القائمة الرئيسية

الصفحات

السُعار الإسرائيلي.. علامة على اقتراب السقوط

 


كتب - عبدالعظيم الأنصاري

كان بإمكان القيادة السياسية في الكيان الصهيوني، إنهاء الحرب في شهر أكتوبر 2023، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبله، في حالة موافقتها على عرض الشهيد يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، وقائد عملية طوفان الأقصى، والذي كان متمثلًا في صفقة لتبادل الأسرى عنوانها "الكل مقابل الكل" أي تسليم كافة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، مقابل تسليم كافة الأسرى الفلسطينيين والعرب والأجانب المحبوسين بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار وعقد هدنة طويلة، تضمن بموجبها إسرائيل تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، برًا وبحرًا وجوًا، مع عدم حدوث المزيد من الانتهاكات للمسجد الأقصى، مقابل ضمان المقاومة بعدم توجيه أي ضربات لإسرائيل طالما التزمت بالاتفاق - الذي كان يعلم الفلسطينيون بأن إسرائيل لن تلتزم به -.

صورة تُظهر تقدم المقاومة في قلب أراضي فلسطين المحتلة يوم السابع من أكتوبر 2023

يبدو السيناريو السابق سيناريو مثالي للمقاومة الفلسطينية، التي ستكون بذلك قد حققت هدفها القريب والمباشر لعملية طوفان الأقصى، وحققت خطوة واسعة لترسيخ قوتها وتثبيت أركانها إيذانًا بخطوة أوسع لاحقة قد تستغرق عدة سنوات أخرى.

لكن القيادة الإسرائيلية أبت إلا أن تنتصر انتصارًا حاسمًا مبينًا، وألا تُقدم أية تنازلات، وأن تُنهي خطر المقاومة على إسرائيل بشكل كامل ونهائي، بغزو قطاع غزة غزوًا كاملًا، وإبادة سُكّانه بالقتل أو التجويع أو التهجير، ومن ثم القضاء التام على جميع حركات المقاومة داخل القطاع وخارجه، وتخلي المقاومة في غزة عن سلاحها والتسليم لإرادة المُحتل الإسرائيلي، وتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين دون قيد أو شرط، وبعد القضاء على حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وجميع فصائل المقاومة في غزة، تُطلق إسرائيل عملية مماثلة في الضفة الغربية للقضاء على الوجود الفلسطيني فيها، إلا من أذنابها، لتكون حرّة في التصرف في المسجد الأقصى وبدء طقوس وإجراءات هدمه وبناء الهيكل المزعوم والتي كانت بدأت قبل الحرب بفترة وجيزة بجلب البقرات الحمراء، وفي الأثناء تُنفذ إبادة شاملة لجميع الحركات والفصائل المقاومة خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، وتقضي على أي محاولة لزرع فكرة المقاومة من المحيط إلى الخليج، ثم الالتفات إلى القوى الإقليمية المهددة للمشروع الصهيوني وعلى رأسها إيران التي تُناطحها علنًا منذ عشرات السنين، وتسعى إلى فرض مشروعها في المنطقة مقابل المشروع الصهيوني، والقضاء على مقدرات كافة الدول والشعوب التي قد تُهدد "إسرائيل" في المستقبل القريب أو البعيد، وإعادة تقسيم الشرق الأوسط وتحويله إلى كنتونات صغيرة معادية بعضها لبعض تكون "إسرائيل" في قلبه نموذجًا حضاريًا مميزًا وقائدًا للجميع.


يتسع مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي وفقًا لشيمون بيريز الذي تولى منصبي رئيس الوزراء والرئيس في الكيان الصهيوني، ليمتد من المغرب حتى باكستان أي أنه من غير المسموح لأي دولة في تلك المساحة الشاسعة أن تشعر بنهضة واستقلالية معًا، فإما أن تشعر بنهضة كبيرة لكنها تبقى تابعة، أو أن تظل مقهورة ذليلة لكي تبقى تابعة أيضًا.


يبدو أيضًا السيناريو السابق سيناريو مثالي للكيان الصهيوني، فهو بذلك يكون قد حرر جميع أسراه، وقضى قضاءً تامًا على المقاومة من جذورها سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها.


ما حدث على أرض الواقع كان شيئًا مختلفًا عن السيناريوهين السابقين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنما هو تفاعل بين الإرادتين المتناقضتين، فلا نجحت المقاومة في عقد الصفقة المرجوة وفك الحصار عن غزة، ولا نجحت إسرائيل في كسر شوكة المقاومة لا داخل غزة ولا خارج الأراضي الفلسطينية، كما فشلت في تحرير أسراها.


الواقع أن الكيان الصهيوني يشعر الآن بتهديد وجودي أكثر من أي وقت مضى، لقد انتُهكت كل ثوابته السابقة، فاخترقت المقاومة الفلسطينية جدار الأمن الإسرائيلي الزائف الهاوي، وأدخلت "إسرائيل" في آتون حرب استنزاف طويلة الأمد، ما زاد الشعور الإسرائيلي باقتراب السقوط، ولتفادي هذا السقوط المرتقب، أفلت السعار الإسرائيلي من بين فكي نتنياهو بشكل هستيري فأخذ يضرب الأطفال والنساء ويقصف الحجارة التي سبق وقصفها مرارًا على مدار الـ 21 شهرًا الماضية في غزة، كما أخذ يضرب في سوريا ولبنان واليمن وحتى في إيران، تمامًا كشخصية شمشون في الأساطير اليهودية، الذي قرر في لحظة غضب هدم المعبد عليه وعلى أعدائه.


إن المواجهة المفتوحة التي دخلت فيها إسرائيل مع إيران، مواجهة خاسرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فإيران التي لطالما حاولت تجنب تلك المواجهة، كانت أقوى بكثير من الكيان الصهيوني طوال الوقت، لكن المخاوف لا تأتي من "إسرائيل" بل تأتي ممن ورائها القوة الأمريكية، والعالم الغربي، كان يُمكن لإيران أن تحسم الكثير من الأمور وأن تتفادى ما تكبدته من خسائر فادحة سواء داخلها أو خارجها "في لبنان"، لو كان لها سبق الضربة الأولى الشاملة، لكنها للأسف لم تُدرك أنها أمام معركة صفرية، وربما لم تدرك ذلك حتى الآن، والحقيقة أن تصوّر الحرب الصفرية تصوّرًا جنونيًا بما يكفي لعدم تصوّره، لكنها حالة السُعار التي تُصيب وحشًا قد أدرك أنه يلقى حتفه وعليه أن يستخدم كل ما أوتي من قوة ومن قذارة حتى يبقى على قيد الحياة، أو يشتري لنفسه بضعة سنوات أخرى، لن تكون في أي حال من الأحوال سنوات سلام، بل ستكون سنوات من الهلع، حتى وإن أدرك ذلك فسيظل الوحش الصهيوني المجنون يضرب ويضرب دون أن يعي أنه في الحقيقة يهرب بسعاره من حتفه إلى حتفه. 


صورة دعائية لفيلم إسرائيلي يتنبأ بزوار إسرائيل العام 2048 ليست إلا إحدى تجليات الشعور الإسرائيلي بالزوال إن آجلًا أو عاجلًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة المصرية الخميس 



أنت الان في اول موضوع
author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات