عبدالعظيم الأنصاري
"إن الدفاع عن إسرائيل والحضارة الغربية أمر واحد".. هكذا بدأ الكاتب الصهيوني إيتان فيشبرغر مقاله في مجلة سيتي جورنال، الصادرة عن معهد مانهاتن لأبحاث السياسات، ليُلخص حقيقة العلاقة بين الكيان والحضارة الغربية.
تفاخر فيشبرغر بما حققته إسرائيل من دمار شامل في قطاع غزة، وسلسلة الاغتيالات التي طالت مجموعة من قادة المقاومة في حركة حماس، وحزب الله، مصوّرًا اتساع رقعة الحرب، إلى ميادين بعيدة وصلت إلى قلب إيران، على أنها خوض لحرب وجودية حققت فيها إسرائيل انتصارات لم يكن أحد ليتخيلها، وبتحليل خطابه نجد حقًا كيف تحولت المقاومة، ذات الإمكانات المحدودة للغاية مهما كانت مقارنة بقوة الجيش الإسرائيلي المدعوم من كافة الدول الغربية وبأعتى والأسلحة الأمريكية وأكثرها تقدمًا، إلى تحدٍ وجودي لإسرائيل بحسب تعبير فيشبرغر نفسه.
عبّر الكاتب الصهيوني عن مخاوفه الشديدة من الضغوط التي تُمارسها إدارة بايدن-هاريس والحكومات الأوروبية المختلفة على إسرائيل للتراجع والسعي إلى وقف إطلاق النار، مندهشًا من تلك الضغوط مؤكدًا أن الحرب الوجودية ضد إسرائيل تستهدف في المقام الأول الإطاحة بالحضارة الغربية، وفي مواجهة هذا التحدي أوصى بعدم إبداء أي علامات ضعف، مستعينًا بكلمات الكاتب والروائي الأمريكي أندرو كلافان التي لخصت الكثير أيضًا، عندما قال: "إنني آمل فقط أن تتمكن إسرائيل من إنقاذ الحضارة الغربية قبل أن تتمكن الحضارة الغربية من إيقافها"، أي أنه يأمل في أن تنتصر إسرائيل في حربها المستمرة لما يزيد على العام الآن، قبل أن تنجح بعض الجهود المحسوبة على تلك الحضارة في إيقاف إطلاق النار على الوضع القائم، ما يعني هزيمة لإسرائيل، وهزيمة من ورائها للحضارة الغربية برمتها.
استمر إيتان فيشبرغر في النواح على إسرائيل والغرب، مُعبرًا عن صدمته من منظر المدن والشوارع الغربية، التي تحولت هي الأخرى إلى ساحات لمعركة الوعي والرأي العام، ورغم كونه كاتبًا ومحللًا سياسيًا وأكاديميًا شهيرًا، فإنه استمر في مغالطاته العلمية والمنطقية، قائلًا: "إن الحرب أطلقت موجة من الكراهية التي كان يعتقد أنها أصبحت من الماضي، وأنها لم تقتصر على "الأعداء" أي "العرب والمسلمين"، وإنما أعطت كما يقول معادي السامية في الغرب تفويضًا مطلقًا لإظهار فسادهم ودعمهم للإرهاب والعنف للعالم"، وهو بذلك يتبنى رواية ديماجوجية تستند إلى خرافات الصهاينة حول كون أي عداء للصهاينة يُعد عداءً لكل اليهود، وأن أي مُعادٍ لليهود هو معادٍ للسامية، في الوقت الذي يُعادي فيه العرب الساميين الصهاينة، وليس اليهود كلهم، الذين يُعادي قطاع عريض منهم الصهيونية، وإسرائيل، يهود الناطوري كارتا نموذجًا، والذين يرون في وجود إسرائيل تحديًا لإرادة الله الذي كتب عليهم التيه في الأرض.
واستمر فيشبرغر في النواح محاولا المزج التطابقي بين الصهيونية وقيم الحضارة الغربية، مدينًا ما قال إنها اللامبالاة أو العداء الصريح من قبل الطبقة القيادية الغربية التي أوكلت إليها مهمة حماية القيم الغربية، نائحًا على هزيمة الصهيونية في معركة الرأي العام، قائلًا: "إن الجانب الأكثر إزعاجًا في هذا الفشل هو عدم قدرتهم على رؤية أن هذا الارتفاع في معاداة السامية هو جزء من العداء الأوسع نطاقًا تجاه القيم الغربية".
بالتأكيد تُعد الصهيونية أحد منتجات الحضارة الغربية، لكن يجب توضيح أنها ليست منتجًا غربيًا خالصًا ليس تبرئة للحضارة الغربية من غيّها وانحطاطها، وإنما إحقاقًا للحق، فإن الصهيونية قديمة قدم شتات بني إسرائيل في الأرض، لكن العنصرية الصهيونية التقت مع الحضارة الغربية، خاصة الأمريكية، في الكثير من مصالحها وقيمها، وبالفعل فإن ضربات المقاومة للكيان الصهيوني هي في الواقع ضربات لقلب الحضارة الغربية، وإن زوال الكيان سيكون زوالاً لعصر طال من الهيمنة الغربية لابد له أن ينجلي.
تعليقات
إرسال تعليق