القائمة الرئيسية

الصفحات

السابع من أكتوبر ونهاية عصر الازدهار الإسرائيلي

 


عبدالعظيم الأنصاري


لا أحد يستطيع الجزم بثقة بالتأثيرات طويلة الأمد للحرب الجارية في الأراضي المحتلة، لكن

يبدو أن حرب السابع من أكتوبر مثلت نهاية حقبة دامت 20 عامًا من السلام - وفقًا للمعايير

الإسرائيلية - والازدهار - وفقًا لمعايير أي شخص - والعودة إلى الدولة والمجتمع الأكثر

عسكرة الذي كان عليه الكيان الصهيوني عند نشأته الأولى.


لقد خاض الكيان الصهيوني ما لا يقل عن خمس حروب في العقدين الماضيين، وتُعد

ميزانيته العسكرية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من بين أعلى المعدلات في العالم،

إذ يتم تجنيد 69% من الشباب و56 % من الفتيات باستثناء اليهود المتشددين والعرب

الإسرائيليين المعفيين من التجنيد كل عام، وتمتلئ الشوارع ومراكز التسوق بالجنود

الذين يرتدون الزي الرسمي، كما يحمل عدد كبير من المدنيين أسلحة آلية.


في مقال له تحت عنوان "نهاية الازدهار في إسرائيل"، نُشر في مجلة فورين بوليسي،

المحرر الاقتصادي ديفيد روزنبرغ، أنه قبل السابع من أكتوبر كان الإسرائيليون قد

وضعوا وراءهم فكرة أنهم كانوا في حالة حرب دائمة، وهي فكرة اعتبرها آباؤهم

وأجدادهم أمرًا مفروغًا منه، والحروب التي خاضوها كانت قصيرة، ولم تلحق أضرارًا

تذكر بالاقتصاد والبنية التحتية، وكانت الخسائر البشرية قليلة.


وكان لكل هذا تأثير مباشر على الجيش الإسرائيلي، فانخفض الإنفاق الدفاعي بشكل

مطرد من 15.6% من الناتج الإجمالي 1991، عشية اتفاق أوسلو، إلى 4.5%

العام 2022، كما انخفض العدد الإجمالي للأيام التي قضاها جنود الاحتياط في

الجيش من 10 ملايين العام 1985 إلى 4 ملايين العام 2000، وإلى مليوني ساعة

فقط العام 2018 وفقًا لمعهد القدس للاستراتيجية والأمن، كما انخفض دعم التجنيد

الإلزامي، إلى أقل من 50% العام 2021 وفقًا لاستطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي

للديمقراطية، واعتمد الجيش بشكل متزايد على التكنولوجيا والقوات الجوية بدلًا من

الدبابات والمشاة للردع.


انخفاض العبء العسكري والشعور المتزايد بأن "إسرائيل" آمنة ويُمكنها بسهولة

التعافي من الحروب الدورية أعطى دفعة للاقتصاد.


لقد تغيرت تلك الصورة تمامًا بعد السابع من أكتوبر، فلتغطية تكاليف حرب غزة،

من المقرر أن يرتفع الإنفاق الدفاعي بنسبة تقترب من 80% هذا العام، أو

نحو 70 مليار شيكل، ومازال الرقم محل نقاش، ولدفع هذه التكاليف اختارت الحكومة

خفض الإنفاق في المجالات الأخرى، وزيادة عجز الموازنة إلى 6.6% من الناتج

المحلي الإجمالي، ولكي تحافظ الحكومة على مستوى الإنفاق العسكري الجديد،

فسوف يتعين عليها في نهاية المطاف أن تعكس سياستها طويلة الأجل المتمثلة

في خفض الضرائب.


لقد علّم هجوم "حماس" الجيش الإسرائيلي أن التكنولوجيا لها حدودها، بعد أن تغلبت

كتائب القسام بسهولة على الدفاعات على طول حدود غزة، كما تعلمت أن لا شيء

يُمكن أن يحل محل القوات البرية، كما سيتم تمديد التجنيد الإجباري إلى 3 سنوات

كاملة بدلًا من السنتين وثمانية أشهر الحالية، وسيتم استدعاء جنود الاحتياط في

كثير من الأحيان.


كما تعلم صناع القرار الإسرائيليين أن الصراعات المستقبلية تُهدد بأن تطول

وتستهلك الذخيرة بمعدل مذهل، فبدون الجسر الجوي الأمريكي، لم يكن الكيان

ليحصل على الذخيرة التي تُمكنه من مواصلة الهجوم على غزة، لأنه يفتقر إلى

القدرة التصنيعية المحلية.


سوف يتردد صدى هذه التغييرات وغيرها حتمًا في الاقتصاد، ومن الطبيعي أن

تؤدي الضرائب المرتفعة إلى إعاقة تطوير الأعمال والنمو، فللبيئة الأمنية المتوترة

آثارها العميقة على قطاع الشركات الناشئة.


فضلًا عن الهجرة المعاكسة إذ يرى الكثير من الإسرائيليين الآن أن الوضع لم يعد

آمنًا كما كان، وأنهم أصبحوا لأول مرة معرضون للهجوم داخل أراضي 1948،

وبشراسة غير معهودة، فمازال مستوطنو المستوطنات في غلاف غزة يخشون

الرجوع إليها، ومستوطنو الشمال كذلك يخشون من الرجوع إلى مستوطناتهم

التي تُقصف يوميًا من لبنان.


لم يعد الكيان الصهيوني كما كان قبل السابع من أكتوبر، ولا يبدو أنه سيعود،

بينما سيُعاد إعمال غزة من جديد، وستبني المقاومة ما خسرته لتُعيد الكرة بعد

سنوات، وربما تكون الإعادة الأخيرة، التي ستكتب نهاية الكيان، الذي سيظل

يُعاني سنوات أخرى من الحرب الفائتة، ولن يُدرك ما ينتظره في الحرب القادمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة بتاريخ 08 فبراير 2024




author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات