عبدالعظيم الأنصاري
يبدو مصطلح "الصهيونية النازية" مصطلحًا غريبًا، فمن المتعارف عليه أن اليهود الصهاينة
مؤسسو "الكيان الصهيوني" استندوا إلى الجرائم التي ارتكبها النازيون بحق اليهود في دعايتهم
الأولى لتأسيس دولتهم المزعومة.
لكن الواقع يستدعي فكرة المصطلح، إذ استعار الصهاينة خطة النازيين لإخلاء أحياء اليهود
بحذافيرها، مع سكان قطاع غزة، والمتمثلة في تدمير البنية التحتية والمرافق الطبية والصرف
الصحي، بما في ذلك الحيلولة دون الوصول إلى المياه النظيفة، ومنع شحنات المواد الغذائية
والوقود، بل وأضافوا إليها استخدام القنابل "الغبية" التي لا تُميز بين الأهداف المدنية والعسكرية،
بسبب اتساع مداها التدميري، كما استخدموا فوق ذلك "تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف
الافتراضية" وذلك استعاضة منهم عن هزيمتهم المخابراتية الواضحة في عدم قدرتهم على تحديد
ما يُمكن ضربه من أهداف عسكرية حقيقية، والتي لا تتعدى الـ % 10 من إجمالي الأهداف التي
يضربها جيش الاحتلال منذ بدء معركة طوفان الأقصى، إذ تقوم تلك التقنيات "المتقدمة" بوضع
أهداف افتراضية للطيران الإسرائيلي الإرهابي ليضربها بأسلحته الأمريكية دون النظر إلى حقيقة
تلك الأهداف التي في الغالب تكون بيوتًا لمدنيين فلسطينيين.
حققت تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية الصهيونية أرقامًا غير مسبوقة من مئات الشهداء
والجرحى يوميًا، فضلًا عن المجاعة، ونشر الأوبئة، إلى جانب المذابح اليومية، وتهجير الفلسطينيين
من منازلهم، وتحويل قطاع غزة إلى مشرحة كبرى، فضلًا عن كونه أكبر سجن في العالم، فيضطر
الفلسطينيون إلى الاختيار بين الموت بسبب القنابل أو المرض أو الجوع والعطش، أو الطرد من
وطنهم، حتى يتحقق الهدف الصهيوني بأن يكون الموت في كل مكان بحيث يصبح الترحيل لأولئك
الذين يريدون العيش هو الخيار الوحيد.
سيناريو التهجير مثله مثل العديد من السيناريوهات "النازية" التي يتبناها مسؤولون إسرائيليون
بوضوح شديد، والذي ليس بالضرورة أن يكون إلى بلد بعينها، فكما قال داني دانون سفير الكيان
السابق لدى الأمم المتحدة، وحليف بنيامين نتنياهو على سبيل المثال في تصريح سابق له: "دول
في أمريكا اللاتينية وإفريقيا مستعدة لاستيعاب اللاجئين من قطاع غزة، علينا أن نُسهّل على سكان
غزة المغادرة إلى بلدان أخرى…."، وهناك الكثير من تلك التصريحات والإجراءات الفعلية
الإسرائيلية في هذا الصدد.
في مقال له بعنوان "الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل تنم عن المحرقة"، تحدث الكاتب الأمريكي
الشهير كريس هيدجز عن تلك المقارنة، موضحًا كيف وزّع الألمان على قاطني حي اليهود في وارسو
3 كيلوجرامات من الخبز وكيلوجرامًا واحدًا من مربى البرتقال على أي شخص قام بالتسجيل "طوعًا"
للترحيل.
شحن النازيون ضحاياهم إلى معسكرات الموت، ويريد الصهاينة كذلك شحن ضحاياهم إلى مخيمات
اللاجئين خارج فلسطين المحتلة، لتحقيق "التطهير العرقي"، و"نقاء الدولة اليهودية"، على غرار
"نقاء العرق الآري"، ويُساق ذلك باعتباره لفتة طوعية وإنسانية لحل الكارثة التي خلقوها.
الصهيونية والنازية وجهان لعملة واحدة، هي الحضارة الغربية، صانعة مصطلحات "الإبادة الجماعية"
و"التطهير العرقي"، فالغرب هو الذي أباد وطرد المسلمين واليهود من الأندلس، والغرب هو الذي
أباد الشعوب الأصلية في العالم الجديد، والغرب هو الذي احتل إفريقيا وأراد لها الموت جوعًا،
والغرب هو الذي أخرج لنا "النازية"، ومن ورائها "الصهيونية"، إنها الحضارة الغربية
حضارة إبادة البشرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ 25 يناير 2024
تعليقات
إرسال تعليق