتل أبيب، العام 2016، تتلقى إسرائيل بموجبها 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، بين عامي 2018، و2028، وأن الهزيمة الإسرائيلية المذلة في السابع من أكتوبر دفعت صناع السياسات الأمريكيين إلى تجاوز التزامهم هذا، وتخصيص 26 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية لإسرائيل، لتجاوز الهزيمة.


الحرية الغربية ومقاومة الصهيونية


على الجانب الآخر، نجد أن الحرية التي تمتع بها الإنسان الغربي في بلاده قد صبّت في صالح الإنسانية، إذ نجحت قيمة الحرية هناك، في إحراز تقدم ملموس وربما يكون ملموسًا بحجم أكبر بكثير خلال العقدين المقبلين.

بالفعل استخدمت الأكاديمية الغربية ذات الأصول المصرية نعمت شفيق كافة أشكال القمع والعنف تجاه طلابها المناصرين للحق الإنساني الفلسطيني، لكنها دفعت ثمنًا لم تكن تتخيله وتحت وطأة الضغوط الاجتماعية والغضب الطلابي المتواصل، انتهى بها المطاف إلى الاستقالة من منصبها كرئيسة لجامعة كولومبيا.

كما لا تقتصر جهود المجتمع المدني الغربي، على الحراك الطلابي الواسع الذي شهدته الجامعات الغربية، والتي من المتوقع أن يكون ذو طابع أكثر قوة وتأثيرًا في العام الدراسي المقبل، وقد طرأ تغيير على الموقف الرسمي لعدد من الدول الغربية لصالح القضية الفلسطينية مثل إسبانيا، والنرويج، والدنمارك، ومالطا ولوكسمبورغ، والبرتغال، وحتى فرنسا وبريطانيا وإن بدرجة أقل.

 فيما مثلت حركات المقاطعة في الغرب ضربات متتابعة للصهيونية العالمية، فقد ذكرت مجلة Z في تقرير تحت عنوان "هل تريد دعم التحرير الفلسطيني؟ قاطع شركة شيفرون"، جانبًا من جهود اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) أكبر كيان عالمي لمقاطعة إسرائيل، والتي حرّضت بشكل مباشر على مقاطعة شركة شيفرون التي تولد مليارات الدولارات من العائدات لإسرائيل، ما يساعد في تمويل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وذلك بسرقة موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، والعائدة في الأساس إما إلى الفلسطينيين أصحاب الأرض، أو لعدد من الدول العربية المجاورة الصامتة عن حقوقها، شمال الكيان وجنوبه.

فتحت دعوات مقاطعة العملاق شيفرون العديد من الثغرات في جدار الحماية الغربي لإسرائيل، إذ أعلن التحالف الدولي لعمال النقل القائم على التطبيقات (IAATW) والذي يضم أكثر من 100 ألف سائق وساعي من 20 دولة، مقاطعة جميع محطات الوقود المرتبطة بالشركة، في مارس الماضي.

كما حققت الحملة مكاسب في العديد من مدن كاليفورنيا، ففي يناير أصبحت مدينة هايوارد في إيست باي في سان فرانسيسكو، أول مدينة في البلاد تسحب أسهمها من أربع شركات مدرجة على قائمة المقاطعة، وهي شيفرون، وكاتربيلر، وهيونداي، وإنتل، وفي مايو صوت مجلس مدينة ريتشموند القريبة من كاليفورنيا على سحب استثماراته من جميع الأسهم والصناديق المشتركة التي تشمل شركات لها علاقات بإسرائيل، وأعلن مجلس مدينة ألاميدا القريبة من أوكلاند يوليو الماضي أنه سيقيد استثماراته في الوقود الأحفوري والأسلحة من أي نوع.

وليس خفيًا انخفاض مبيعات العديد من الشركات الداعمة للاحتلال مثل ستاربكس، وكوكاكولا، وبيبسي، وماكدونالدز، وغيرها، بسبب حملات المقاطعة المتواصلة في جميع أنحاء العالم.


الديمقراطيات الليبرالية الرأسمالية


وفي حوار لريتشارد فالك، الأستاذ الفخري بجامعة برينستون، مع مايك بيلينجتون من مجلة إكيكيوتيف إنتيليجنس ريفيو، ومعهد شيلر، نشرته مجلة z أيضًا، قال "فالك": إن إسرائيل حظيت بدعم حاسم طيلة حربها المستمرة بفضل تواطؤ ما أسماها بالديمقراطيات الليبرالية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وتُعطل الدول الغربية "الديمقراطية" الإجراءات القضائية العالمية ضد الإسرائيليين، وتسعى لتجنب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ومسؤوليه، وتستخدم القانون الدولي كأداة سياسية بشكل انتهازي.

في النهاية تحدث البروفيسور فالك، أن لديه أمل ضئيل في أن تفوز كامالا هاريس في الانتخابات الأمريكية، وأن تُفاجئ العالم بأن تكون أكثر صراحة في التعامل مع القضايا المهمة، وأوضح أنه يتمنى تعزيز صورة أفضل لما تعنية الديمقراطية الليبرالية على المستوى الدولي.

لفت فالك في نهاية حواره إلى ضرورة توفير الجهات الداعمة ماليًا لجهود الناس، أو المجتمعات المدنية الرافضة للحرب في غزة، لكي تُحدث فرقًا قويًا، مشيرًا إلى أنه أمر مؤسف، وأنه أحد الأبعاد السياسية لحتمية "اتبع المال"، في زمن الليبرالية الرأسمالية.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 29 أغسطس 2024


author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات