هكذا يرى العم سام تحركات الدب الروسي في أوكرانيا
بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، 24 فبراير من العام الجاري، كعملية غزو شامل استهدفت السيطرة على العاصمة الأوكرانية مباشرة، والتخلّص من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكن سرعان ما فشلت محاولة السيطرة على كييف، وانسحبت قوات الجيش الروسي من شمال أوكرانيا، لتُركز الهجوم على الشرق للسيطرة على إقليم الدونباس، حيث جمهوريتي دونيتسك ولوغانيسك الانفصاليتين.
في كل مرحلة من مراحل العملية العسكرية الروسيةن وحتى قبل أن تنطلق كانت واشنطن على علم بكل التحركات العسكرية، بل إنها كانت قبل العملية تُعلن بالفعل ساعة الصفر التي قررها الروس، ليعود الروس فيُأجلون انطلاق عمليتهم إلى موعد لاحق فيتسرّب كل موعد جديد إلى المخابرات الأمريكية، حتى يأس الروس من تأجيل العملية إلى موعد لا تعلم به واشنطن، فأطلقوها رغم إعلان الأمريكيين لساعة الصفر.
منذ بداية المعركة وحتى اللحظة بدت تحركات الدب الروسي ثقيلة على الأرض، مكشوفة أمام سماء يُهيمن عليها العم سام، الذي حيّد سلاح الجو الروسي، بمضادات الطائرات "ستينجر" وغيرها، ليعتمد الروس في غاراتهم على الصواريخ التي برعوا في صناعتها وتقنياتها واستخدامها أيضًا.
تتنوّع أساليب أجهزة الاستخبارات في الوصول إلى المعلومات فهناك الاختراق البشري عبر زرع أحد عناصرها بين صفوف العدو، أو تجنيد أحد رجال العدو ليُصبح مزدوج الولاء، وهي اللعبة التي تستخدم بشكل أكثر فاعلية وأقل كلفة في حالة الاختراقات الفكرية والعقدية عندما ينجح جهاز استخبارات معين في إقناع بعض أفراد جيش العدو بصحة أفكاره ومعتقداته ومع مرور الوقت يحدث انقسام وتشظي داخل المعسكر الواحد.
هناك كذلك الاختراق الإلكتروني عبر زرع أجهزة تجسس معينة أو استخدام أساليب القرصنة الإلكترونية، لكن هناك جانبٌ آخر أصبح أحد أكثر الجوانب خطورة في العمليات الاستخبارية وهو الجانب العسكري المباشر، واستخدام التقنيات العسكرية الحديثة، وهو ما سنُسلّط الضوء عليه فيما يلي.
في تحليل نُشر في مجلة أرمادا الدولية المختصة بالشؤون العسكرية، أوضح ديفيد أوليفر، كيف كان - ومازال - حلف الـ"ناتو" يُراقب تحركات الروس عبر طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المحمولة جوًا ISR المعلومات التي كان يُمرر جزءًا يسيرًا منها إلى القوات الأوكرانية، والتي أسهمت بشكل كبير في عرقلة التقدّم الأولي وفي منع الاستيلاء النهائي على كييف.
ففي مارس كان هناك تكثيف في رحلات المراقبة التابعة لحلف شمال الأطلسي على طول حدود أوكرانيا حيث شوهد معظم النشاط في المجال الجوي الروماني، وشمل ذلك رحلات لوكهيد البحرية الأمريكية EP-3Es التي تُحلق على طول الحدود بين رومانيا ومولدوفا، وتُعد طائرة استطلاع متعددة الأغراض، تعتمد على هيكل الطائرة P-3 Orin وتمت ترقية 16 منها مؤخرًا من مجرد تنفيذ مهمات استخباراتية عن طريق إرسال الإشارات المباشرة، إلى القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية المتعددة، خاصة مع تزويدها بأجهزة الاستقبال الحساسة وهوائيات الأطباق، إذ تستغل مجموعة واسعة من الانبعاثات الإلكترونية من أعماق المنطقة المستهدفة، ويقوم الطاقم بدمج المعلومات التي تم جمعها جنبًا إلى جنب مع البيانات الخارجية وينشر المعلومات المتعاونة للتحذير المباشر من التهديدات، وتعاون سلاح الجو الملكي البريطاني والقوات الجوية الأمريكية في تزويد أنظمة الطائرات بدون طيار بمجموعة مستشعرات تسمح لطاقم المهمة باكتشاف الإشارات وتحديد موقعها الجغرافي في جميع أنحاء الطيف الكهرومغناطيسي، وكانت طائراتهم تُحلّق على طول حدود أوكرانيا مع روسيا البيضاء حليف روسيا الوثيق.
ضمن أنظمة رادارات الحلف، يوجد نظام رادار هجوم نورثروب غرومان للمراقبة المشتركة التابع للقوات الجوية الأمريكية "جوينت ستارز"، والذي يُمكنه تغطية 500 كيلو متر مربع وقادر على الكشف عن أهداف تزيد عن 250 كيلو متر، ويمتلك بعض القدرة على اكتشاف طائرات المروحية والطائرات ذات الأجنحة الثابتة المنخفضة الحركة والبطيئة.
في المجال الجوي البولندي تعمل القوات الجوية الإيطالية بنظامي ISTAR و AIREW وجرى الحصول عليها من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI .
فيما نشر الجيش الأمريكي حواجز الحماية من طراز Beechcraft RC-12X في ليتوانيا حيث يقوم بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع على طول الحدود الليتوانية مع روسيا البيضاء وإقليم كالينينغراد - وهو الجيب الروسي المعزول والوحيد على ساحل بحر البلطيق - .
كما تحتوي طائرة نظام الاستطلاع والاستهداف متعدد المهام الاستخبارية التابعة للجيش الأمريكي ARTEMIS على رادار تجميع إلكتروني ورادار مسح أرضي حتى تتمكن من رؤية حركة المركبات العسكرية في نفس الوقت الذي تتحرك فيه مباشرة، ولديها نظام تجميع إشارات RF أو التردد اللاسلكي التي تنبعث من تحركات العدو، ويُمكن أن تصل مستشعراتها إلى مئات الأميال، وتتخذ من كونستانتا في رومانيا مقرًا لها، يُمكنها مراقبة ما يجري في روسيا البيضاء وجيب كالينينغراد، وربما حتى منطقة دونباس، وفيما يبدو فإن واشنطن ترغب في نقل نطاق عمل هذه الطائرة إلى داخل روسيا نفسها، مع الاحتفاظ بالطائرة في أمان داخل المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي.
تعليقات
إرسال تعليق