القائمة الرئيسية

الصفحات

عشق مودي وبيبي.. هل يمتطي شمشون الفيل الهندي؟

 


عبدالعظيم الأنصاري

من يراقب تطورات العلاقات الهندية - الإسرائيلية، منذ حرب السابع من أكتوبر، يلاحظ دفئًا غير معهودٍ، فكيف امتطى شمشون الفيل الهندي؟ وما هو سر العشق بين مودي وبيبي؟

يُعبّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عن الهوية القومية الهندوسية للهند كما لم تكن من قبل عبر التاريخ، حيث عاشت الهند لآلاف السنين بوتقة للعديد من العقائد والفلسفات القديمة التي كانت تمتزج وتندمج وتتعايش وسط تقبل واسع للاختلاف، لكن المشاعر التي يُصدّرها الحزب الحاكم، بهاراتيا جاناتا، تُعد حنينًا إلى عصر ذهبي لم يكن موجودًا على الإطلاق قبل غزوات المسلمين منذ الدولة الأُموية، وحتى إمبراطورية المغول المسلمين، ثم الاحتلال البريطاني.

حتى الجمهورية الهندية ورغم حروبها ضد باكستان الدولة الممثلة للمسلمين "الهنود"، كانت مرجعيتها طوال تاريخها قبل مودي، مرجعية علمانية، لا تُفرق بشكل ملحوظ بين أصحاب العقائد المختلفة على أرضها، وكانت ضمن دول عدم الانحياز التي لطالما اتخذت مواقف سياسية داعمة للقضية الفلسطينية.

لكن بوصول مودي إلى سدة السلطة منذ 2014، نُظر إلى المسلمين الهنود الذين يساوي عدد نفس عدد سكان باكستان تقريبًا، على أنهم أعداء، ومن هذا المنطلق مدت نيودلهي جسور التواصل بل والتآزر والتحالف، مع أي دولة ترى في سياستها ما يخدم "القومية الهندوسية للهند"، وبالتالي محاربة كل ما يمت للإسلام بصلة، في إطار نظرة استراتيجية إقليمية كبرى، تشمل شبه القارة الهندية كاملة، بل وتمتد خارجها، لتشمل جنوب قارة آسيا بما في ذلك الجناح الآسيوي للعالم العربي.

من هذا المنطلق يُمكن أن نُفسّر دفئ العلاقات الهندية - الإسرائيلية، والذي بدا جليًا بعد حرب السابع من أكتوبر، إذ كانت الهند الدولة الأولى في العالم التي أعلنت دعمها للكيان الصهيوني، وإدانتها لهجوم حركة حماس، إذ غرّد مودي فور نشر أخبار الهجوم، على حسابه على منصة إكس: "تتضامن الهند مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة"، واتصل بصديقه بنيامين نتنياهو هاتفيًا ليطمئن على مجريات الأمور، وغرّد بعدها: "شعب الهند يقف بحزم إلى جانب إسرائيل في هذه الساعة الصعبة.. الهند تدين بشدة وبشكل لا لبس فيه الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره".

ولم يتوقف الأمر على ذلك بل إن الدعم السياسي الهندي للكيان استمر في جميع المحافل الدولية، فلم يصدر منها أي إدانة ولو غير مباشرة للكيان، حتى بعد أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وانضمت إلى 44 دولة في الامتناع عن التصويت على القرار الرمزي للجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة في 27 أكتوبر، وفي عدد لاحق من المرات.

 كما كانت الهند المحطة الأولى لانطلاق الدعم اللوجستي والاقتصادي لدولة الكيان عبر الصحراء العربية، "الممر الاقتصادي الأوروبي"، كطريق بديل عن باب المندب الذي أغلقه اليمن في وجه السفن الذاهبة إلى الكيان، فضلًا عن الهنود من أصول يهودية، الذين ينضمون إلى وحدة "الجنود الوحيدون" في الجيش الإسرائيلي، وأعداد غير مُعلن عنها من المرتزقة الهنود، والذين يُحاربون في الخطوط الأمامية داخل قطاع غزة.

ظلت تتطور العلاقات الهندية - الإسرائيلية على استحياء شدد من قبل الهند، التي كانت من داعمي القضية الفلسطينية، في مرحلة ما بعد الاستعمار، ولم تفتح علاقات دبلوماسية رسمية مع الكيان إلا بعد بدء عملية السلام في أوسلو 1992، وعلى مدى العقد اللاحق ازدهرت الشراكة الدفاعية والتقنية، وإن كانت أقل من آمال الإسرائيليين حينها، ما دعا آرييل ارون إلى زيارة نيودلهي 2003، لتوطيد العلاقات مع الدولة التي أصبحت من كبار مستوردي السلاح الإسرائيلي في العالم، وأصبحت تعتمد على الكيان كثاني أكبر مصدر للسلاح بعد روسيا.

لكن مودي فتح صفحة جديدة بالكلية مع الكيان، فزار الكيان في زيارة هي الأولى لرئيس وزراء هندي إلى الأراضي المحتلة، العام 2017، ثم احتفل بزيارة نتنياهو في نيودلهي، واحتلت صداقة مودي وبيبي عناوين الأخبار في كلا البلدين.

ويبدو أن مودي وجد ضالته في بيبي، لإقامة تحالف قوي، لضرب أي قوّة يُمكن أن تُنسب إلى "المسلمين" سواء من قريب أو من بعيد، ليحوّل دفة الهند بالكامل من الدعم السياسي الجزئي للقضية الفلسطينية، إلى الدعم الكلي الشامل للكيان الصهيوني، وإسقاط القضية الفلسطينية تماما من الحسابات الهندية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُشر في صحيفة الكرامة الخميس 02 مايو 2024





author-img
لكل منا طيفه الذي ما إن يبدأ أولى خطواته في الحياة ويمر بتجاربه الخاصة يتحوّل إلى أطياف متعددة نابعة من ذلك الطيف الأول، هنا أشارككم أطيافي وأحلامي وعوالمي.

تعليقات