عبدالعظيم الأنصاري
قبل نحو 20 عامًا، قال رئيس حركة حماس، يحيى السنوار، لطبيبه الإسرائيلي يوفال بيتون، عندما كان يُعالجه من مرض خطير في المخ، أثناء فترة سجنه، أن المجتمع الإسرائيلي يُعاني من حالة تفسخ وانقسام، وأنه بعد 20 عامًا - أي الآن - سوف يُصاب الكيان الصهيوني بالضعف، وحينها سيكون الهجوم الفلسطيني الأكبر، هكذا بمنتهى البساطة كان السنوار يشرح لطبيبه نواياه، التي أنزلها على أرض الواقع.
وبالفعل لقد سمح النظام الانتخابي الإسرائيلي الذي يعتمد على التمثيل النسبي في العقود الأخيرة بدخول المزيد من الأحزاب السياسية الهامشية والمتطرفة إلى الكنيست، ومنذ عام 1996 العام الذي شهد لقاء السنوار بطبيبه، كانت هناك 11 حكومة مختلفة بمعدل حكومة جديدة كل عامين ونصف العام، ست منها بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وفي الفترة ما بين عامي 2019 و2022، اضطرت إسرائيل إلى عقد خمس انتخابات عامة، لعبت فيها الأحزاب السياسية الصغيرة أدوارًا رئيسة في تشكيل الحكومات وإسقاطها، ما أدى في نهاية المطاف إلى الحكومة المتطرفة الحالية التي حاولت بقيادة نتنياهو قبل طوفان الأقصى الدفع بمشروع قانون الإصلاح القضائي، بهدف الحد من إشراف المحكمة العليا على الحكومة خاصة في 3 نقاط تتمثل في حماية نتنياهو نفسه، ومنع تجنيد طلاب المدارس الدينية، ومنع الحد من التوسع الاستيطاني، ما أثار انقسامًا حادًا في المجتمع الإسرائيلي بين قوى اليسار وقوى اليمين المتطرف، وكانت تلك لحظة مناسبة للانقضاض على شمشون.
في مقال مشترك لكل من إيلان بارون أستاذ السياسة الدولية والنظرية السياسية والمدير المشارك لمركز الثقافة والمجتمع والسياسة اليهودية في جامعة دورهام، وإيلاي سالتزمان الأستاذ المشارك في دراسات إسرائيل، ومدير معهد جوزيف وألما جيلدنهورن لدراسات إسرائيل في جامعة ماريلاند، نُشر في مجلة فورين أفيرز جاء تحت عنوان "انهيار إسرائيل.. المستقبل المظلم الذي ينتظرنا بعد الحرب في غزة"، تحدّث الأكاديميان الصهيونيان عن مخاوفهما من حالة الانهيار التي يتوقعانها لإسرائيل بعد انتهاء الحرب الجارية، والتي وضعت إسرائيل أمام نفسها في مرآة مليئة بالتناقضات التي ربما تُفضي إلى نهايتها.
أشار الكاتبان إلى أن وحشية الاحتلال العسكري وضرورات القوة العسكرية المحتلة لها تأثير مُفسد على المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وهو ما لاحظه يشعياهو ليبوفيتز الفيلسوف الإسرائيلي الذي تحدث عن الفخر الوطني والنشوة التي أعقبت حرب الأيام الستة 1967، ورأى منعطفًا أكثر قتامة في المستقبل، ففي 1986، حذر ليبوفيتز من أن هذا الاحتفال بالوطن لن يؤدي إلا إلى "نقلنا من القومية الفخورة الصاعدة إلى القومية المتطرفة"، زاعمًا أن مثل هذه المشاعر المتطرفة من شأنها أن تؤدي إلى إضعاف المشروع الإسرائيلي ما يؤدي إلى "الوحشية" وفي نهاية المطاف "نهاية الصهيونية"، والآن أصبحت هذه النهاية أقرب مما يتخيل العديد من الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء.
كما رأيا أن إسرائيل المتطرفة، البعيدة عن الليبرالية، ستصبح معزولة على نحو متزايد على المستوى الدولي، وحتى مع دعم الحلفاء الرئيسيين، فإن التأثير التراكمي للرأي العام السلبي، والتحديات القانونية، والتوبيخ الدبلوماسي من شأنه أن يعمل على تهميش إسرائيل بشكل متزايد على الساحة العالمية.
سوف تظل تتلقى إسرائيل الدعم الاقتصادي من عدد قليل من البلدان، على رأسها الولايات المتحدة، ولكنها سوف تكون معزولة عن أغلب المجتمع الدولي، بما في ذلك معظم دول مجموعة السبع، وسوف تتوقف الكثير من الدول عن التنسيق مع إسرائيل أمنيًا واقتصاديًا وتجاريًا، كما ستتوقف عمليات شراء الأسلحة الإسرائيلية الصنع، ومن المرجح أن ينتهي الأمر بالكيان إلى الاعتماد الكلي على واشنطن، ليصبح عرضة للتحولات السياسية الأمريكية، حيث يُشكك المزيد من الأمريكيين في دعم بلادهم غير المشروط له، ويُصبح أقرب لخط النهاية.
تعليقات
إرسال تعليق