القائمة الرئيسية

الصفحات

 


عبدالعظيم الأنصاري

إن استمرار الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يُهدد بكارثة اقتصادية إسرائيلية، قد تُفضي إلى الانهيار، إذ أصبح الاقتصاد الإسرائيلي يُعاني سرعة وتيرة زيادة معدلات التضخم والبطالة، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي، ومواجهة تصنيفات ائتمانية منخفضة، مع انخفاض حاد في الصادرات، وضغط الإنفاق العسكري المفتوح أمام ساحات الحرب، ومع نزوح نحو ربع مليون إسرائيلي عن منازلهم في مناطق غلاف غزة، وشمال إسرائيل، جرّاء صواريخ المقاومة من الجنوب والشمال، فقد الاقتصاد العديد من مزاياه، وتحوّل هؤلاء إلى عبء إضافي على الميزانية الإسرائيلية، التي أصبحت تواجه خطر ركود اقتصادي عميق.

بينما يجد الإسرائيليون صعوبة في وضع موازنة العام المقبل، وفي حالة فشل الحكومة في وضع موازنة حتى مارس 2025، فستسقط الحكومة بموجب القانون، وربما يتوقف إطلاق النار في انتظار الحكومة الجديدة.


خطة سموتريش

في ظل هذه الظروف الضاغطة، طرح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريش، بداية الشهر الجاري، موازنته المقترحة لعام 2025، والتي تمثلت حلولها في نقطتين رئيسيتين تخفيض النفقات، ورفع الضرائب، وقال إنه يستهدف من وراء خطته إلى خفض نسبة العجز 4%.


وفقًا سموتريش المقترحة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عليه أن يُضحي الآن بمجموعة كبيرة للغاية من قاعدته الانتخابية إذ عليه أن يُخفض المخصصات المالية والميزات الضريبية التي يحصل عليها المستوطنين المتدينين المتطرفين، ما يُعد انتحارًا سياسيًا، وفي حالة عدم تنفيذ الخطة وعدم وجود خطط بديلة لتوفير ميزانية للكيان، حتى مارس المقبل، فإن الحكومة تسقط بموجب القانون، وهكذا يحاول نتنياهو الإفلات من بين فكي كماشة الاقتصاد والسياسة.

في تقرير لوكالة بلومبيرغ قال جال هيرشكوفيث، رئيس الميزانيات السابق في وزارة المالية الإسرائيلية، إن خطة تجميد رواتب القطاع العام، ومخصصات الرعاية الاجتماعية تشكل تحديات كبيرة، فالأول يتطلب موافقة اتحاد العمال "الهستدروت"، وهي موافقة مُستبعدة، في ظل مُطالبة الاتحاد نفسه بإغلاق بعض المكاتب الحكومية وخفض الأموال المخصصة للأحزاب في حكومة نتنياهو، والتي تُنفق على المدارس الدينية وتطوير المستوطنات في الضفة الغربية من بين أمور أخرى، المطالب التي تواجه برفض قاطع من الحكومة الإسرائيلية.

في حين يقول بنك إسرائيل إن الكيان مضطر إلى اقتراض 250 مليار شيكل حتى نهاية العام المقبل، وقد بدأ بالفعل في الاقتراض من الأسواق المحلية والدولية بإجمالي يزيد قليلًا عن 200 مليار شيكل حتى أغسطس، كما أصبح الاقتراض أكثر تكلفة لأن المستثمرين طالبوا بأسعار فائدة أعلى منذ بدء الحرب، كما تُقدر وزارة المالية تكاليف الديون الإضافية بأكثر من 7 مليارات شيكل العام المقبل، و10 مليارات العام 2026.

من ناحية أخرى، يبدو أن خطة وزير المالية الإرهابي لها جوانب أخرى خفية، أحد هذه الجوانب يتمثل في الاستيلاء على أموال البنوك الفلسطينية في الضفة الغربية، وحجب أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، والاستيلاء عليها، ما يؤدي إلى ابتلاع الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية، ما يؤدي ربما إلى سقوط السلطة الفلسطينية نفسها، وتأجيج الاضطرابات في الضفة الغربية، وما يصب في خانة المأزق الاقتصادي الإسرائيلي في نهاية المطاف.


انقسام عميق

قبل 21 شهرًا من الآن، ظن الحريديم "اليهود المتدينون" أنهم انضموا إلى ائتلاف الأحلام الحكومي مع بنيامين نتنياهو، لكن سرعان مع تحولت الأحلام إلى كوابيس، كان الهدف حكومة تُغذي المعاهد الدينية، وتُعزز مخصصات الرعاية الاجتماعية، وتُبقي شبابها معفيين من الخدمة العسكرية للدراسة، وهو ما كان واقعًا قبل طوفان الأقصى، أما الآن فقد ألغت المحكمة العليا الإعفاء مؤيدة من قبل الجماهير المحتشدة في الشوارع ضد الحكومة، في حين يتصارع الكنيست حول كيفية تجنيد عشرات الآلاف من الشباب الحريديم الرافضين لأداء الخدمة العسكرية، ومن المُقرر توقف إعانات المدارس الدينية ومرحلة ما قبل المدرسة في نوفمبر المقبل، كما تعلقت بالفعل زيادات أجور معلمي المدارس الدينية.


الإسرائيليون العلمانيون، الذين تركوا أعمالهم لأداء الخدمة العسكرية، في غزة والشمال، يشعرون بغضب حقيقي، تجاه الحريديم، إذ يرون أنفسهم يُدافعون عنهم بأرواحهم وترك أعمالهم، ويدفعون ضرائب أعلى منهم، في ظل تجميد رواتب القطاع العام، وارتفاع تكاليف المعيشة، بعضهم هرب إلى مساكن في البرتغال وتايلاند في انتظار مرور الأزمة، والبعض الآخر مازال في إسرائيل يدفع الثمن من ماله ودمه.


نهاية نتنياهو

من جهتها قالت الكاتبة الإسرائيلية "مازال معلم" إنها تشك في قدرة نتنياهو على وضع موازنة حكومته قبل مارس المقبل، لافتة إلى أنه يُدرك جيدًا أن الانهيار الاقتصادي سيُمثل نهاية حياته السياسية، الواقع أن حياته السياسية قد انتهت بالفعل منذ بداية طوفان الأقصى، وما تبقى منها ما هو إلا أيام الحرب التي لابد أن تضع أوزارها على قفاه.


إن نتنياهو يسعى إلى تحقيق انتصار خارق بالقضاء التام على حركة حماس أو حدث إقليمي جلل، يُخرجه من مأزقه، وإذا فشل في تحقيق ذلك قبل مارس المقبل، فإن حكومته ستسقط بحكم القانون الإسرائيلي، مُعلنة نهاية حياته السياسية، وبدء فترة المُساءلة والمُحاسبة على كل ما فات على الأقل داخل إسرائيل.

وترى ميراف أرلوسوروف، المحللة في صحيفة ذا ماركر أن نتنياهو ينتظر ليرى ما سيحدث، مثل من سيفوز في الانتخابات الأمريكية، معتقدًا أن دونالد ترامب سيمنحه حرية عمل أكبر من كامالا هاريس، وقد يُقرر بعد ذلك ما إذا كان سيتنازل عن الموازنة ويدعو إلى انتخابات أو يُقر موازنة أقل صرامة، على أمل أن يُسامحه الجميع بما في ذلك الأسواق عند تحقيق انتصار ما، أو قد يفعل شيئًا غير متوقع تمامًا للدفاع عن آخر ما تبقى له في حياته السياسية التي انتهت بالفشل الذريع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 03 أكتوبر 2024






author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات