القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

يزعم البعض أن ما حققته حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في مواجهة الكيان الصهيوني، منذ بداية حرب السابع من أكتوبر، لا يرقى إلى مستوى الانتصار الحقيقي، أو يصفونه بأنه مجرد انتصار معنوي، مدعين أنه لا توجد قوة يُمكنها الانتصار على الكيان الصهيوني الغربي، ومن ورائه أمريكا.

لكن الواقع يؤكد لنا هزيمة القوة الأمريكية هزيمة ساحقة مذلة في أفغانستان، بعد أن تم تصوير القوات الأمريكية أثناء فرارها أمام مقاتلي «طالبان» التي بقيت كما هي 20 عامًا، لتعود وتسيطر على كامل البلاد وكأن غزوًا لم يحدث، ليبدأ الأفغان في تحسس خطواتهم الأولى لبناء دولتهم على طريقتهم.

كما يؤكد الواقع صمود مُعجز للمقاومة الفلسطينية أمام القوى الإمبريالية العالمية الغاشمة مجتمعة، إذ تعرض قطاع غزة لغارات جوية - وفقًا لخبراء عسكريين - أكثر كثافة مما تعرضت له أوكرانيا، أو سوريا، أو حتى أكثر مما وقع أثناء الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فإن المقاومة باقية، ومازالت الصواريخ تنطلق على تل أبيب.

يُفسّر لنا الأمر بشكل تفصيلي جون ألين، السفير الكندي لدى إسرائيل بين عامي 2006 و2010، وزميل كلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة في جامعة تورنتو، في الحوار الذي أجراه مع مجلة the walrus الكندية، إذ يقول إنه على الرغم من تحذيرات الأمريكيين بأخذ إخفاقات واشنطن السابقة في الاعتبار قبل البدء في الهجوم البري، وعلى الرغم من تجارب الجيش الإسرائيلي السابقة في غزة، حيث ثبت أن استئصال «حماس» أمر صعب، فإن "إسرائيل" تدخلت بكامل قوتها، وأسقطت قنابل ضخمة واستخدمت قواعد اشتباك أكثر مرونة، مقارنة بمعاركها السابقة مع «حماس»، مفسرًا ذلك بأنهم تعرضوا للإذلال والدمار بسبب هجوم حماس المروع.

وأوضح أن الإسرائيليين أرادوا الانتقام واستعادة الشعور بالأمن، لقد أقنعوا أنفسهم بأن مستوطني غلاف غزة لن يستطيعوا العودة إلى مستوطناتهم إلا إذا تم القضاء على «حماس»، ومن المرجح أنهم أقنعوا أنفسهم بأنه عبر تدمير غزة، والبنية التحتية للأنفاق يُمكنهم قتل أو أسر قادة الحركة السياسيين والعسكريين الرئيسيين داخل القطاع، وبالفعل لحقت أضرار بالمقاومة.

أكد "ألين" استهانة الجيش الإسرائيلي بـ«حماس»، فبعد 4 شهور من القتال، لم يتمكن من اغتيال ولو واحد من زعماء المقاومة الرئيسيين الثلاثة الذين يعتقد أنهم في غزة، ولم ينجح في أسر قيادي واحد من كتائب القسام، ولم ينجح في تحرير أسير واحد من أسراه.

لم يتوقع القادة الإسرائيليون المطالب شبه العالمية بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وهي المطالب التي ولدتها المذبحة التي تسببوا فيها، ولأن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا وبسبب العدد الهائل من القتلى والجرحى، فقد فازت «حماس» أيضًا بالمعركة السياسية والفكرية، سواء بين الفلسطينيين في الضفة الغربية أو بين فئة سكانية أصغر سنًا إلى حد كبير في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أمريكا الشمالية وأوروبا.

يتحدث الإسرائيليون حتى الآن عن نفس الأهداف منذ بداية الحرب، والتي لم يتحقق أي منها، والمتمثلة في تدمير «حماس»، وتحرير الأسرى، وإقناع الإسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات في غلاف غزة، وفي الشمال بالقرب من الحدود اللبنانية، الأهداف التي لاتزال بعيدة عن أرض الواقع.

أخيرًا، يُمكننا التنويه إلى أن الحرب الجارية، هي أطول حروب الكيان الصهيوني مع العرب منذ إنشائه، حربًا مع قوة عسكرية لا تمتلك دبابة واحدة، ولا طائرة واحدة، وفي الوقت الذي هزم فيه الكيان الصهيوني مجموعة "جيوش عربية" أعوام "1948، 1956، 1967" وغيرها، مازال يُكافح من أجل تحقيق انتصار ولو "صوري" على "المقاومة الفلسطينية".

كانت عملية «طوفان الأقصى» انتصارًا ساحقًا على الغطرسة الصهيونية في حد ذاتها يريد الإسرائيليون تحويله إلى هزيمة.

لم نتحدث هنا عن حجم الخسائر الإسرائيلية المليارية اقتصاديًا، وعسكريًا، وسياسيًا، لكن مفهوم الانتصار لا يُحدده حجم الخسائر، وإنما كسر إرادة العدو وإجباره على التخلي الكلي أو الجزئي عن أهدافه، وهو ما لم يُحسم بعد، في انتظار قادم الأيام.

________________________________________________

نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ الخميس 01 فبراير 2024



author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات