عبدالعظيم الأنصاري
لا يخفى انجراف الدولة الألمانية الحالية في حالة أقرب إلى الطاعة العمياء للكيان الصهيوني،
وهي الدولة نفسها التي توعد زعيمها النازي أدولف هتلر بإبادة اليهود.
تدعم ألمانيا الحرب الإسرائيلية على غزة، ولا تكتفي برسائل التضامن، بل ترسل الأسلحة،
ولا توجد أي كلمات تعاطف، ولا أي فعاليات تذكارية لآلاف الأطفال والشباب الذين قتلوا في
غزة، ولم تدعو ألمانيا الحكومة الإسرائيلية إلى وقف الحرب، بل تضامنت معها أمام محكمة
العدل الدولية في الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا.
وبعيدًا عن الأسباب المباشرة، التي تدفع ألمانيا لدعم الكيان الصهيوني، فإن هزيمة ألمانيا
في الحرب العالمية الثانية، لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، لقد آمن أغلب الألمان بقيم الحزب
النازي، وتفوق العرق الآري، لقد انهارت ألمانيا كدولة مستقلة منذ تلك الحرب، وحتى كتابة
هذه السطور، فما تعرضت له البلاد من دمار شبه شامل، هزم الإنسان الألماني نفسه بكل
قيمه وأفكاره وطموحاته في قدرته على حكم العالم والسيطرة عليه، بل كُسرت إرادة الألمان
تحت وقع إحدى أكبر جرائم الاغتصاب الجماعي في التاريخ، فقد اغتصبت قوات الحلفاء
"الاتحاد السوفيتي، وأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا" أي من يمثلون العالم المتحضر الآن،
ما لا يقل عن مليوني امرأة ألمانية في فترة لم تتجاوز 8 أشهر، تلك النساء عاشت
الحقبة النازية وآمنت بها، وآمن رجالهم بأنهم سيحكمون العالم، ومن هنا كان وقع
الصدمة كفيلًا بالارتداد الكامل، بل والمتشدد ضد كل ما هو نازي، باعتباره "كذبًا"
و"جرمًا غير مغفور".
من هنا كمن داخل كل ألماني، أنه كلما ازداد تعاطفًا مع "اليهود" ومن ثم "الصهيونية"
كلما كان مواطنًا ألمانيًا صالحًا، وهي إحدى الأفكار الجوهرية التي لعبت عليها
البروباجندا الأمريكية الأكثر احترافية على مر التاريخ، وبهذه الطريقة تحولت ألمانيا
إلى أسيرة للنازية والصهيونية في آن معًا.
تعيش ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن كجزء من العالم الغربي
الذي يديره العم سام، بغض النظر عن السياسات النقدية، أو نظام الصحة، أو حتى
الصناعة والتصدير، وجودة المنتجات، ومؤشرات البورصة، أو أي
من تلك التفاصيل التافهة بالنسبة لاهتمامات العم الكبير الذي يضمن مصالحه بالقوة
العسكرية المباشرة، بعشرات آلاف الجنود الأمريكيين المرابطين في ألمانيا منذ عملية
الاغتصاب الكبرى، حتى الآن.
ما يُفسر لنا جانبًا من الموقف الألماني الداعم بقوة للحرب الإسرائيلية في غزة، والذي
تحدثت عنه باستفاضة نيكول جولك عضو البرلمان الألماني عن الحزب اليساري
دي لينكا، في مقال لها في صحيفة جاكوبين الأمريكية، مؤكدة أن المصلحة الألمانية
تملي على برلين العمل على وقف الحرب لا دعمها.
تحدثت نيكول عن صادرات الأسلحة الألمانية الضخمة إلى الكيان الصهيوني، بل
وتأكيد الخارجية الألمانية على عدم نيتها تغيير مسار تلك الصادرات مطلقًا،
مؤكدة أن ألمانيا تخلت عن المبادئ التي تدعي أنها تلتزم بها في سياستها الخارجية.
ويبدو أن نيكول كعضو بارز في اليسار الألماني لم تدرك بعد أبعاد الأزمة الألمانية،
إذ أنها تحدثت كثيرًا في مقالها عن إدراك قوى اليسار ما لم تدركه الأحزاب الحاكمة
والمحافظون، متصورة أن للاشتراكيين الديمقراطيين رأي آخر، يصب في مصلحة
"حقوق الإنسان"، في واحد من التصورات التي تُغفل إلى حد كبير العوامل الخارجية
من الصورة السياسية الكلية لهذه الدولة أو تلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ 07 مارس 2024
تعليقات
إرسال تعليق